تقرير خاص – يمن إيكو
أيام قلائل وتودع اليمن العام 2022م الذي يحجز مكانه في خانة (8) من سنوات الحرب والحصار، فيما لا جديد يذكر من بوارق أمل تشير لزمن قريب أو بعيد ينهي معاناة الشعب اليمني الاقتصادية والمعيشية جراء نقص الغذاء والدواء والوقود، وانهيار العملة ومعها القدرة الشرائية للمواطن، وفوق كل هذا اختلال منظومة الأسعار خارج معادلة التوازي مع سعر صرف الدولار.
مشهد اقتصادي غير مسبوق في قسوته، عاشه المواطن اليمني خلال السنوات الثمان الماضية، سواء في مناطق حكومة صنعاء التي يعيش فيها 75% من اليمنيين على كفاف العيش والنقص الغذائي نتيجة الحصار، أو مناطق سيطرة التحالف والحكومة الموالية له، التي يعيش فيها 25% من اليمنيين واقعاً شمل مشهد التردي فيها الكهرباء والمياه والمواصلات والأمن، وانهيار العملة التي تقترب حالياً من 1200 ريال للدولار، بعد عودتها المؤقتة من حدود 1750 ريال منذ مطلع العام الجاري، مقارنة بقيمة الريال في مناطق حكومة صنعاء حيث استقرت عند حدود (550-600 ريال يمني للدولار الواحد.
ومع ثبات هذا المشهد على مسار من الصعود والتفاقم خلال العام، وعلى إيقاع تعالي أصوات المنظمات الأممية والدولية المحذرة والمهددة للشعب اليمني بخطر المجاعة الحتمية التي لا يمكن تفاديها إلا بمزيد من حشد التمويلات الخارجية واستنزاف الأرصدة اليمنية في الخارج؛ يبقى السؤال كيف تجاوزت اليمن الكارثة أو المجاعة؟
وفيما لا يزال الشعب اليمني يعاني تداعيات الحرب والحصار وعسكرة الموانئ ومنشآت النفط والغاز والمطارات والمنافذ في مناطق سيطرة التحالف، تحاول الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها إرجاع تجاوز اليمن لكارثة المجاعة إلى جهودها في حشد التمويلات، متناسية عجزها المزمن في الإفراج عن تصاريحها المحتجزة مع سفن المشتقات في عرض البحر، فضلاً عن عجزها للعام الثامن توالياً عن العمل على تحييد ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي المدنيين عن مسارات الحرب المدمرة.
وليس غريباً ذلك، فالتقرير الخاص بالأمن الغذائي في اليمن، -الصادر عن منظمات إغاثية تتبع الأمم المتحدة- الذي أفاد بمنع وقوع مجاعة في اليمن خلال العام الحالي، كانت تتربص بأكثر من مئة وستين ألف شخص فقط.. أوضح في الوقت نفسه أن أكثر من ستة ملايين شخص آخرين يعيشون في المرحلة الرابعة من انعدام الأمن الغذائي، وهي المرحلة التي تسبق المجاعة.
ووفق التحليل المحدَّث للتصنيف الدولي للأمن الغذائي، والذي تم إجراؤه في سبتمبر الماضي، فإن ما يقرب من 17 مليون شخص، أو أكثر من نصف السكان في اليمن، من المحتمل أن يواجهوا مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ما يعني أن160 ألفاً فقط رقما صغير جداً، إذ لا يمثل سوى ما نسبته 0.94% من الـ17 مليون الشخص، وهو ما يثبت أن 20% من التمويلات تذهب لخطة الاستجابة الإنسانية، بينما يذهب 80% منها في النفقات التشغيلية والمكافآت والسفريات لموظفي تلك المنظمات.
وفي إشارة لأهمية الهدنة التي شهدتها اليمن، وكان أكثرها في النصف الأخير من العام 2022م، يشير التحديث إلى انخفاض بمقدار 2 مليون شخص في المرحلة الثالثة من التصنيف الدولي لانعدام الأمن الغذائي أو أعلى من 7% من السكان، وبنسبة 1.2 مليون شخص أي 4% في المرحلة الرابعة من التصنيف الدولي، ما يعني ضرورة تجديد الهدنة وتوسيع مجالاتها، وصولاً إلى رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة كلياً ثم السلام، لكن ذلك على ما يبدو ليس خادما للجانب الأممي المشغول بإنفاق التمويلات.
وفي الوقت الذي ركز التقرير على مواصلة حشد التمويلات للخطط الأممية، وبما يشير إلى مراحل جديدة من تصعيد الحرب الاقتصادية، تؤكد معطيات الواقع المعيشي والاقتصادي المترديين جراء سنوات الحرب والحصار في اليمن من قبل التحالف، أن الشعب اليمني لا يحتاج من الأمم المتحدة أن تستجدي العالم باسمه مزيدا من التمويلات الخارجية ولا المساعدات، ولا يحتاج معونة سلة الغذاء، بقدر ما يحتاج من الجانب الأممي والدولي الضغط باتجاه رفع يد التحالف عن ثروات وموارد اليمن النفطية والغازية أو على الأقل صرف مرتبات 1.25 موظف في القطاع الحكومي ومن عائدات البلد السيادية.
خلاصة القول: إن وراء تجاوز اليمن لخطر المجاعة خلال العام 2022م، يرتكز أساساً على تكيف الناس على قسوة المعاناة رغم وصولهم الى أدنى مستوى من كفاف العيش، ولا يعني انتهاء تداعيات الحرب الاقتصادية، اعتمادهم على المساعدات الخارجية التي تستجديها الأمم المتحدة باسم مآسيهم الناتجة عن الحرب والحصار، كما أن حالة الحرب والحصار والعسكرة المستمرة للمنشآت النفطية اليمنية، هي من جعلت الشعب اليمني يصل إلى هذه الحالة من التردي الاقتصادي والمعيشي، وهي التي ستوسع الحرب في المنطقة وبصورة لن يربح معها أحد.