جيمس جالبريث*
اوستن-ان عنوان المقال الذي كتبه الاقتصادي جيسون فيورمان بتاريخ 15 نوفمبر في مجلة وال ستريت جورنال كان ذكياً وحزيناً في الوقت نفسه. لقد كان ذلك ذكياً لأنه استحضر شعار الرئيس الأمريكي السابق جيرالد فورد “قاوموا التضخم الآن” من سنة 1974 وحزيناً لأن نصيحة فيورمان تأتي مباشرة من تلك الحقبة ولأن وصفات العلاج لديه قد تعيد الكوارث الاقتصادية والسياسية من تلك السنوات.
لقد كتب فيورمان والذي عمل سابقاً كرئيس لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس باراك أوباما أنه “في نهاية المطاف فإن التضخم هو مشكلة تتعلق بالاقتصاد الكلي” مما يعني أنه عبارة عن مسألة تؤثر على الاقتصاد ككل وخلال استكشافه لأسباب المشكلة، يكتب فيورمان عن التعافي السريع” و “الأسواق العمالية الضيقة” والتحفيز المالي المفرط والأموال السهلة جداً، حيث يرى أن الاقتصاد الأمريكي لديه الكثير من الإنفاق الذي يضغط على قدرته على الإنتاج. إنه ضخم جداً.
لكن هذا غير صحيح، فطبقاً لتقرير الناتج المحلي الإجمالي الأخير فإن الحجم الحقيقي للاقتصاد الأمريكي –المقاس بالدولار المعدل حسب التضخم- ما يزال أصغر من حجمه خلال الربع الأخير من سنة 2019 فالأمريكيون ينفقون وينتجون بالقيمة الحقيقية أقل الآن مما كنا نفعله في ذلك الوقت، وعلى الرغم من كل هذا التهويل حول معدلات النمو المرتفعة، وانخفاض أسعار الفائدة، والعجز الكبير، فإن أمريكا لم تعد حتى الآن إلى نقطة البداية، وهذا يعني أن من المستحيل أن يكون معدل التضخم الحالي يتعلق بالاقتصاد الكلي.
يصر فيورمان “أن وظيفة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن يبقي التضخم تحت السيطرة” وهذا أيضاً غير صحيح فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يعمل بموجب قانون التوظيف الكامل والنمو المتوازن لسنة 1978 والذي ينص على أن التوظيف الكامل والأسعار المستقرة بشكل معقول هي أهداف للحكومة الأمريكية ككل.
إن الذين قاموا بصياغة ذلك القانون -وكنت أنا واحداً منهم- لم يؤمنوا بمبدأ أن التضخم “هو ظاهرة نقدية دائماً وفي أي مكان” كما جادل ميلتون فريدمان، بل كنا نؤمن وطبقاً لنص القانون أن جميع الأهداف الاقتصادية يجب أن يتم السعي لتحقيقها باستخدام جميع الأدوات المتوفرة ومن قبل جميع الوكالات.
والآن كما كان الوضع بالسابق فإن النفط هو المشكلة الأكثر وضوحاً المتعلقة بالسعر، ففي السابق كان المتهم هو منظمة الاوبيك. أما اليوم فإن هناك قوى أخرى قد أدت إلى ارتفاع أسعار البنزين وزيت الوقود والغاز الطبيعي بنسبة 50% أو أكثر، منذ أدنى مستوى وصلت إليه العام الماضي. إن بعض جوانب تلك الزيادة تعكس التعافي من الأسعار المنخفضة في وقت الجائحة وبعضها نتيجة لقيود التوريد، وذلك بسبب التخفيضات في إنتاج الطاقة الصخرية.
إن المضاربة بالسلع قد تكون أيضاً أحد العوامل كما كان عليه الحال قبل الأزمة المالية العالمية لسنة 2008. إذا كان الأمر كذلك، يمكن تقليص هذا النشاط عن طريق زيادة متطلبات الهامش التي يتمتع الاحتياطي الفيدرالي بسلطة بشأنها. إن بالإمكان تحقيق استقرار بالأسعار من خلال البيع من احتياطي البترول الاستراتيجي، وهو الأمر الذي ربما إدارة بايدن على وشك القيام به بالتعاون مع الصين. سوف يرتفع الإنتاج قريباً، كما يحدث بالفعل في حوض بيرميان.
