تقرير خاص- يمن إيكو
على مدى أسابيع ظل ملف الرواتب عالقاً، بدون التوصل إلى اتفاق حوله بين الأطراف المتفاوضة حول تمديد الهدنة في اليمن، برعاية أممية، وكان هذا الملف هو العقدة الأكثر استحكاماً أمام الوصول إلى الاتفاق على الهدنة الموسعة التي تضمنها المقترح الأممي، الذي ظل مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ يتغنى به ويبشر اليمنيين بأن المقترح سيتضمن بنوداً جديدة من شأنها أن تحد من المعاناة التي يعيشها اليمنيون على المستوى الإنساني والمعيشي، وفي مقدمتها صرف رواتب الموظفين الحكوميين التي كان قرار نقل وظائف البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى عدن السبب الرئيسي فيها.
وبعد وصول المباحثات حولها منذ مطلع الشهر الجاري إلى طريق مسدود، انتهت الهدنة التي تكثفت المساعي والوساطات دولياً وإقليمياً وأمميا ﻹنفاذها، وسط تبادل للاتهامات بين أطراف الحرب في اليمن، حيث يرمي كل طرف الآخر بتهمة التعنت بخصوص البنود التي كان من المقرر الوصول إلى اتفاق حولها، وعلى رأسها بند مرتبات الموظفين الحكوميين في القطاعين المدني والعسكري، ومعاشات المتقاعدين في عموم البلاد، وهو البند الذي اعتبرته صنعاء جوهرياً في أي اتفاق هدنة يتم التوصل إليه، على اعتبار أن المرتبات ومعاشات المتقاعدين حقاً أصيلاً لأكثر من 1.25 مليون موظف، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المتقاعدين، ولا يمكن أن تتم أي هدنة بدون حصولهم على حقوقهم التي انقطعت منذ أكثر من ست سنوات، بعد قرار الحكومة المعترف بها نقل وظائف وعمليات البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى فرعه في عدن، في منتصف سبتمبر من عام 2016.
ومثّل انسداد أفق الهدنة خيبة أمل كبيرة في الشارع اليمني عموماً، ولدى الموظفين المنقطعة رواتبهم بصورة خاصة، بعد أسابيع من تعليق الآمال على المباحثات التي استمرت خلال هذه الأسابيع، والتي كان يؤمل أن تسفر عن إطلاق الرواتب الموقوفة بقرار من الحكومة المعترف بها دولياً، والتي لا تزال ترفض صرف الرواتب لكافة الموظفين الحكوميين، وفي الوقت نفسه تصر على حرمان ما يقارب 50 في المئة من هؤلاء الموظفين- هو قوام منتسبي قطاعي الجيش والأمن- من مرتباتهم، بصورة لا تقبل أي تبريرات، كما لا يقبلها عقل أو منطق.
وجاء إعلان رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبد السلام، الخميس الماضي، حول فشل الهدنة واضحاً، وفي الوقت نفسه موضحاً للسبب في فشل المباحثات، التي كان الجميع ينتظر أن توصل إلى توقيع اتفاق الهدنة، خاصة وأن البنود التي تم الاختلاف حولها ليست بذلك المستوى من التعقيد الذي يستحيل معه الوصول إلى حلول لها.
وقال رئيس وفد صنعاء المفاوض، في تغريدة على تويتر، إن “الهدنة انتهت ولم تمدد” مرجعاً السبب في ذلك إلى ما أسماه “تعنت دول العدوان أمام المطالب الإنسانية والحقوق الطبيعية للشعب اليمني”.. مضيفاً أن المطالب التي تقدمت بها صنعاء، ومنها فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، بدون أية عوائق واستفادة الشعب اليمني من ثرواته النفطية والغازية لصالح مرتبات كافة الموظفين اليمنيين، هي من حقوق الشعب اليمني، لافتاً إلى أن السلام في اليمن غير مستحيل لو تخلت دول التحالف عن ما أسماه “عقليتها الاستعلائية”، وقدمت مصالحها الوطنية والقومية على مصالح أمريكا وبريطانيا المستفيدتين من استمرار الحرب والحصار.
إعلان رئيس وفد صنعاء محمد عبدالسلام عن فشل الهدنة، جاء قبل ساعات من جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، تضمنت إحاطات من المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروند بيرغ، ومنسقة الشئون الإنسانية في اليمن، تلتهما كلمات لممثلي عدد من الدول، على رأسها أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات، وغيرها من الدول، وقد كشف المبعوث الأممي من خلال إحاطته عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق حول تجديد الهدنة، غير أنه وكعادة غالبية مسئولي الهيئة الأممية، تبنى منطق التحالف والحكومة الموالية نفسه، في هذا الخصوص، حيث قال: “ويؤسفني أن أنصار الله جاءوا بمطالب إضافية لا يمكن تلبيتها”، في إشارة إلى ملف الرواتب الذي تصر صنعاء على أن يكون من أول الملفات التي لن تتراجع عن اشتراط الموافقة على معالجتها قبل إقرار أي هدنة.
ويشير مراقبون إلى أن ما ذكره المبعوث الأممي في إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي، الخميس الماضي، واعتبر خلاله مطالبة صنعاء بصرف رواتب جميع الموظفين الحكوميين ومعاشات المتقاعدين “مطالب لا يمكن تلبيتها”، يكشف موقف الأمم المتحدة المتماهي مع موقف التحالف والحكومة المعترف بها، حيث يسعون لتجزئة ملف الرواتب، بحيث يتم حرمان قطاعات واسعة من الموظفين من حقوقهم، فيما يتم الصرف لقطاعات معينة، وهو في الوقت ذاته ما يعكس عدم استعداد الحكومة المعترف بها ومن ورائها التحالف لتقديم حل لهذا الملف، الذي ليس من الاستحالة بحيث يعتبره غروندبرغ “مطالب لا يمكن تلبيتها”.