يمن إيكو|خاص:
شهدت بعض جبهات القتال في اليمن عودة للمواجهات بين القوات اليمنية المتنوعة والمنضوية تحت التحالف السعودي، وخصوصاً تلك المدعومة من الإمارات، وبين قوات صنعاء التي يتشكل معظمها من مقاتلي أنصار الله الحوثيين، ضمن تحرك أمريكي سعى إلى إشغال قوات صنعاء بإعادة المعارك المتوقفة منذ أكثر من عامين، بهدف الضغط عليها لوقف الهجمات على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، غير أن اللافت أن تلك المواجهات، التي أدت لخسارة القوات اليمنية مواقع هامة لصالح قوات صنعاء، غاب عنها الإسناد الجوي الذي كانت توفره السعودية، لتؤكد الأخيرة أنها متمسكة بالتسوية مع حكومة صنعاء كنتيجة لمحادثات طويلة بين الطرفين برعاية من سلطنة عمان.
تقول معلومات متجددة حصل عليها موقع “يمن إيكو” إن الاتصالات المباشرة بين حكومة صنعاء والسعودية لا تزال نشطة للغاية، وإن الأخيرة جددت تأكيدها لحكومة صنعاء أنها جادة في التسوية لإنهاء الحرب التي بدأت في مارس 2015، وأنها غير راضية عن تنسيق القوات الحكومية الموالية لها مع الجانب الأمريكي للتصعيد ضد قوات صنعاء، حتى أن السعودية رفضت- على الأقل بشكل علني- الانضمام إلى أي تحرك أمريكي لمواجهة قوات صنعاء أو الحوثيين في البحر الأحمر، بل إن وزير الخارجية السعودي عبَّر في أكثر من مناسبة أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر مرتبطة بالحرب على غزة، وأن معالجة وضع القطاع وإنهاء الحرب الإسرائيلية سبيل وحيد لإنهاء الأحداث في البحر الأحمر. علاوة على ذلك جاء بيان الخارجية السعودية عقب الهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن في 11 يناير الماضي ليؤكد الموقف السعودي الذي خلا من أي تأييد لتلك العمليات، بل إن البيان كان أقرب إلى إدانة تلك الهجمات.
المدخل لفهم اللحظة الراهنة:
منذ 2020 أدركت السعودية أنها لن تحقق أهداف الحرب، التي قادتها ضمن تحالف أطلق عليه “التحالف العربي”، ضد جماعة أنصار الله الحوثيين، فدخلت معهم في مفاوضات مباشرة، تجاهلت فيها حلفاءها اليمنيين، توجت في البداية بإعلان الأمم المتحدة هدنة بدأت في أبريل 2022، ورغم أنه لم يجر تجديدها إلا أنها ظلت محافظة على بنودها، وتطورت إلى أكثر من ذلك من خلال تخفيف القيود على موانئ الحديدة وزيادة عدد الرحلات الجوية عبر مطار صنعاء، منذ ذلك الحين توقفت الحرب بشكل عملي، وإن كان لم يتم الإعلان عن نهايتها والتسوية بشكل رسمي.
في إطار مساعيها للخروج من حرب اليمن، فاجأت السعودية الأوساط العربية والعالمية، عقب الهدنة بأيام أي في 7 أبريل 2002، بمؤتمر لمن يفترض أنهم حلفاؤها اليمنيون، لم يعلم المشاركون فيه أي أجندة عنه، وفوجئوا بنتائجه التي تمثلت بإعلان عبدربه منصور هادي إقالة نائبه علي محسن الأحمر، وتشكيل مجلس رئاسي فوضه بصلاحيات الرئيس، وتكون من قادة الفصائل التي تقاتل الحوثيين وبرئاسة رشاد العليمي، وكان بيان الإعلان عن المجلس واضحاً ونص على أنه جاء من أجل الدخول في تسوية سياسية مع أنصار الله وحكومة صنعاء، وأنه بالتالي غير معني بالحرب العسكرية.
أما لماذا تريد السعودية الخروج من حرب اليمن، فالأمر لا يتعلق فقط بعدم استطاعتها القضاء على أنصار الله الحوثيين، بل لعدم قدرتها على منع هجماتهم المميتة بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة، وخصوصاً التي استهدفت قطاع النفط السعودي، مثل الهجوم الذي استهدف منشأة بقيق وخريص في 2019 ووصف بأنه أكبر هجوم على النفط منذ عقود. كما نقلت تقارير غربية عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، أنه يدرك أن خططه الاقتصادية الطموحة لبلاده والمشاريع التي يجري إنشاؤها مثل مدينة نيوم يمكن أن تتلقى ضربة قاتلة بمجرد وصول صاروخ أو طائرة مسيرة إليها، وأن هذا السبب يدفع به للخروج من حرب اليمن والتركيز على تنفيذ خططه الاقتصادية.
كان الاندفاع السعودي للتسوية مع حكومة صنعاء واضحاً بزيارات غير معلنة بينهما إلى صنعاء والرياض، وبعد ذلك الزيارة المعلنة للسفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء في أبريل 2023 ولقاؤه رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، وقيادات حكومة صنعاء، وتلاها زيارة وفد حكومة صنعاء برئاسة الناطق باسم أنصار الله، محمد عبدالسلام، إلى الرياض ولقاؤه مسؤول ملف اليمن في السعودية نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان، نجل الملك السعودي وشقيق ولي العهد.
