يمن إيكو| تقرير
وسط تسارع انهيار الاقتصاد اليمني مؤخراً، وخاصة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة تصدير النفط الخام الذي توقف منذ نوفمبر الماضي، على خلفية عدم التوصل إلى اتفاق حول عائداته التي ظلت الحكومة اليمنية تستأثر بها منذ إعادة إنتاج وتصدير النفط عام 2017، بعد قرابة عامين من التوقف منذ اندلاع الحرب في البلاد، حيث تشترط حكومة صنعاء تخصيص عائدات النفط لصرف رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين الموقوفة منذ نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، في سبتمبر من عام 2016، فيما تسعى الحكومة لاستمرار انفرادها بهذه العائدات التي ظلت طوال أكثر من 5 سنوات تودع في حسابات خارجية لدى البنك الأهلي السعودي.
وتصاعدت حدة الانهيار الاقتصادي والخدمي في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، مخلفة مزيداً من التفاقم في المعاناة المعيشية للسكان في تلك المحافظات، وسط تجاذبات سياسية وتبادل للاتهامات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات بالتسبب في هذه الأوضاع، وانعدام أي مؤشرات توحي بانفراج الأزمة على المستويين الاقتصادي والخدمي، تطورت إلى حد اتجاه الانتقالي إلى منع إيداع الإيرادات العامة للمحافظات في البنك المركزي بعدن، قبل أن يتراجع عن قراره هذا نتيجة لضغوطات سعودية، بحسب محللين.
وشملت الأوضاع الاقتصادية الخدمية المتردية التي تعيشها مناطق سيطرة الحكومة اليمنية والأطراف المنضوية فيها، وعلى رأسها محافظة عدن، ارتفاع الأسعار لجميع السلع والخدمات، نتيجة تدني القيمة المصرفية والسوقية للريال اليمني في هذه المناطق، حيث اقترب من تخطي حاجز الـ 1500 ريال مقابل الدولار الأمريكي الواحد، منتصف يوليو الجاري، وكذا التردي المستمر في الخدمات وعلى رأسها الكهرباء، التي تتداخل معضلاتها بين نقص الوقود وعدم سداد مستحقات محطات الطاقة المستأجرة، ما تسبب في ارتفاع ساعات انقطاع التيار عن المواطنين لأغلب ساعات اليوم، حيث بلغت فترات الإطفاء خلال اليوم الواحد حوالي 16 ساعة، في حين أن الحكومة اليمنية تقول إن الإجمالي الشهري لإنفاقها على الكهرباء في مناطق سيطرتها يصل إلى 75 مليون دولار، منها 55 مليون دولار للكهرباء في عدن- حسب زعمها.
وبفعل الأوضاع الاقتصادية والخدمية المتردية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية تصاعدت حالة السخط الشعبي ضد هذه الحكومة بجميع الأطراف المشاركة لها والمسيطرة فعلياً على مؤسسات الدولة ولا سيما في عدن، ما دفع بهذه الأطراف إلى تبادل الاتهامات بالتسبب بهذه الأوضاع.
ومع استمرار حالة الانهيار الاقتصادي والخدمي الذي انعكس على الوضع المعيشي للسكان، والفشل في اتخاذ أية خطوات لكبحه، تصاعدت حالة السخط الشعبي ضد هذه الحكومة بجميع الأطراف المشاركة لها والمسيطرة فعلياً على مؤسسات الدولة، ولا سيما في عدن، ما دفع بالحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات لتقاذف الاتهامات فيما بينهما، كل منهما يحاول إلقاء اللائمة على الآخر، وتجريده كمتسبب بهذا التردي والانهيار، حيث سبق أن شن عضو مجلس القيادة، والمنضم حديثاً إلى المجلس الانتقالي بمنصب نائب رئيس المجلس، أبو زرعة المحرمي، في يونيو الماضي، خلال لقاء متلفز على قناة عدن المستقلة التابعة للانتقالي، هجوماً عنيفاً على الحكومة ورئيسها معين عبدالملك، متهما إياهم بالفساد، والعمل بلا حس وطني، وعرقلة أي إصلاحات، و”عدم العمل على ترشيد المال العام ومراعاة وضع الشعب”.
وآنذاك رد رئيس الحكومة معين عبدالملك، على المحرمي، في اجتماع استثنائي لحكومته، بالقول إن “المسألة ليست مجرد رمي المسؤولية فقط على الحكومة للتنصل عن الواجبات المفترض على الجميع القيام بها”.
وفيما تتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، تواصل الحكومة اليمنية التحجج بتأثير توقف عائدات النفط، محملةً صنعاء المسئولية عن ذلك، كونها هي من أوقفت عمليات الإنتاج والتصدير ووجهت تحذيرات للشركات العاملة في مجال إنتاج وتصدير النفط اليمني، بوقف أنشطتها حتى يتم التوصل إلى تفاهمات حول العائدات المتحصلة من عمليات التصدير.
ويرى مراقبون أن تحجج الحكومة اليمنية بتوقف تصدير النفط، كسبب لتردي الأوضاع الاقتصادية، يبدو “غير واقعي”، خاصة وأن الأزمة سبق أن تكررت خلال السنوات الماضية، فيما كانت جميع الإيرادات، بما فيها إيرادات النفط والغاز والجمارك، بيد الحكومة، مضيفين أن الأزمة الاقتصادية والخدمية ليست بالشيء الجديد، بل هي حالة مزمنة منذ سنوات، وهو ما يدحض دعاوى الحكومة بأن الأزمة الحالية على المستويين الاقتصادي والخدمي، سببها توقف تصدير النفط وتناقص إيرادات الجمارك بعد تخفيف القيود على ميناء الحديدة.
الأمر نفسه أكده محافظ عدن المنتمي إلى الانتقالي أحمد لملس، في تصريح حول إقدامه منتصف يونيو الماضي، على منع إيداع الإيرادات العامة للمحافظة في البنك المركزي بعدن، حيث قال إن أزمة الكهرباء التي تعانيها عدن سيناريو ظل يتكرر كل عام خلال السنوات الماضية، رغم أن تصدير النفط كان قائماً والإيرادات متوفرة، بل ويوجد مخزون لدى الحكومة منها، متهماً الحكومة بعدم اتخاذ أي معالجات أو حلول مستدامة في هذا الملف.
ويضيف المراقبون أن توقف تصدير النفط له تأثيراته وانعكاساته على الاقتصاد اليمني بشكل عام، غير أن السبب في استمرار هذا التوقف، هو عدم توصل الأطراف إلى صيغة تفاهم تضمن عودة تصدير النفط، حيث أن التوصل إلى هذه الصيغة سيضمن رفد الاقتصاد بالعملة الصعبة، حيث أن العائدات من تصدير النفط ستغطي بجزء منها فاتورة رواتب الموظفين الحكوميين، حسب قوائم عام 2014، كما تشترط صنعاء، وهؤلاء الموظفون موزعون على عموم محافظات البلاد، في حين أن الفائض من هذه العائدات يمكن أن يغطي جوانب أخرى من جوانب الإنفاق الحكومي، ويسهم في دعم العملة اليمنية.
هذا الطرح يدعمه ما أعلنت عنه الحكومة اليمنية على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، عبدالله السعدي، أواخر مايو الماضي، بأنها خسرت “منذ منتصف العام الماضي حوالي مليار دولار”، بسبب توقف صادراتها من النفط الخام، منذ قرار حكومة صنعاء باستهداف أي محاولة لتصدير النفط حتى يتم قبول مطالبها بصرف مرتبات موظفي الدولة من العائدات النفطية.
المبلغ المعلن عنه من قبل الحكومة كفاقد بسبب توقف تصدير النفط، وهو مليار دولار خلال نصف عام، يعكس بلغة الأرقام قيمة أخرى، وهي أن إجمالي عائدات النفط لعام كامل تصل إلى ملياري دولار، وهو ما يقود إلى التساؤل، حول غياب بند الرواتب من حسابات الحكومة اليمنية خلال السنوات الماضية، حيث أن المعلوم هو أن إجمالي رواتب الموظفين الحكوميين في اليمن، بحسب قوائم عام 2014 تبلغ قرابة 65 مليار ريال يمني، فيما إجمالي الرواتب لعام كامل 692 مليون دولار أي ما نسبته 35% من إجمالي عائدات النفط السنوية، وبهذا الإجراء سيحقق الاقتصاد اليمني فائضاً على مبلغ الرواتب يمثل 65% من هذه العائدات.
وفي هذا الصدد يشير إبراهيم السراجي، السكرتير الإعلامي للجنة الاقتصادية العليا بصنعاء، إلى أن عائدات النفط التي ظلت تورد إلى البنك الأهلي السعودي طيلة السنوات الماضية من عمر الحرب، لم تكن لتسهم في “تدعيم العملة الوطنية بغطاء العملات الصعبة، حيث لم تورد العائدات للبنك المركزي”.
وأضاف السراجي، في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية، منتصف الشهر الجاري قائلاً: “اليوم ورغم أن عائدات النفط يمكنها تغطية المرتبات وتحقيق فائض، إلا أن التحالف والحكومة الموالية له، أو من وصفهم بـ (العدوان ومرتزقته) يرفضون ذلك ويفضلون الوضع القائم، وهذا دليل على أنهم يريدون استمرار التدهور الاقتصادي والمعيشي”.
وجاءت تصريحات السراجي، عقب بيان كانت قد أصدرته اللجنة الاقتصادية العليا بصنعاء، اتهمت فيه التحالف والحكومة الموالية له بالوقوف وراء تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في المناطق التي تسيطر عليها هذه الحكومة.
وذكر البيان أن التحالف والحكومة الموالية له ما يزالون يصرون على ما أسماه “نهب عائدات الثروات السيادية اليمنية لحساباتهم الشخصية، بدليل أنهم يرفضون- إلى الآن- كل الحلول التي تضمن استخدام تلك العائدات للتخفيف من معاناة كل أبناء الشعب اليمني، وعلى رأسهم المواطنون في المناطق المحتلة”.
وفيما تحمّل صنعاء التحالف والحكومة اليمنية مسئولية الانهيار الاقتصادي الحاصل، وتتهمهم بإعاقة أي حلول قد تتضمن تخفيف المعاناة الإنسانية التي نتجت عن هذا الانهيار، تتحدث الحكومة اليمنية عن تنازلات قدمتها خلال مرحلتي (الهدنة الأممية والهدنة غير المعلنة) للدفع بمسار التهدئة والحل السلمي للأزمة، وتخفيف حدة المعاناة الإنسانية، في إشارة إلى تخفيف القيود عن الواردات عبر موانئ الحديدة وكذا السماح برحلات تجارية أسبوعية (ثلاث رحلات أسبوعياً) عبر مطار صنعاء الدولي.
واتهمت الحكومة اليمنية، على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، سلطات صنعاء بأنها “استغلت هذه التنازلات، لتحقيق مكاسب مادية وشن حرب على الاقتصاد الوطني، ضمن سياسة التجويع والإفقار التي تنتهجها بحق المواطنين”.
وحذر الإرياني من استمرار صنعاء “في مسارها التصعيدي الذي ينذر بانهيار الأوضاع الاقتصادية، ويفاقم المعاناة الإنسانية”، مؤكداً أن حكومته لن تقف مكتوفة الأيدي، وستضطر لمراجعة الخطوات التي اتخذتها ضمن بنود الهدنة الأممية، وإعادة النظر في التسهيلات المتصلة بتشغيل ميناء الحديدة ومطار صنعاء، واتخاذ التدابير التي تحفظ مصالح ومقدرات الشعب اليمني.
ويشير موقف الحكومة اليمنية، الذي عبّر عنه وزير الإعلام الإرياني، إلى اتجاه الحكومة نحو مزيد من التصعيد، وهو ما بدا واضحاً من خلال تصريح الوزير الإرياني، والذي تضمن تهديداً بإعادة الحصار إلى ما كان عليه في مراحل ما قبل الهدنة، وهو ما يعني عدم استعداد الحكومة لتقديم أي حل عملي لأزمة توقف تصدير النفط.
في المقابل، تعبّر وجهة نظر صنعاء عن استعداد للتفاهم حول عائدات النفط، وهو سيضمن دخول عملة صعبة لرفد الاقتصاد المتداعي والحيلولة دون مزيد من الانهيار، سيما وأن هذه العائدات، إذا صُرف جزءٌ منها في سداد رواتب قرابة 1.3 مليون موظف، يعيلون أسراً لا يقل متوسط أفرادها عن 5 أشخاص، أي ما يقارب 6.5 مليون نسمة، فإنها ستقلص جانباً كبيراً من الأزمة الإنسانية في البلاد، حيث تشير المنظمات الأممية إلى أن 17 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويحتاجون إلى مساعدات.