تقرير خاص – يمن إيكو
على طريق تكشُّف إخفاقاتها الاقتصادية، تؤكد حالة الفوضى والصراع على الموارد حد النزاع المسلح في مناطق سيطرة التحالف، أن الحكومة المعترف بها دولياً ومن خلفها المجلس الرئاسي، يمضيان في طريق لا يؤدي إلا إلى مزيد من ضياع الموارد المحلية، وانحسار الاعتماد عليها إلى أدنى المستويات، لصالح سيطرة الجهات والدول المانحة على القرار الاقتصادي للبلاد.
الغريب في المشهد الاقتصادي المتدهور أن استمرار القرارات الاقتصادية التي ضاعفت خلال السنوات الماضية، وستضاعف الآن معاناة المواطن المعيشية، لا تزال تصنف في خانة الإنجازات، كما تجلَّى ذلك في تقرير التطورات الاقتصادية والنقدية، خلال النصف الأول من العام 2022م، صادر عن البنك المركزي اليمني- عدن، الذي كشف أن الحكومة المعترف بها دولياً حققت فائضاً نقدياً نصف سنوي بنحو 120 مليار ريال، بسبب ارتفاع أسعار النفط عالمياً جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
وفيما اعترف البنك- في تقريره النصف سنوي- بأن الاقتصاد اليمني سجل انكماشاً تجاوز 50% خلال النصف الأول من العام الجاري، ما يغاير توقعات صندوق النقد الدولي بتوقف الانكماش خلال العام 2022م وحدوث نمو بسيط بنسبة 2%، أرجع البنك هذا النمو- الذي يمكن البناء عليه وكما لو أن الوضع طبيعي- إلى توقعات استمرار ارتفاع صادرات القطاعات النفطية وارتفاع أسعار النفط عالمياً، واستعادة المبادلات التجارية، بدون الأخذ في الاعتبار تحديات صراع الأطراف الموالية للتحالف على الموارد.
وعلى سبيل سرد الإنجازات الوهمية، يؤكد التقرير أن الإيرادات العامة للدولة ارتفعت خلال (يناير-يونيو 2022) إلى 1.222 تريليون ريال، منها 739.3 مليون دولار، تعادل 836.3 مليار ريال يمني (بسعر صرف 1131 للدولار الواحد) عائدات نفطية، و386.3 مليار ريال عائدات غير نفطية، مقابل نفقات بلغت قرابة 1.102 تريليون ريال يمني.
غير أن التناقض الأهم، هو أن البنك يدرك أن خزينته فارغة من هذه الإيرادات، وأنها تذهب إلى البنك السعودي الأهلي، وباعترافات صريحة من مسؤولين في الحكومة، ما يفسر بوضوح شحة السيولة وبنود النفقات المؤجلة البالغة 164 مليار ريال كنفقات: (مرتبات، تغذية وزارتي الدفاع والداخلية والوحدات العسكرية الأخرى لشهر يونيو، مستحقات الطاقة المشتراة، حصص المحافظات، مخصصات الإعاشة لمجلسي النواب والشورى والطاقم الحكومي).
وتهرباً من مسؤولية اختلال منظومة الأسعار في مناطق سيطرة التحالف، خارج قدرات المواطن الشرائية، أرجع تقرير البنك المركزي استمرار الضغوط التضخمية التي تشهدها قيمة الريال، التي تواصل تراجعها أمام العملات الصعبة، إلى عوامل خارجية، معتبراً وصول متوسط سعر صرف الريال أمام الدولار في السوق الموازية 1085 ريالاً للدولار في يونيو 2022م مقارنة مع 1255 ريالاً/دولار في نهاية ديسمبر 2021م إنجازاً.
اللافت في هذا الطرح أن تقرير البنك تجاهل دوره الرئيسي في انهيار قيمة الريال، وسط وعود الحكومة بإعادتها إلى ما دون 600 ريال، كان آخر تلك الوعود ما صدر عقب قرار التحالف تغيير أدوات الحرب المحلية في السابع من إبريل الماضي، الذي أعطى السوق تحسناً شكلياً قرنت بوعود خليجية بضخ وديعة ودعم يتجاوز 3 مليارات دولار، ليعود الدولار صاعداً على الريال، تحت تأثير قرار مزادات أسبوعية التي بدأها البنك في نوفمبر 2021م.
