يمن ايكو
تقارير

عدن: انهيار الاقتصاد والخدمات يهدد بالصراع بدلاً عن الإصلاحات

تقرير خاص- يمن إيكو

تتصاعد حدة الانهيار الاقتصادي والخدمي في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، مخلفة مزيداً من التفاقم في المعاناة المعيشية للسكان في تلك المحافظات، وسط تجاذبات سياسية وتبادل للاتهامات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات بالتسبب في هذه الأوضاع، وانعدام أي مؤشرات توحي بانفراج الأزمة على المستويين الاقتصادي والخدمي، سيما بعد اتجاه الانتقالي إلى منع إيداع الإيرادات العامة للمحافظات في البنك المركزي بعدن.|

الأوضاع الاقتصادية الخدمية المتردية التي تعيشها مناطق سيطرة الحكومة اليمنية والأطراف المنضوية فيها، وعلى رأسها عدن، تمثلت في ارتفاع الأسعار لجميع السلع والخدمات، نتيجة تدني القيمة المصرفية والسوقية للريال اليمني في هذه المناطق، والتردي المستمر في الخدمات وعلى رأسها الكهرباء، الأمر الذي صاعد حالة السخط الشعبي ضد الحكومة وكذا الأطراف المشاركة لها والمسيطرة فعلياً على مؤسسات الدولة ولا سيما في عدن.

ماذا عن الإيرادات؟

وفيما يضيق الخناق على الحكومة اليمنية، جراء السخط الشعبي الذي خلفه فشلها من جهة، ومحاولة الانتقالي استغلال هذا الفشل والانهيار المتواصل الذي ترتب عليه، والذي ترده الحكومة إلى وقف تصدير النفط، وكذا نقص الإيرادات الجمركية بسبب فتح ميناء الحديدة، وتحول جانب كبير من حركة الملاحة إليه، لعدة اعتبارات منها ما يتعلق بقربه من الكتلة السكانية الأكبر في المحافظات الشمالية، والتي تمثل أكثر من 75% من إجمالي عدد سكان اليمن.

وكثفت الحكومة اليمنية- بحسب ما نقلته وسائل الإعلام- جهودها مؤخراً لدى التحالف، وخصوصاً السعودية، وكذا لدى المجتمع الدولي، لإعادة فرض القيود على ميناء الحديدة، وإغلاقه في وجه السفن التجارية، وإعاقة نشاطه الملاحي الذي ما لبث أن استعاده بعد ثماني سنوات من التعطيل، وكان آخر هذه الجهود مطالبة عضو مجلس القيادة ومحافظ مارب سلطان العرادة، في لقاء جمعه آخر الأسبوع الماضي، مع المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ، بإعادة فرض القيود على ميناء الحديدة ومطار صنعاء، متهماً الحوثيين باستغلال التسهيلات التي يقدّمها المجتمع الدولي والحكومة اليمنية من أجل مطالب اليمنيين الإنسانية.

المبررات.. بين الواقعية والاستغلال

وتواصل الحكومة اليمنية تفسير تردي الأوضاع الاقتصادية بأنه نتاج لتراجع الإيرادات، غير أن تلك التبريرات تبدو غير واقعية- من وجهة نظر مراقبين- خاصة وأن الأزمة سبق أن تكررت خلال السنوات الماضية، فيما كانت جميع الإيرادات، بما فيها إيرادات النفط والغاز والجمارك، بيد الحكومة، مضيفين أن الأزمة الاقتصادية والخدمية ليست بالشيء الجديد، بل هي حالة مزمنة منذ سنوات، وهو ما يدحض دعاوى الحكومة بأن الأزمة الحالية على المستويين الاقتصادي والخدمي، سببها توقف تصدير النفط وتناقص إيرادات الجمارك بعد تخفيف القيود على ميناء الحديدة.

الأمر نفسه أكده محافظ عدن المنتمي إلى الانتقالي أحمد لملس، في تصريح له حول إقدامه على منع إيداع الإيرادات العامة للمحافظة في البنك المركزي بعدن، حيث قال إن أزمة الكهرباء التي تعانيها عدن سيناريو ظل يتكرر كل عام خلال السنوات الماضية، رغم أن تصدير النفط كان قائماً والإيرادات متوفرة، بل ويوجد مخزون لدى الحكومة منها، متهماً الحكومة بعدم اتخاذ أي معالجات أو حلول مستدامة في هذا الملف.

تصاعد الخلافات

ومع استمرار حالة الانهيار الاقتصادي والخدمي الذي انعكس على الوضع المعيشي للسكان، والفشل في اتخاذ أية خطوات لكبحه، اتجهت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات لتقاذف الاتهامات فيما بينهما، كل منهما يحاول إلقاء اللائمة على الآخر، وتجريده كمتسبب بهذا التردي والانهيار، حيث سبق أن شن عضو مجلس القيادة، والمنضم حديثاً إلى المجلس الانتقالي بمنصب نائب رئيس المجلس، أبو زرعة المحرمي، هجوماً عنيفاً على الحكومة ورئيسها معين عبدالملك، واصفاً إياه بأنه “يعمل بلا حس وطني، وأنه كثير الكلام قليل الإنتاج”، مضيفاً: “هناك حقائق كثيرة تدين الدكتور معين على إخلاله بالوظيفة العامة وتفريطه في كثير من الأمور وتأخير الكثير من الإصلاحات، وعدم العمل على ترشيد المال العام ومراعاة وضع الشعب”.

وأضاف المحرمي، خلال لقاء أجرته معه قناة عدن المستقلة التابعة للانتقالي، أن معين “لو كان جاداً في تنفيذ ما يطلب منه لكان الوضع أفضل بكثير”، موضحاً أن “هناك أشياء ممكن القيام بها ومتاحة ولم يقم بها (معين) وكأنه ليس مسؤولاً عن الأوضاع ولا نشعر أنه يريد أن يحقق أي إنجاز ولو على مستوى الأشياء الممكنة المطلوبة منه”.

ومن جانبه رد رئيس الحكومة معين عبدالملك، على المحرمي، في اجتماع استثنائي لحكومته، بالقول إن “المسألة ليست مجرد رمي المسؤولية فقط على الحكومة للتنصل عن الواجبات المفترض على الجميع القيام بها”.

خطوات تصعيدية

وتصاعدت الخلافات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي مؤخراً، لتصل حد وقف الأخير إيداع الإيرادات العامة في البنك المركزي، وهي الخطوة التي بدأها محافظ عدن مطلع الأسبوع الماضي، حيث وجه كافة المؤسسات والجهات الإيرادية في المحافظة بعدم إيداع أيٍّ من إيراداتها في البنك المركزي، ليخرج الانتقالي منتصف الأسبوع ببيان يكيل فيه الاتهامات للحكومة اليمنية ويدعو محافظي المحافظات الجنوبية إلى وقف إيداع إيرادات محافظاتهم في البنك المركزي بعدن، متهماً الحكومة اليمنية بإفراغ الخزينة العامة والدفع بالوضع إلى حافة الإفلاس.

واتهم الانتقالي في بيانه الحكومة اليمنية، التي هو شريك فيها، بالفساد وانتهاج سياسة الإفقار المتعمد للمواطنين، مؤكداً أن هذا البيان يأتي “بعد أن أفرغت حكومة ومنظومة الفساد ورئيسها خزينة الدولة وإيصال الوضع إلى حافة الإفلاس، لمزيد من الإفقار والإجهاز على حياة الناس”.

وفي تلويح بانقلاب جديد على الحكومة، وتفجير صراع مسلح في عدن، أضاف الانتقالي في بيانه أن هيئة رئاسته تضع اللمسات الأخيرة لإدارة المحافظات الجنوبية، في إشارة إلى أنه يحضر للاستيلاء على جميع مؤسسات الدولة، بذريعة الأوضاع التي قال البيان إن من أنتجتها هي الحكومة التي وصفها بـ “انعدام الشعور بالمسئولية”.

سيناريوهات سابقة

وفي استعادة لسيناريوهات الصراعات التي تتفجر بين الحكومة اليمنية والانتقالي عادةً مع دخول فصل الصيف وتردي الخدمات وعلى رأسها الكهرباء، فيما تكون الأزمات الاقتصادية التي تعصف بهذه المناطق قد بلغت ذروتها، ليستغل الانتقالي هذا الوضع المتأزم على كافة المستويات، ويقدح شرارة الصراع الذي ينتهي دائماً بهروب الحكومة من عدن.

ومع كل صيف ساخن، تعيش المحافظات الجنوبية أحداثاً أكثر سخونة، إذ يتصاعد السخط الشعبي، نتيجة تردي الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء، حيث يتزايد العجز في التيار، وترتفع ساعات الانطفاء خلال اليوم الواحد لتصل إلى أكثر من 16 ساعة مقابل 8 ساعات كهرباء، فتستغل الأطراف المسيطرة على الأرض هذا الوضع لتفجير مواجهات مسلحة، عادةً ما تنتهي بمغادرة الحكومة باتجاه الرياض، لتلحق بها قيادات الانتقالي باستدعاء سعودي.

وشهدت عدن خلال السنوات 2018، 2019، 2021، موجات عنف بين الحكومة اليمنية والانتقالي كانت تنتهي بهروب الحكومة وتدخل السعودية للتهدئة وفرض تغييرات في قيادة وهيكل الحكومة، كان آخرها في 17 يناير 2021، حيث اقتحمت قوات الانتقالي قصر معاشيق، وأجبرت من كان فيه من مسئولي الحكومة اليمنية على المغادرة، لتتدخل السعودية بمحاولة إحياء اتفاق الرياض الذي أبرمته بين الطرفين في نوفمبر من عام 2019، بعد أشهر من أحداث أغسطس بين الحكومة والانتقالي، وهو ما لم تفلح به المملكة، ليبقى الوضع عالقاً، حتى إعلان طي صفحة هادي وتشكيل المجلس الرئاسي في أبريل من العام الماضي 2022.

ويجمع المراقبون على أن سبب استمرار تردي الوضع الاقتصادي في مناطق الحكومة اليمنية، يعود أولاً إلى تفشي الفساد الذي تقرُّ به أطراف الحكومة نفسها، بالإضافة إلى أنه يجري استغلال الوضع الاقتصادي من قبل تلك الأطراف، لتحقيق أهداف ومكاسب سياسية، بدلاً عن العمل على تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً