يمن ايكو
تقارير

كيف حوّلت الرياض المغتربين اليمنيين إلى رافد اقتصادي يدر المليارات على خزينتها…!

تقرير خاص

استغرب عدد من الناشطين والمراقبين الاقتصاديين تصريحات سفير السعودية لدى اليمن محمد آل جابر، الذي أطلقه السبت الماضي على حسابه في “تويتر”، حول حجم المغتربين اليمنيين في المملكة وتحويلاتهم المالية إلى وطنهم الأم، معتبرين تلك التغيرات تلويحاً مبطناً باستخدام العمالة اليمنية في سياق الحرب الاقتصادية التي يشنها التحالف على اليمن بقيادة الرياض للعام السابع توالياً.
وفيما أشار السفير آل جابر إلى أن مليوني يمني يعملون في المملكة، يحولون أكثر من 4 مليارات دولار لليمن سنوياً، ليستفيد منها أهلهم وأقاربهم الذين يصل عددهم لقرابة 15 مليون شخص.. أوضح المراقبون أنه تناسى ما يمثله العاملون والمقيمون في المملكة مع عوائلهم أو مرافقيهم، من رافد مالي وفير للخزينة السعودية، خصوصاً بعد سياسات تعدد مسميات وذرائع الرسوم، مؤكدين أن الأرقام التي أوردها غير صحيحة، وأن حوالي 75% من المغتربين اليمنيين أطفال ونساء، جميعهم يدفعون الرسوم المتعددة، حيث يدفع المغترب اليمني على كل طفل وامرأة ومرافق 400 ريال سعودي.
ولفت المراقبون إلى أن حجم المغتربين اليمنيين في السعودية ليس كما أشار السفير، إذ تؤكد التقارير أن العدد تزايد في العقدين الماضيين رغم السياسات والإجراءات التعسفية التي تقابلها العمالة، لتقترب من 3 ملايين مغترب يمني، يشكلون قوة اقتصادية ريعية للخزينة السعودية، عبر تحميل المغترب اليمني تكاليف مالية باهظة ومهولة، تقدر قيمتها بأكثر من 10 مليارات ريال سعودي سنوياً، ناهيك عن الرسوم الأخرى التي تفرض على المغترب من تجديد إقامات وغرامات وغيرها، فضلاً عن كون الفيزا تحولت إلى تجارة رابحة تدر على الاقتصاد السعودي قرابة 3 مليارات ريال سعودي.
التلويح باستخدام العمالة كورقة حرب اقتصادية ليس جديداً أو مفاجئاً في نظر المراقبين، بل مؤشر على البدء في ترجمة قرار النظام السعودي في يوليو الماضي، والقاضي بخفض نسبة العمالة اليمنية إلى25% من إجمالي العاملين في أراضي المملكة، في استهداف واضح لمضاعفة الضغط على اقتصاد البلد بتسريح الآلاف من الأسر اليمنية، والأيادي العاملة.
ويأتي هذا التلويح في وقت حذّرت الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة واسعة النطاق، مع دخول الحرب عامها السابع، مؤكدة أن ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية وحماية، وخروج عدد كبير من العمال اليمنيين من الخليج والسعودية بالذات، يعني مضاعفة الأزمة الإنسانية، بعد أن طال الفقر حتى اللحظة ما بين 71-78% من اليمنيين بعد الانهيار الاقتصادي إثر الحرب والحصار.. ما يعني أن تسريح السعودية للعمالة اليمنية يفاقم الأضرار على الفئات التي تعتمد على حوالات العمال اليمنيين من السعودية بشكل خاص، مع العلم أن 80% من العمال اليمنيين فقدوا أعمالهم، بحسب ما أورده اتحاد العمال اليمنيين.
ويؤكد مراقبو الاقتصاد أن ترحيل 10 آلاف عامل، يعني استهداف 10 آلاف أسرة، باعتبار أن كل عامل يعول أسرة مكونة من 3-6 أفراد، إن لم نقل أسراً، ليرتفع عدد المتضررين إلى ما بين 30-60 ألف نسمة، وهذا العدد يتطلب خدمات وغذاءً ودواءً وغازاً منزلياً ومسكناً، بالإضافة إلى 10 آلاف فرصة عمل، ما يمثل حرباً اقتصادية من الدرجة الأولى، على بلد يعيش مسلسلاً من الأزمات المتفاقمة، ولم يخرج بعد من حرب وحصار تقودهما السعودية للعام السابع على التوالي.
استغلال المغتربين اليمنيين كورقة ضغط سياسية واقتصادية، عمل سياسي عرفته العلاقات السعودية اليمنية، وله جذور تاريخية، ومحطات شاهدة على محطات الرياض في السيطرة على قرارات الدولة اليمنية الموصولة بالمشاريع التنموية العملاقة والكبيرة، بالذات التنقيب عن النفط، والدخول في شراكات استثمارية دولية خارج النظم العالمية الرأسمالية.
ومنذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي شكلت الأيدي العاملة اليمنية بالذات رافعة البناء والنهوض الاقتصادي في الخليج عامة والسعودية خاصة، لكن استغلال هذه العمالة سياسياً لم تبدأ إلا بعد أن استقر عدد كبير من المغتربين بعوائلهم في المملكة، وباتوا يشكلون أرقاماً صعبة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ومع أزمة الخليج بدأ النظام السعودي التفكير في استغلال هذه القوة البشرية التي أصبح معظمها قاطنين بعائلاتهم في أراضي السعودية.
وفي 22 مايو 1990م أعلنت الوحدة اليمنية، وكانت الرياض معترضة عليها، ولكن لا سبيل إلى افتعال أزمة، وفي أغسطس من العام نفسه تفاقمت أزمة الخليج بغزو العراق للكويت، فافتعلت السعودية أزمة مع اليمن، مستهدفة المغتربين اليمنيين، ورحَّلت مليون مغترب، شكل استقبالهم واستيعابهم معضلة وضغطاً هائلاً على اقتصاد دولة الوحدة، ومع حرب صيف 1994م، رحَّلت عدداً كبيراً من المغتربين لمضاعفة الضغط على حكومات الجمهورية اليمنية والمتعاقبة، وظلت الرياض حتى اللحظة تستخدم هذه الورقة في حروبها المفتوحة على اليمن.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً