تقرير خاص – يمن إيكو
بعد وصول أسعار النفط عالميا إلى قرابة 120 دولار في مايو الجاري صعودا من حدوده الدنيا تحت الـ50 دولار في مايو 2020م، بفارق 70 دولارا على كل برميل، ومع زيادة الحركة الإيرادية في المنافذ البرية والجوية والبحرية التي يسيطر عليها التحالف، والتي تقدر بمئات المليارات من الريالات سنوياً، عادت إلى الواجهة أسئلة الموانع والتحديات التي تحول دون صرف مرتبات جميع موظفي الدولة اليمنية وفق التزام الحكومة عند نقل وظائف البنك المركزي اليمني إلى عدن في سبتمبر 2016م.
يتساءل خبراء الاقتصاد عن موانع تغطية إيرادات تلك الموارد لرواتب موظفي الجمهورية اليمنية، مستبعدين أن يتخذ رئيس المجلس الرئاسي المشكّل مؤخرا بإشراف سعودي، قرارا يقضي بدفع رواتب الموظفين من عائدات النفط الخام التي ارتفعت بشكل كبير، بسبب تلاشي تداعيات إغلاقات جائحة كورونا، ومستجدات صعود الطلب العالمي على النفط الخام على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.
وفيما كشف لوسائل الإعلام، خبير اقتصادي- محسوب على الحكومة الموالية للتحالف تحفظ عن ذكر اسمه- عن إمكانية الحكومة تسليم رواتب جميع موظفي الدولة من عائدات النفط الخام، فقط ودون المساس بإيرادات المنافذ الجمركية البرية والجوية والبحرية الخاضعة لسيطرة التحالف.. يبقى السؤال الأهم هو عن الحجم الحقيقي لعائدات النفط والغاز السنوية التي تحققها الحكومة الموالية للتحالف، مقارنة بتقديرات قيمة المرتبات السنوية لجميع موظفي الدولة..
إحصائياً.. أكدت وزارة النفط بالحكومة الموالية للتحالف، أن عائدات اليمن من صادرات النفط الخام ارتفعت بشكل ملحوظ في 2021 بزيادة نسبتها 99.4% عن عام 2020، حيث تجاوزت العائدات المليار دولار في العام الماضي لتبلغ 1.418 مليار دولار، مقارنةً بـ710.5 مليون دولار في العام 2020م، أما حاليا فيقدر حجم الإنتاج النفطي بنحو 70 ألف برميل يوميا، أي ما قيمته 8.4 مليون دولار في اليوم، بأسعار النفط العالمية المسجلة خلال مايو الجاري بين 110-120 دولارا للبرميل الواحدة، ما يعني نصف مليار دولار شهرياً، وما يزيد عن 3 مليارات دولار سنوياً.
هذه الإيرادات ليست وحدها المفترض تدفقها إلى البنك المركزي بعدن كوعاء إيرادي، فهناك إيرادات المنافذ الجمركية البرية والبحرية والجوية التي يسيطر عليها التحالف، وتضاعفت إيراداتها عشرات المرات مع الحصار المضروب على ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي ومنفذ حرض/الطوال، والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، بعد أن قامت الحكومة والتحالف بتحويل مسار الملاحة الدولية إلى موانئ عدن وحضرموت.
تقرير مجموعة الأزمات الدولية الصادر في فبراير الماضي، أكد في هذا السياق أن الموانئ الواقعة اسمياً تحت سيطرة الحكومة، وبشكل خاص عدن والمُكلا، استفادت من تراجع مكانة الحديدة، بسبب الحصار، وبحلول أكتوبر 2021، دخل أكثر من 60% من الوقود إلى اليمن عبر ميناء عدن.. وكسبت الحكومة 100 مليار ﷼ من الرسوم المفروضة على الوقود في الأشهر الستة الأولى من عام 2021م، ما يعادل بسعر الصرف المحلي نحو 100 مليون دولار، أو 16.6 مليون دولار شهرياً، وينبغي أن يصل الحكومة نحو 200 مليون دولار سنوياً من هذه الموانئ (وفق التقرير).
وأضاف التقرير أن هذا الرقم يُعدُّ جيداً بالمقارنة مع 120 مليار ﷼ تقول الحكومة (الموالية للتحالف) إنها كسبتها من واردات الوقود التي يفترض دخولها من ميناء الحديدة في عامي 2019 و2020م، معتبرة ذلك انتصارا في معركة الصراع على الإيرادات مع حكومة صنعاء (الحوثيين).. مرجحا أن يكون هذا الانتصار أجوف، إذ ليس من الواضح كم من هذا الدخل يصل إلى الحكومة، بالنظر إلى أن مينائي عدن والمُكلا يخضعان لسيطرة قوات محلية احتفظت بالماضي بالإيرادات المحلية، ولم توردها لبنك مركزي عدن.
تلك الإيرادات الهائلة المتدفقة من النفط الخام والمنافذ لم تحسب عليها حجم المساعدات والودائع والأرصدة اليمنية التي تقدر بقرابة مليار دولار، والتي كانت لدى صندوق النقد الدولي وأمريكا وبريطانيا أو وغيرها من الدول والجهات المانحة التي كانت مجمدة حتى تلتقي أطراف الحرب على حل سياسي ووفاق اقتصادي، ومنحت تلك الدول الجهات الحكومة الموالية التحالف الحق منفردة في التصرف بتلك المبالغ.
ويرى خبراء الاقتصاد أن جانبا من تلك الايرادات يكفي لسددا المرتبات الشهرية، وبانتظام، مقارنة بحجم المرتبات المعتمدة في باب الأجور، والتي تبلغ نحو 200 مليون دولار شهريا.
الإشكالات والموانع الحقيقية التي تحول دون تغطية تلك الإيرادات لرواتب الموظفين، التي باتت الحكومة الموالية للتحالف مسؤولة عنها وفق تعهدها أمام الأمم المتحدة في سبتمبر 2016م- يتمثل في ذهاب سيل تلك الايرادات إلى أوعية إيراديه خارج بنك مركزي عدن، بل إلى أرصدة مفتوحة في الرياض يديرها ويشرف على صرفها التحالف، ولتمويل حربه في اليمن.
وفي هذا السياق أكد مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (مؤسسة بحثية مستقلة في الخارج) أن الحكومة (الموالية للتحالف) فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة شؤون البلاد، وكان لقرارها باستخدام الاقتصاد كسلاح خلال الحرب نتائج مدمرة على البلد بأكمله.. مشيراً إلى أن أوضح مثال على ذلك كان قرارها المتهور في سبتمبر 2016 بنقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن. وقد تعهدت الحكومة، كجزء من هذه الخطوة، بدفع رواتب جميع الموظفين الحكوميين (وهو وعد لم تفِ به).
الفساد والصراعات بين الأطراف المؤيدة للتحالف (الحكومة والانتقالي) على الموارد، كان لهما دور كبير في تبديد الإيرادات والودائع والقروض، إذ يشير تقرير مجموعة الأزمات الدولية الصادر في فبراير الماضي، إلى أن الصراع بين الانتقالي وحكومة هادي، أعاق الحكومة عن فرض إرادتها على الاقتصاد في المناطق الواقعة تحت سيطرتها الإسمية، حسب تعبير التقرير الذي أشار إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي استولى على نحو 64 مليار ﷼ على شكل أوراق نقدية (أكثر من 250 مليون دولار بسعر صرف يناير 2020م).