إن العامل المشترك الآخر بين التضخم قبل 50 سنة والتضخم الآن هو الإنفاق العسكري. لقد كان الاقتصاديون في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يدركون أن حرب فيتنام كانت تضخمية ولكن الحروب دائماً كذلك، ولكن بطريقة ما تم نسيان هذه الحقيقة بينما ننفق أكثر من 700 مليار دولار أمريكي سنوياً على الأسلحة والدفاع مما خلق الاختناقات، وحرق الوقود وأثر سلباً على الإنتاج المدني، بالإضافة إلى تحويل التقنيات الجديدة والأشخاص الموهوبين من الأشياء التي يمكننا استخدامها إلى أشياء لا يمكننا استخدامها، علماً أن كل هذا النشاط هو نشاط تضخمي.
إن القضايا الأخرى التي أثارها فيورمان هي قضايا هامشية. لا يوجد أي دلائل حتى الآن على أن الأجور الأعلى هي من مصادر الأسعار الأعلى للبضائع الاستهلاكية أو حتى الخدمات. لم يرفع الصينيون أسعارهم مقارنة بالزيادة في الأسعار التي تسببت بها التعريفات الجمركية لدونالد ترامب (لو فعل الصينيون ذلك، لكانوا قد فقدوا حصتهم في السوق).
على النقيض من ذلك فإن مشكلة سلسلة التوريد حقيقية، وخاصة فيما يتعلق بأشباه الموصلات، حيث أدت التأثيرات النهائية على إنتاج السيارات إلى ارتفاع أسعار السيارات المستعملة؛ لكن سيكون هناك حل ذاتي لهذه القضية. أما الموانئ فمزدحمة بالفعل وهذا يزيد من التكاليف، ولكن مرة أخرى، لا يتعلق الأمر بالاقتصاد الكلي.
لو دخلنا إلى صلب الموضوع لوجدنا أن أياً من مشاكل أمريكا المتعلقة بالأسعار لن يتم حلها من خلال أسعار فائدة أعلى. إن تشديد الائتمان سوف يعيق الاستثمار في قطاع الأعمال والذي يحتاجه الاقتصاد الأمريكي من أجل توسيع القدرات والإبقاء على النفقات منخفضة. إن الفائدة هي تكلفة وعليه سوف يتم تحميلها للمستهلكين.
مع وجود قدرات أقل وتكاليف أعلى، سوف يسوء وضع التضخم إلى أن يتشدد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لدرجة أن يصاب الاقتصاد بالتصدع، وهذا ما حصل- وما أوقف التضخم أخيراً- بعد أن أصبح بول فولكر رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في عام 1979 وعلى الديمقراطيين أن يتذكروا أن صدمة فولكر أدت إلى 12 عاماً من الحكم الجمهوري، تحت حكم رونالد ريغان وجورج بوش الأب.
إن فيورمان محق بأن حزمة السياسات الكبيرة القادمة لبايدن– قانون إعادة البناء بشكل أفضل– ليست تضخمية، وحتى نكون منصفين فإن فيورمان لم يطالب بأسعار فائدة أعلى فوراً، فهو يريد من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن يعلن أن سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية سيرتفع قريباً، ولكن ليس إذا تباطأ النمو أو تراجع التضخم. لقد كان النمو 2٪ فقط في الربع الأخير، وسيبدأ معدل التضخم السنوي في الانخفاض بمجرد انتهاء زيادات أسعار الغاز من الربيع الماضي، بعد انقضاء الفترة المحددة باثني عشر شهراً.
وعليه، بينما قد تؤدي صيغة فيورمان لكارثة، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً أنه لو تم تبنيها فإنه لن يتم عمل أي شيء وفي تلك الحالة سوف يكون لدى إدارة بايدن والكونغرس مشكلة جديدة تتعلق بالاقتصاد الكلي، وذلك لأنهم كانوا سيفعلون القليل جداً، وليس الكثير.
لو عدنا إلى سبعينيات القرن الماضي لوجدنا أن من الأصوات القيادية في الاقتصاد ضمن الكونجرس كان رئيسي وهو رئيس اللجنة المصرفية في مجلس النواب، هنري روس من ويسكونسن، والذي كان يحب أن يقول إننا بحاجة إلى سياسة لمكافحة التضخم تشبه طلقة البندقية وليس طلقة المدفع، يجب أن يكون التركيز على استقرار أسعار الطاقة واتخاذ إجراءات صارمة ضد المضاربين، وخفض ميزانية البنتاغون، وإزالة الازدحام من الموانئ، والتأكد من أن زيادات الأجور التي تشتد الحاجة إليها تذهب بشكل أساسي إلى العمال ذوي الأجور الأقل.
ما لا ينبغي فعله بالتأكيد هو تحويل مشكلة يمكن التحكم بها إلى أزمة كبيرة من خلال تسليمها إلى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
* جيمس ك. جالبريث، خبير اقتصادي سابق في اللجنة المصرفية البرلمانية بمجلس النواب الأمريكي (الكونغرس).