عدنان جبريني
الاقتصاد المعرفي يعد محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي ويعتمد بشكل أساسي على تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصال والابتكار، فقد بات من البديهي أن ما نعيشه اليوم من تقدم وتطور في التكنولوجيا له أثر كبير وضخم على اقتصاد بلدنا كما هو الحال في الاقتصاد العالمي لباقي الدول.
لهذا سوف نتطرق في هذه المقالة إلى آلية تعامل بعض الدول مع هذه التكنولوجيا، وكيف استغلت هذا الانفتاح الرقمي للعالم من أجل تحقيق مصالح اقتصادية بحتة، والخروج من أزمات حقيقية والتخلص من الكثير الأعباء على دول كانت من المستوردين وأصبحت من المصدرين، ولكن ليس عن طريق المواد الأولية أو المشتقات النفطية أو الأسلحة أو غيرها من المصادر المعروفة في صفقات التبادل بين الدول، بل عن طريق تصدير الآلات الصناعية والأجهزة الإلكترونية، كما هو الحال في اليابان بمختلف أنواعها (حواسيب وشاشات وهواتف وأجهزة ذكية وغيرها)، حيث أنها لا تتساوى من حيث الحجم أو الكمية مع باقي الصادرات الرئيسية بالنسبة لهذه الدول.
إلا أنها باتت تأخذ حيزاً كبيراً في ميزانية أي دولة وتؤثر بشكل كبير على دخلها، وقد تتسبب في أزمات حقيقية وواقعية في الدولة وقد تضعف من اقتصادها.
قبل البدء في التفاصيل سوف نعطي شرحاً مبسطاً لهذا الموضوع، فلو افترضنا أن دولة من الدول ليس لديها أي مردود خارجي من صادراتها، وجل اعتمادها على الاستيراد من البلدان الخارجية فحتماً سوف تدفع وتتحمل ديوناً كثيرة لا يمكن مع الوقت سدادها، وقامت بابتكار فكرة تصنيع جديدة -لنفترض سيارة على الطاقة الشمسية- وقامت باحتكار إنتاج ضخم منها وبأسعار أقل من المعتاد، فإنها سوف تتحول من بلدٍ مستورد للسيارات إلى بلد مصدر، أي أن السيارات سوف تصبح من الإيرادات المهمة والرئيسية لهذا البلد.
وهكذا هو الحال في بعض البلدان بحيث يتم إدخال السيارات والهواتف والشاشات والأجهزة الإلكترونية والآلات الكبيرة، وتقوم هذه الدولة بدفع المال لسداد المستحقات والديون، ولكن حتى هذا الإنتاج غير كفيل بتحمل أعباء كل هذه الأجهزة الإلكترونية التي تعد مكسباً وإيراداً للدول التي تصدرها في حين أن هذا الدول مجبرة أولاً باستيراد مواد ضرورية وهامة من المواد الأولية وغيرها من المشتقات النفطية للبدء في عملية الإنتاج الفعلي، أي فعلياً أصحبت هذا الأجهزة أو الآلات الإلكترونية هي مواد أولية للدولة.
ويجب التنويه بأن التكنولوجيا ساعدت بدورها في تقسيم العالم إلى ثلاثة أقسام:
دول صناعية تمتلك قاعدة تكنولوجية حيوية واستراتيجية غير مقيدة بأي قيد.
دول صناعية تمتلك قاعدة تكنولوجية مقيدة تنتج بضائع غير استراتيجية.
دول لا تمتلك قاعدة تكنولوجية مطلقاً.
أما النوع الأول من الدول فتنتسب لها كل من أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، وتنتسب إلى النوع الثاني اليابان وألمانيا وكثير من دول أوروبا الغربية وكندا، والنوع الثالث يضم دول العالم الثالث وأميركا اللاتينية وأفريقيا والعالم الإسلامي ومنه العربي.
وقد أصبحت الدول في العالم الثاني والعالم الثالث سوقاً كبيراً للصناعات الاستراتيجية التي تنتجها دول العالم الأول، والصناعات الاستراتيجية هي بالدرجة الأولى صناعات عسكرية.
من حيث الإنتاج والتطوير لايزال العالم العربي بعيداً كلياً عن تصدير التكنولوجيا، وبناء الخطط والعمل عليها كما حدث مع البلدان السابقة، ولا يمكن القيام بها في ظل الظروف الحالية، فالمنتج النهائي في الدول المتقدمة ما كان ليخرج لولا توفر حزمة كبيرة من المؤهلات مكنت الشركة من الإنتاج وأبرزها التعليم الجيد والأيدي العاملة الماهرة، ومراكز البحث المتطورة والإنفاق المالي على تلك المؤسسات، بالإضافة إلى توفير بيئة مالية ومصرفية تخدم تلك الاستثمارات، وهو ما لم يتوفر في الدول العربية بعد.
وإن هذا الشكل من الاقتصاد الذي فرضته التكنولوجيا والحضارة والتطور سوف يغزو حياتنا اليومية بشكل أو بآخر، فالمؤكد أن أياً من الدول لا يمكنها إيقاف التطور العلمي المستمر في هذه الأشياء، والمؤكد أيضاً أن على الاقتصاديين ابتداع نماذج حساب جديدة لحجم تطور الدول، وطريقة حساب الناتج المحلي للدولة اعتماداً على التقنية المستخدمة فيها، إذ قد يصبح تطور الدولة يُقاس بحجم ما تملكه أو تطبقه من تقنية في قطاعاتها ليُطلق عليها دولة متقدمة.
السنوات المقبلة ستشهد استخداماً أوسع نطاقاً للتقنية، وستصبح أفلام الخيال العلمي مطبقة على أرض الواقع، وسيتحدد تطور الدولة بمدى إنتاجها التقني، وسيكون العالم أكثر انقساماً مما سبق، فإما أن يكون مصدراً للتكنولوجيا وما يلحق بها، أو أن يكون مستهلكاً للتكنولوجيا. فلتنظر كل دولة ما تريد.