التطورات التي شهدتها العلاقة بين السعودية وحكومة صنعاء واقترابهما من التسوية السياسية همشت تماماً دور الأطراف اليمنية التي رعاها التحالف السعودي في سنوات الحرب، ووجدت نفسها مجبرة على الترحيب بمجريات المفاوضات بين صنعاء والرياض لكنها كانت تضع في ترحيبها مسألة التمسك بالمرجعيات الثلاث للحل السياسي في اليمن، وأهمها قرار مجلس الأمن 2216 الذي تجاوزته المحادثات بين صنعاء والرياض، الأمر الذي جعل الأطراف اليمنية (مجلساً رئاسياً وحكومةً وأحزاباً وقواتٍ انفصاليةً جنوبية) تجد نفسها وحيدة وعاجزة عن كبح جماح المساعي السعودية للتصالح مع صنعاء، حتى وجدت في الهجمات على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر فرصة للحصول على رعاية أمريكية في مواجهة الحوثيين.
العلاقة المنضبطة مع واشنطن:
منذ تولى علي عبد الله صالح الحكم في سبعينيات القرن الماضي، أدخل معه اليمن في المعسكر الأمريكي، لكن هذه العلاقة ظلت محكومة بكونها علاقة تنظمها السعودية وتتم عبرها، ولعل أكثر ما كان يغضب القيادة السعودية من نظام صالح أو بعد ذلك خلفه عبدربه منصور هادي أن يسعى أي منهما لربط علاقة مباشرة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقد عبّر صالح، عقب إجباره على التخلي عن السلطة في 2012 بتسوية سعودية، عن ذلك صراحة، بل واعتبر في مقابلة تلفزيونية مع قناة الميادين أن سبب الحرب السعودية على اليمن هو غضب السعودية منه عندما قام بالتنسيق مع الأمريكيين في مسألة تخص محاربة الإرهاب بدون أن يمر عبر محمد بن نايف حين كان وزيراً للداخلية في السعودية.
البحث عن رعاية أمريكية والهروب من التهميش:
قبل أيام ومن الرياض، أجاب رشاد العليمي على سؤال للصحافيين حول ما إذا كان يريد تدخلاً أمريكياً مباشراً في اليمن ضد الحوثيين بالقول: إنه يطلب ذلك في كل يوم وكل شهر وكل عام، رغم حداثة عهده في منصبه الذي تولاه لقيادة التسوية السياسية مع الحوثيين.
رشاد العليمي، الذي وطد علاقة قوية بالأمريكيين حين كان وزيراً للداخلية في عهد صالح، وسهل للسفارة الأمريكية إدخال الأسلحة والمعدات العسكرية، أثار إعجاب الإدارة الأمريكية التي استضافته واستضافت شركاته خلال سنوات الحرب منذ 2015 إلى 2023 حين استُدعي للرياض لتولّي منصبه الجديد، لكنه بطلبه التدخل الأمريكي يبدو أنه وقع في خطيئة من وجهة النظر السعودية المتمثلة بمحاولة التنسيق المباشر مع الأمريكيين.
ليس العليمي وحده بل إن حكومته وأعضاء مجلسه، مثل طارق صالح وعيدروس الزبيدي، كلهم وجدوا في المساعي الأمريكية لمواجهة الحوثيين أو قوات صنعاء، لوقف هجماتهم على السفن الإسرائيلية التي تهدف للضغط نحو إنهاء الحرب على غزة، فرصةً للحصول على رعاية أمريكية للمساعدة في مواجهة الحوثيين لوقف الهجمات ضد السفن، وللتخلص من التسوية التي يرون أن السعودية تريد إجبارهم عليها.
وقد نشر موقع “يمن إيكو” سلسلة من التقارير التي تضمنت معلومات عن لقاء أطراف يمنية مثل طارق صالح في جيبوتي مع ضباط أمريكيين وإسرائيليين في قاعدة أمريكية وبتنسيق من المخابرات السعودية، بهدف الحصول على دعم عسكري تتولى قواته من خلال ذلك الدعم المساعدة على مواجهة قوات صنعاء، وكذلك فعل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وكلاهما عضو في مجلس القيادة الرئاسي الذي أعلن تأييده للهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن في 11 يناير الماضي، بل واعتبرها غير كافية ليدعو لتدخل برّي ضد قوات صنعاء.
كما تضمنت المعلومات التي نشرها الموقع، الكشف عن رسائل سعودية لحكومة صنعاء أنها لن تساند أي تحرك للقوات اليمنية، التي كانت تحت رعاية التحالف، في حال قيامهم بتحريك جبهات القتال ضد قوات حكومة صنعاء أو الحوثيين، الذين كشفوا، يوم الأربعاء الماضي، عن تهديد أمريكي بتحريك الجبهات الداخلية إذا لم تتوقف هجماتهم على السفن الإسرائيلية، بل إن مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن حاول، في يناير الماضي، أن يقدم مشروع قرار يتضمن تمكين الدول بالرد على هجمات الحوثيين ودعم الفصائل اليمنية لمواجهتهم وهو ما أفشلته كل من روسيا والصين.
منذ مطلع الأسبوع الجاري، بدا أن القوى اليمنية ماضية في مغامرتها المتمثلة في تحريك الجبهات بالتنسيق مع الأمريكيين، عندما قامت بعضها، وخصوصاً قوات العمالقة السلفية التي أنشأتها الإمارات، بشن هجمات على مواقع لقوات صنعاء في المناطق الواقعة بين محافظتي شبوة ومأرب، لكن الأخيرة أظهرت استعداداً فاجأ المهاجمين وأحبطت هجماتهم، بل وتمكنت من السيطرة على مواقع استراتيجية وسلاسل جبلية هامة، بدون أن تحظى بغطاء جوي سعودي كما جرت العادة، حيث يبدو أن السعودية ماضية أيضاً في الحفاظ على مستوى التفاهم الذي حققته مع حكومة صنعاء وجماعة أنصار الله الحوثيين.