وتبعاً لهذا القرار- الذي اعتبره التقرير إنجازاً- فقد دخل النصف الأول من العام 2022م والعملة في أسوأ حالاتها، بعد رفع البنك قيمة الدولار رسمياً من 400 ريال إلى ما فوق الـ1000 ريال، وفق مزادات علنية وصل إجمالي قيمتها 537 مليون دولار حتى نهاية يونيو الماضي، مكنت البنك من سحب سيولة بقيمة 589 مليار ريال يمني تشكل نسبة 13.3% من حجم القاعدة النقدية، على حساب ما تبقى من قدرة المواطن الشرائية، وقيم مدخراته، وفتحت الباب أمام جشع التجار، فانهارت المنظومة السعرية.
التقرير وبدون مواربة اعترف أن هذه الخطوات- التي أسماها بالإنجازات- أفضت إلى ارتفاع متوسط مؤشر تكلفة المعيشة لسلة الغذاء في الجمهورية اليمنية من 56659 ريالاً في يونيو 2021 إلى 83591 ريالاً في ديسمبر 2021، في حين سجل 96414 ريالاً في مارس 2022، ما يعكس تضخماً ربع سنوي للغذاء بنسبة 15.3% للفترة (ديسمبر 2021، مارس 2022).
ولم يغفل التقرير مسار التداعيات المستقبلية لتلك الإصلاحات والإنجازات التي قصمت ظهر المواطن، حيث توقع- بناء على تقديرات صندوق النقد الدولي- أن يصل العجز في ميزان المدفوعات في اليمن (حجم الاستيراد مقابل الإنتاج) بنهاية عام 2022 إلى أكثر من 1900 مليون دولار، مرجحاً أن يتخطى العجز خلال العام الحالي كل التقديرات بنسب عالية وقد يتجاوز 3.5 مليار دولار بضغطٍ من ارتفاع أسعار الوقود والغذاء في السوق العالمية بنسب كبيرة.
المفارقات المشار إليها بين الإيراد والإنفاق، وبنود النفقات المؤجلة، تشير إلى ضبابية كبيرة في الأرقام وغياب الشفافية وفساد مستشرٍ تعيشه الحكومة المعترف بها دولياً، لا يؤكد تَغيُّر الموقف العام للموازنة العامة للدولة إلى عجز نقدي تبلغ قيمته نحو 44 مليار ريال فحسب، بل ينبش أسئلة الناشطين والمراقبين عن مذاهب تلك الإيرادات المهولة، مع أنها- في نظرهم- لا تمثل الأرقام الحقيقية التي تحققها الحكومة، وسط سلسلة من الحلقات المتفاقمة لأزمات الغذاء والوقود والدواء والكهرباء والمياه.
ففي مسار ما سحبته الحكومة من سيولة من السوق باسم المزادات التي وضعت سعر الدولار بأسعار السوق السوداء نفسها، وتسببت في رفع أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، أكد الناشط الاقتصادي وفيق صالح أن نحو ٤٠ مزاداً نفذها البنك المركزي لبيع العملة الأجنبية للبنوك اليمنية منذ نوفمبر ٢٠٢١، بقيمة إجمالية بلغت قرابة 647.318 مليون دولار، ما يعادل 720.363 مليار ريال يمني.. متسائلاً: ماذا لو التزمت إدارة البنك المركزي بالشفافية ووضحت قائمة البنوك المستفيدة من عملية المزادات وحجم كل مبلغ لدى البنوك؟ إضافة إلى السلع والأصناف التي غطتها المزادات؟
ويرى المراقبون أن استحواذ مجموعة من الجهات الحكومية على 733 مليار ريال من النفقات، وبما نسبته 66,5% من إجمالي الإنفاق العام، يشير إلى تسخير الإيرادات لتمويل حرب التحالف على باقي الموارد، حيث تستحوذ وزارة الدفاع على 35% من الإيرادات، فيما يشكل قطاع الكهرباء ثقب فساد أسود يلتهم 28% من الإيرادات، يضاف إلى مبالغ هائلة من المنح والمساعدات، وسط أزمات حادة ضاعفت ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى أكثر من 15 ساعة يومياً في عدن وحضرموت ولحج وغيرها، فيما الاعتمادات مركزية 21%، قروض 9%، الداخلية 7%).