تقرير خاص- يمن إيكو
مع إعلان السعودية، خلال الأيام الماضية، عن تقديم “وديعة” للبنك المركزي في عدن، والتي جاءت بقيمة مخيبة بلغت مليار دولار بدلاً عن 3.3 مليار وعدت بها السعودية والإمارات قبل أكثر من 10 أشهر، أثيرت الكثير من التساؤلات حول طبيعة وجدوى الاعتماد على مثل هذه الودائع لمعالجة المشاكل الاقتصادية، بما في ذلك الوديعة الأخيرة، خصوصاً في ظل غياب تأثير الودائع السابقة، وبروز مخاطر فيما يتعلق بالفوائد، ووجود غموض حول مصيرها وطبيعة التصرف بها، الأمر الذي يعزز ضرورة التوجه نحو الحلول التي يمكن أن تحقق معالجات فعلية للأزمة الاقتصادية ولسعر صرف العملة، وأبرزها إعادة نشاط البنك المركزي ومعالجة ملف الموارد.
قروض لا “منح”
يتم الحديث دائماً عن الودائع المقدمة للبنك المركزي في عدن باعتبارها “مِنَحاً” من شأنها أن تعالج العديد من المشاكل، لكن هذا التناول ليس دقيقاً، لأن هذه الودائع هي عبارة عن قروض مستحقة السداد، وبالتالي فإنها تحمل مخاطر مضاعفة أعباء الدين.
من جهة أخرى، فإن هذه الودائع، ومن وجهة نظر اقتصادية، لا تمثل حلاً لمشاكل بحجم التي يعاني منها اليمن الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وانهياراً غير مسبوق للعملة المحلية، وإهداراً متواصلاً للموارد الرئيسية، إلى جانب ممارسات الفساد التي يشهدها البنك المركزي في عدن، والتي سبق أن كشف الجهاز المركزي هناك عن جانب منها.
صحيح أن هذه الودائع تأتي مشروطة بـ”القيام بإصلاحات” لكن استمرار انهيار العملة المحلية وتدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة الرئاسي يؤكد أن هذه الإصلاحات لا تتم، أو أنها بلا قيمة.
والحقيقة أن محافظ البنك المركزي في عدن، أحمد غالب المعبقي، أقر قبل أيام بأن انهيار العملة المحلية كان سببه “طباعة مبالغ مهولة من الأموال بدون معايير أو قيود”، علماً بأن العديد من دفعات الأموال المطبوعة استمرت في الوصول بالتوازي مع الإعلان عن تقديم “ودائع” للبنك، الأمر الذي يعني أن “الودائع” لم تقدم كحلول لتدهور العملة، إذ لا يستقيم تقديم الحلول مع استمرار أسباب المشكلة.
«اليمنيون سيدفعون أكثر مما يتلقون»
“الوديعة” التي أعلنت عنها السعودية، قبل أيام، مثلت نموذجاً واضحاً لم يكشف، فحسب، عدم جدوى الاعتماد على الودائع، بل أكد أن هذه الودائع تحمل تأثيراً سلبياً على الاقتصاد، كونها قروضاً بفوائد مرتفعة مستحقة السداد خلال فترة زمنية قصيرة.
وفي هذا السياق، قال تقرير نشره موقع “ذا كريدل” الأمريكي، قبل أيام، إنه على الرغم من تصوير هذا القرض على أنه “خطوة تهدف إلى تعزيز اقتصاد البلد الذي مزقته الحرب”، فإن السعودية “ستطلب من اليمن سداد القرض بسعر فائدة سنوية قدرها ثلاثة في المائة، مما يعني أن المملكة ستحقق ربحاً أكبر مما يُقصد به أن يكون دعماً إنسانياً”.
ولخص الموقع المخاطر المترتبة على القرض الأخير، قائلاً إنه “في الواقع، سيدفع اليمنيون أكثر مما يتلقون”.
وذكر التقرير أن: “هذا القرض عالي الفائدة سيرفع الدين العام الخارجي للبلاد من 6.7 مليار دولار في أواخر عام 2016 إلى 9.7 مليار دولار هذا العام”.
هذه المخاطر الواضحة للقرض الأخير تؤكد أن “معالجة المشاكل الاقتصادية” ليست هدفاً حقيقياً للصفقة التي أشرفت عليها السعودية بين صندوق النقد العربي وحكومة “الرئاسي”، بل يبدو أن مضاعفة مشاكل الاقتصاد هي الهدف الأقرب إلى الواقع.
“الوديعة” ليست الحل
على الواقع، انخفض سعر صرف العملة المحلية في عدن بشكل طفيف للغاية، ولعدة ساعات فقط بعد الإعلان عن تقديم القرض الأخير للبنك المركزي هناك، لكن التدهور عاد سريعاً مذكراً بحالات مماثلة حدثت في وقت سابق، وأكدت أن الودائع/ القروض، ليست المعالجة المناسبة لتدهور العملة المحلية وللمشاكل الاقتصادية.
هذا أيضاً ما أكده محافظ البنك المركزي في عدن، أحمد غالب المعبقي، في لقائه الأخير مع قناة “اليمن” التابعة لحكومة الرئاسي، حيث قال إن “الوديعة ليست الحل”، مشيراً إلى أن المشاكل التي تواجهها العملة المحلية واقتصاد البلد أكبر بكثير، ومنها أن “معدلات التضخم تتراوح بين 40-60%، فيما احتياطات البلد الخارجية في أدنى مستوياتها”.
وحتى لو تم تجاهل المخاطر الواضحة للقرض والتأكيدات الصريحة على عدم جدواه، فإن الحديث عن أنه “سيساعد على إجراء إصلاحات” بحسب المبررات المعلنة، يجعل النتائج الإيجابية الافتراضية مرهونة بسلوك حكومة الرئاسي، وطبيعة الشروط المتعلقة بالقرض، وهي أمور غامضة، كما أن هناك ملفاً واسعاً من الاتهامات الموجهة للحكومة الموالية للتحالف بالفساد والعبث بأموال ودائع سابقة، وبعض تلك الاتهامات وجهها فريق الخبراء الدوليين التابعين للأمم المتحدة في 2021.
وقد يقود الخوض في طبيعة هذه التفاصيل إلى اعتقاد بأن الودائع تحمل أغراضاً غير اقتصادية بالمرة.
الحلول الحقيقية
وفقاً لما سبق، فإن الحديث عن معالجة الوضع الاقتصادي ووقف تدهور العملة المحلية، يجب أن يتوجه نحو حلول أنسب، يمكن أن تحقق تأثيراً مباشراً وواضحاً وثابتاً، وبدون مخاطر.
محافظ مركزي عدن، المعبقي، قال في وقت سابق إن “الحل يتمثل في الاعتماد على موارد البلد إلى جانب معالجة الاختلالات”، وهذا يؤكد ضرورة إعطاء الأولوية للتوصل إلى اتفاقات مهمة تفضي إلى الاستفادة من الإيرادات بشكل صحيح، بما في ذلك إيرادات النفط والغاز التي تشكل معظم ميزانية البلد، بدلاً عن توريدها للبنك الأهلي السعودي، كما كان الوضع خلال السنوات السابقة.
المعبقي تحدث أيضاً عن ضرورة “إنهاء الانقسام النقدي” و”تحييد القطاع المصرفي”، وهي مسؤولية تقع على عاتق التحالف وحكومة الرئاسي، باعتبار أن قرار نقل البنك المركزي وقرار طباعة العملة الجديدة كانا أبرز أسباب تدهور العملة المحلية وحدوث الانقسام.
إنهاء الحصار المفروض على البلد، يمكن أيضاً أن يساعد على معالجة الأزمة الاقتصادية، خصوصاً إذا جاء إلى جانب معالجة ملف إيرادات النفط والغاز وتوحيد البنك المركزي.
وبالمحصلة، فإن الحلول الحقيقية التي يجب التركيز عليها- بإجماع كل الخبراء وبإقرار المعبقي نفسه- بعيدة تماماً عن الودائع والقروض، وإصرار التحالف وحكومة الرئاسي على تجنب هذه الحلول واستبدالها بالقروض، يعزز استمرار الأزمة الاقتصادية والإنسانية ويهدف لإطالتها، وليس معالجتها، أو المساعدة في معالجتها.