يمن ايكو
مقالات

ردّاً على ترهيب العراق بالعقوبات الاقتصادية

علاء اللامي

نشر السيد نبيل جعفر عبد الرضا المرسومي – الذي تقول أوساط إعلامية عراقية إنه أحد مستشاري رئيس مجلس الوزراء – مقالة بعنوان «فلاي بغداد: إنذار اقتصادي أميركي للعراق». ويبدو أن الكاتب، في غمرة حماسته للترويج للعقوبات الأميركية المتوقعة ضد العراق، نسيَ موضوع «فلاي بغداد» ولم يذكره بكلمة واحدة. و«فلاي بغداد»، لمن لا يعرفها، هي شركة خطوط جوية – قطاع خاص، تملكها زعامة أحد أحزاب الفساد ضمن المنظومة الحاكمة وقد عاقبتها وزارة الخزانة الأميركية بإدراجها، هي ومديرها التنفيذي، في لائحة العقوبات بتهمة تهريب الدولار إلى إيران. وسرعان ما نفّذ البنك المركزي العراقي تلك العقوبات الأميركية وجمّد حسابات الشركة في ثلاثة مصارف عراقية. يبدأ الكاتب مقالته بمعلومة أراد لها أن تكون جرس إنذار وتهديداً تقول: «يتمتع كل من رئيس الولايات المتحدة والكونغرس بسلطة إصدار عقوبات، إذْ يسمح قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية لعام 1977 للرئيس بفعل ذلك بسهولة كبيرة، وقد دفعت واشنطن بالأمم المتحدة إلى فرض عقوبات على جماعات وأشخاص في 180 دولة». ثم يفصّل الكاتب في أساليب فرض تلك العقوبات وهي كالآتي ذكره باختصار:
التجميد ومصادرة أصول الدولة الموجودة في الخارج وفرض القيود المالية كالاستبعاد من نظام التحويل المالي (سويفت) والاستبعاد من مقاصة الدولار، ومنع الوصول إلى أسواق الديون العالمية.
ولكي يتخذ الإنذار والتهديد والوعيد الأميركي المعادي للعراق حجمه الحقيقي، يقدّم المرسومي تشكيلة جديدة (سيكرّر بعضها، كالحرمان من استعمال نظام سويفت).
سنناقش أدناه هذه الشبكة من العقوبات الأميركية التي تولى الكاتب الترويج لها. وأقول إنه تولى الترويج لها ليس من باب الاتهام المرسل، لأنه لو كان يتحدّث كخبير اقتصادي مستقل، لطرح هذه العقوبات بحيادية وناقشها بموضوعية، وطرح العوامل التي تقلّل من تأثيرها على الاقتصاد العراقي، أو في الأقل لذكر تجارب الشعوب التي وقفت في وجه هذه العقوبات وقاومتها وانتصرت عليها أو حدَّت من تأثيرها.
1- ولنبدأ من التجربتين اللتين ذكرهما المرسومي في سياق التيئيس والترهيب حين كتب «وقد تم استخدام هذه العقوبة من قَبل ضد إيران وروسيا بعد حربها ضد أوكرانيا». والحال، فإن روسيا في طريقها، بعدما عوقبت بكل هذه العقوبات وفي مقدمتها قطع اقتصادها عن نظام «سويفت» ضمن حصار محكم أشمل، لأن يتربع اقتصادها في غضون أربع سنوات على المرتبة الرابعة عالمياً بعد أن يتفوق على الاقتصاد الياباني، وبعدما تقدّم فعلاً سنة 2022 على الاقتصاد الألماني. وتذكر تقارير اقتصادية أجنبية أن «روسيا تقدّمت على أوروبا بأكملها من حيث مؤشر القوة الشرائية، مع مواصلة جهود الارتقاء بنصيب الفرد من الدخل القومي».
وإذا كانت هذه المقارنة بين الاقتصادات العالمية القائمة على ما يسمّى تعادل القوة الشرائية (PPP) غير مفهومة للقارئ، فيمكن، لتبسيط المعنى، الإشارة إلى ما أورده الرئيس الروسي بوتين عن نموّ الناتج القومي الروسي بنسبة 3,5% ونموّ الأجور الحقيقية نسبة 7.7% في ظروف الحصار الشامل الذي فرضته أميركا ومن ورائها أوروبا، في حين أن نموّ ألمانيا هو حوالي صفر.
أمّا بخصوص ما ذكره الكاتب بقوله «وقد يمتد الأمر إلى استثمارات العراق الكبيرة في سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ نحو 34 مليار دولار»؛ فالواقع أن غالبية الدول التي لها أرصدة من سندات الخزانة الأميركية في حالة تراجع وسحب لأموالها بما في ذلك الدول الحليفة لأميركا كالسعودية. ويمكن للعراق أن يتخلص من المزيد منها بالتدريج، إضافة إلى أن أموال السندات – في حالة العراق – تعتبر أموال شبه ميتة وهي أشبه بـ«الخاوة» تأخذها واشنطن من العراق مقابل حماية نظام الحكم فيه. وعموماً، يمكن الوصول إلى حلول عملية وعلمية لهذه المشكلة. ثم إنَّ إقدام واشنطن على تجميد أو مصادرة 34 مليار دولار عراقية ستهز ثقة العالم كله بالاقتصاد الأميركي وستسارع الدول الأخرى والتي تملك سندات بأكثر من تريليون (مليون مليون) دولار كاليابان، وأكثر من 800 مليار كالصين، و330 ملياراً كبلجيكا، إلى بيع سنداتها والتوقف تماماً عن شراء المزيد منها، وهذه كارثة حقيقية للاقتصاد الأميركي الدولاري.

