تيم كولبان
تبدو شركة “تويوتا موتور” تائهةً، وهذا استنتاج قد يبدو غريباً، إذ يتناول شركةً عملاقةً تعمل في أقطار عدة، وأعيد تتويجها مؤخراً كأكبر صانعة سيارات في العالم للعام الرابع على التوالي. لكن هناك ما يقلق، وذلك أنها تفتقر لرؤية واضحة تساعدها لتحافظ على مكانتها هذه.
لنبدأ من أحدث حكايات الشركة اليابانية، إذ أعلنت في ديسمبر أن شركة “دايهاتسو موتور”، التي تملك فيها حصةً، كشفت عن أكثر من 170 مخالفة في اختبارات السلامة، وفي اليوم التالي داهم مسؤولون من وزارة النقل مقر “دايهاتسو” في أوساكا. علّقت الشركة الإنتاج، واستدعت في يناير أكثر من 300 ألف مركبة في اليابان على خلفية حوادث الغش هذه.
فيما كان ذلك يتفاعل، استدعت “تويوتا موتور إنجنيرينغ آند مانوفاكتشرينغ” (Toyota Motor Engineering & Manufacturing) قرابة مليون مركبة في الولايات المتحدة، شملت طرازات “راف فور” (RAV4) و”لكزس” (Lexus) و”كامري” (Camry) و”هايلاندر” (Highlander)، بسبب خلل محتمل في الوسائد الهوائية. أتى ذلك بعد 16 شهراً من توجيه وحدة الشاحنات “هينو موتورز” (Hino Motors) بأن تصلح ثقافتها حين تبيّن أنها تُزوِّر نتائج اختبارات الانبعاثات وكفاءة استهلاك الوقود.
خارطة المستقبل
دفعت فضيحة “دايهاتسو”، التي اشتركت فيها أيضاً مورّدة قطع الغيار “تويوتا إندستريز” (Toyota Industries)، رئيس مجلس الإدارة أكيو تويودا لجمع رؤساء مجالس إدارات ورؤساء وقادة شركات المجموعة، وعددها 17، لرسم ملامح خارطة للمستقبل. كان تويودا يعتزم أن يعقد الاجتماع في 14 فبراير، في ذكرى مولد المؤسس ساكيتشي تويودا، لكنه عجّل بالاجتماع في ظل أحدث التطورات.
أخبر تويودا الحضور أن الريادة ستعود بموجب خطته الجديدة إلى المنتج وإلى “غينبا”، وهي كلمة يابانية تعني مركز الإنتاج. كما قال إن صلاحيات رؤساء الأقسام ستتعزز، بدلاً من أن تملي قيادة المجموعة الأوامر.
هذه الاستراتيجية هي عكس المطلوب لتبقى الشركة على المسار الصحيح. فمن المنطقي تعيين متخصصين ليتولوا التصميم والتصنيع ليفهموا السوق ويبيعوا مزيداً من المركبات. تنتج “دايهاتسو” سيارات صغيرة الحجم، لذا ينبغي أن يكون شخص على دراية ببواطن هذا القطاع، ومسؤولاً عن اتخاذ القرارات الخاصة بمنتجاته.
لكن ارتفاع المبيعات 7.2% إلى 11.2 مليون سيارة العام الماضي يبين أن تصميم السيارات وشحنها ليس نقطة ضعف “تويوتا”، بل إن ما يعرقلها هو المعايير والامتثال، وهو ما ينبغي لقادة الشركة أن يفرضوه.
تغيرات لم تحدث
يجدر بـ”تويوتا” أن تعمل على تعزيز مركزية هذه الوظيفة المهمة، بدل أن تمنح مزيداً من الصلاحيات للوحدات الفردية. ورغم أن ثمّة حجة في أن العديد من معايير السلامة أكثر صرامة من اللازم وأن الامتثال ضاغط بأكثر مما ينبغي، فإن تكليف الشركات التابعة باتخاذ القرارات لن يحل تلك المشكلة.
عوضاً عن ذلك، يستطيع تويودا أن يعلن تعيين مزيد من مسؤولي الامتثال ومهندسي المعايير، فيما يطرح خطة لاستغلال ثقل الشركة للضغط من أجل إجراء تغييرات في القواعد التنظيمية.
لكنه لم يفعل أياً من ذلك في ذلك الأسبوع. قال تويودا تكراراً إنه يتحمل مسؤولية الإخفاقات. لكنه أقرّ أيضاً أن شهوراً مرت قبل أن يعلم بالمخالفات التي كانت تحدث داخل وحدات مختلفة بما فيها “هينو” و”تويوتا إندستريز”.
أظهر تويودا غياباً واضحاً لرؤية الشركة في حديث مع وسائل الإعلام، إذ قال: “لا يوجد هدف”، وحين سُئل: “ما الذي تود أن تحققه؟” أجاب قائلاً: “لا أعلم”.
هنا تكمن المشكلة. “تويوتا” بحاجة إلى خطة شفافة فورية للتعامل مع وجود نمط من الغش في التعامل مع اختبارات الجهات التنظيمية، لكنها لم تفصح عن أي خطة، بعد مضي أكثر من عام على ظهور هذه المشاكل.
رؤية ضبابية
إضافة لذلك، لا يوجد مخطط طويل الأجل لمركبات الطاقة الجديدة. كانت استراتيجية “تويوتا” في نماذج البطاريات ونماذج المركبات الكهربائية الهجينة هي الاستراتيجية الصحيحة إلى الآن. وفيما تتنافس شركتا “تسلا” و”بي واي دي” على الريادة في مجال تصنيع مركبات كهربائية صِرفة، فإن مبيعات “تويوتا” تتفوق على مبيعاتهما إن اخترنا تعريفاً يشمل المركبات التي تعتمد على محركات احتراق داخلي لإمداد المحركات الكهربائية بالطاقة.
قد تكون الشركة محقة في قناعتها بأن كثيراً من المستهلكين بحاجة إلى التحول تدريجياً نحو المركبات الكهربائية، والمركبات الهجينة بإمكانها أن تساعد على تحقيق ذلك.
تحتاج “تويوتا” مستقبلاً أن ترسم خطةً واضحة الملامح بشأن الحياد الكربوني والقيود التنظيمية المحتملة على مبيعات المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي. إن استراتيجية “غينبا” التي يتبعها رئيس مجلس الإدارة ربما تحقق 50% من هذه الخطة عبر السماح لخبراء بتصميم سيارات تفي باحتياجات المستهلكين.
لكن الشركة لن تسلك هذا المسار إلى أن يطلب تويودا شخصياً ذلك من المسؤولين التنفيذيين، لأنه يمكن كسب المال بسهولة اليوم من بيع منتجات وقودها من مشتقات البترول، فيما تواجه سوق المركبات الكهربائية حروب أسعار وهوامشَ آخذةً بالانكماش.
قال تويودا لموظفيه ولوسائل الإعلام: “سأقود التحوّل”. لكن رؤيته لهذا التحول ضبابية، فيما ينبغي أن تكون حادةً تماماً إن شاءت “تويوتا” أن تبقى على عرشها.
نقلاً عن بلومبيرغ الشرق