ولا أعتقد أن الأميركيين حمقى إلى الدرجة التي يدمّرون فيها اقتصادهم الهش بإجراءات عقابية من هذا القبيل ضد العراق أو غيره!
2- التجميد: مصادرة أصول الدولة الموجودة بالخارج. وكنت قد توقفت عند هذه العقوبة في الفقرة السابقة. فهذه العقوبة، لم تتجرأ أميركا على اتخاذها حتى ضد روسيا، ولا تزال تهدد باتخاذها ولكنها مترددة لأنها لو فعلت ذلك وصادرت أموال روسيا التي تفوق ثلاثمئة مليار دولار، فدول العالم كلها ستفقد الثقة بالاقتصاد الأميركي والعملة الأميركية وسينهار الدولار نفسه قبل غيره من العملات.
3- فرض عقوبات على المصارف العراقية وشركات التحويل المالي، ما يربك الوضع الاقتصادي. الوضع الاقتصادي العراقي هو في أسوأ حالات الارتباك، ومثلما قاوم الفوضى والإرباك في الماضي فسيقاوم المقبل، وخصوصاً إذا وضعت خطة مقاومة وطنية شاملة على المستوى الاقتصادي الوطني وتم تفعيل نقاط قوة هذا الاقتصاد، فالعراق ليس جمهورية موز فقيرة أو دولة تعيش على المساعدات الأجنبية أو على واردات السياحة.
4- إنّ منع العراق من استخدام نظام التحويل المالي (سويفت)، سيؤثر فعلاً، ولفترة محدودة، ريثما يتم تفعيل بدائل قائمة فعلاً ومتمثلة بالنظام الصيني البديل (سيبس) أو الروسي البديل (إس بي إف إس)، وحتى إيران ابتكرت نظاماً محلياً خاصاً بها هو «سيبام» وربطته بالنظامين الروسي والصيني. إذاً، فبعبع نظام «سويفت» لم يعد مخيفاً جداً وخاصة لدولة غنية بالاحتياطات الهيدروكاربونية من نفط وغاز كالعراق!
5- أمّا «إيقاف برامج الإقراض والإعمار والمساعدات الفنية التي يقدمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للعراق»، فهو جائزة رائعة للعراق لأنه سيتخلص أخيراً من التبعية لأخطر جهازين اقتصاديين غربيين.
6- وبخصوص عقوبة «التوقف عن منح العراق الاستثناء الخاص باستيراد الغاز والكهرباء من إيران»، التي يذكرها المرسومي، فإيران نفسها في طريقها للخروج من العقوبات الأميركية، وبالتالي لم تعد هناك حاجة إلى هذه الاستثناءات المهينة للكرامة الوطنية العراقية.
7- أمّا تأثير «العقوبات الأميركية المحتملة كثيراً في قطاع النفط، إذ ربما ستوقف الولايات المتحدة استيراداتها من العراق التي تصل إلى 400 ألف برميل يومياً»، فالعراق يصدّر ما بين ثلاثة وأربعة ملايين برميل يومياً، ولن تحدث كارثة إذا نقصت هذه الكمية أقل من نصف مليون برميل، وخصوصاً في ظروف استقرار سعر البرميل النفطي عند حدود معقولة حول ثمانين دولاراً صعوداً ونزولاً!
8- أمّا قول المرسومي إن العقوبات الأميركية سيكون لها «التأثير السلبي على البيئة الاستثمارية في العراق والمتمثل بإضعاف ثقة المستثمرين»، فهو قول نافل ولا أهمية له، فالاستثمارات الأجنبية في العراق وطوال عشرين عاماً من عمر النظام لم تتقدّم خطوة واحدة، وهي تعيش فوضاها الخاصة وليس من المنتظر أن تنتظم هذه الفوضى وليس من المفيد «تهديد الدب بهراوة لم تصنع بعد»!
ونختم هذه الوقفة بطرح السؤال الآتي:
هل إخراج القوات الأميركية من العراق كبداية لاستعادة استقلاله وسيادته الوطنية يستلزم أن تعاقبه واشنطن بالضرورة وبكل يقين بمثل هذه العقوبات؟ أليس فرض مثل هذه العقوبات يعني أن أميركا ستخسر ثقلها السياسي في العراق وتقدّمه على طبق من ذهب إلى معسكر خصومها، إيران والصين وروسيا؟ ثم ما الفائدة التي ستجنيها واشنطن من توحيد الامتداد الجغرافي لخصومها ومن دون أي عائق من البحر المتوسط إلى الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر قزوين، وأين سيصبح وضع دولة الاحتلال الصهيوني ضمن هذا الطوق الهائل، والتي أصبحت تشكل عبئاً على من زرعها بعدما كانت قلعة متقدمة. وبالأمس، كشفت مجلة «فورن بوليسي» عن قرار تناقشه الإدارة بالانسحاب النهائي من سوريا والعراق. ألا يعني هذا الانسحاب إعادة ترتيب أوراق أميركا في المنطقة باتجاه أقلّ تورطاً وأقلّ استفزازاً للتركيز على الساحة الأهمّ، أي المحيطين الهادي والهندي؟
والسؤال الآخر الذي يطرح هنا: ترى لو استجابت أيّة حركة وطنية تحررية جادة لمثل هذه التهويلات والتهديدات بفرض العقوبات الاستعمارية، ففي أيّ عالم عبودي كنا سنعيش الآن؟

نقلا عن جريدة الأخبار اللبنانية

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً