يمن ايكو
تقارير

📃 وفق معايير الأموال السعودية.. الأمم المتحدة تضع أطفال اليمن والعالم في مهب الضياع

تقرير خاص-يمن ايكو

منذ بدأ التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن عملياته العسكرية، بحُجة دعم وإعادة الشرعية، كانت الفئة الأكثر استهدافاً هي فئة الأطفال، ومنذ الدقائق الأولى للعمليات العسكرية رأى العالم أجمع عشرات الأطفال اليمنيين جثثاً وأشلاء مبعثرة تحت أنقاض منازلهم التي قصفتها طائرات التحالف ي العاصمة صنعاء ليل السادس والعشرين من شهر مارس 2015م، ومنذ تلك اللحظات كان أطفال اليمن هدفاً يومياً لطائرات التحالف حتى هذه اللحظة مع دخول الحرب عامها السابع.

أخذت حرب التحالف على اليمن منحىً تصاعدياً منذ لحظاتها الأولى، وكان الأطفال أبرز ضحاياها، ولم يقتصر قتل الأطفال على قصفهم داخل منازلهم ليلاً ونهاراً، بل لاحقتهم طائرات التحالف إلى مدارسهم ومستشفياتهم وعلى الطرقات العامة، وأصبحت المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية في صورة ما يتعرض له أطفال اليمن بشكل يومي من أشكال القتل البشع الذي ترتكبه طائرات التحالف بأسلحة أمريكية وبريطانية وفرنسية وألمانية وبلجيكية، زودت بها تلك الدول قطبي تحالف الحرب “السعودية والإمارات” رغم علمها بأن أطفال اليمن هم أول من يقتلون بتلك الأسلحة، الأمر الذي دفع بتلك المنظمات إلى إدانة قتل الأطفال وإدانة تلك الدول التي تعقد صفقات الأسلحة مع الرياض وأبوظبي.

كانت أبرز جرائم قتل الأطفال في اليمن هي جريمة قتل 44 طفلاً في سوق مدينة ضحيان بمحافظة صعدة، حيث قصفت طائرات التحالف حافلتهم خلال رحلة مدرسية، في بداية شهر أغسطس من عام 2018م، وبعدها بأسابيع قتلت طائرات التحالف 22 طفلاً وأربع نساء بغارة استهدفت حافلتهم خلال محاولتهم الهروب من القتال الدائر في منطقة الدريهمي بمحافظة الحديدة، وهي الجريمة التي أدانها مسئول رفيع في الأمم المتحدة، وبعدها قصف مدرسة للبنات في منطقة سعوان بالعاصمة صنعاء، في بداية شهر إبريل من عام 2019م، والتي قتلت فيها 13 فتاة وأصيب حوالي 90 غالبيتهم من طالبات المدرسة الابتدائية التي قصفتها طائرات التحالف، وأدانت منظمات دولية الجريمة التي أنكرها التحالف، ودعت سلطات صنعاء حينها إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لكشف حقيقة جريمة التحالف بحق طالبات المدرسة وبقية جرائمه بحق الأطفال عموماً.

أدرجت الأمم المتحدة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن على لائحة سوداء سنوية للدول والكيانات التي ترتكب جرائم بحق أطفال، وفق تقرير نشرته المنظمة الدولية وأحصى خلال عام 2016 ما لا يقل عن أربعة آلاف حالة من الانتهاكات المثبتة من جانب قوات حكومة هادي، المدعومة من التحالف، وأكثر من 11500 حالة منسوبة إلى مجموعات مسلحة خارج إطار القوات التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية التابعتين لتلك الحكومة، ووردت قائمة قاتلي الأطفال في ملحق لتقرير بشأن الأطفال والنزاعات المسلحة، يصدره الأمين العام للأمم المتحدة كل عام، وهدفه لا يقتصر على التنديد بالانتهاكات التي ترتكب ضد الأطفال من قتل وتشويه واعتداءات جنسية وتجنيد وخطف، وإنما أيضاً حض المتحاربين على اتخاذ إجراءات للحد من عواقب النزاعات على الأطفال، حسب الأمين العام للأمم المتحدة، وسط ترحيب عدد من المنظمات بإدراج التحالف على القائمة السوداء، ومنها منظمة هيومن رايتس ووتش التي أثنت على قرار غوتيريش، وأعلنت أنه يتعين على التحالف التوقف عن تقديم وعود فارغة، واتخاذ إجراءات ملموسة لوقف ما أسمتها بالهجمات الفتاكة غير القانونية في اليمن، مضيفةً أنه إلى حين حدوث ذلك، يجب على الحكومات تعليق جميع مبيعات الأسلحة إلى السعودية.

بعد كل تلك الجرائم التي تناولتها تقارير منظمات دولية كثيرة، وعرضتها وسائل إعلام متنوعة، وبعد إدراج السعودية في قائمة العار “قاتلي الأطفال”؛ حذف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في شهر يونيو من عام 2020م، اسم السعودية من تقريره السنوي بشأن انتهاكات حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة، بزعم “تراجع كبير في هذه الجرائم”، وهو القرار الذي لقي ردود فعل دولية منددة، خصوصاً أنه تزامن مع جريمة في محافظة صعدة راح ضحيتها 13 من الأطفال والنساء، حيث قصفت طائرات التحالف بغارتين سيارتهم في الطريق العام لمديرية شدا، خلال عودتهم من التسوق في مديرية رازح، وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية وصفت القرار بـ “المستوى الجديد من العار”، فيما رأت منظمة العفو الدولية أن استبعاد السعودية من قائمة العار يشكك في آليتها.

تخبط وعبث وكيل بمكيالين، تتضح في سياسات الأمم المتحدة وتعاملها مع حرب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والواضح أن أطفال اليمن الذين تزايد الأمم المتحدة بهم ليسوا سوى ورقة للتكسب وجلب المزيد من الأموال، ولا يهم المنظمة الدولية أن يموتوا قتلاً بغارات طائرات التحالف وبأسلحة الدول الكبرى التي تدعمه من أولى لحظاته، أو بالحصار الذي تفرضه دول التحالف على الغذاء والدواء والمشتقات النفطية، باحتجاز السفن في عرض البحر ومنع وصولها إلى ميناء الحديدة، رغم التصاريح الممنوحة من الأمم المتحدة، أو بالأوبئة التي تفتك بملايين الأطفال اليمنيين بالتزامن مع انعدام الأدوية وانهيار المنظومة الصحية في مدنهم وقراهم بفعل الحرب والحصار، بقدر ما يهمها الحصول على الأموال من السعودية والإمارات، وإصدار القرارات التي تناسب الممولين وإن كانوا معتدين، وهو ما يظهر في قرارات المنظمة الدولية المنحازة كلياً إلى المال السعودي.

ويرى مراقبون أن سحر الأموال السعودية وصل بالأمم المتحدة حداً يجعل مصداقيتها ونزاهتها على المحك، فهي تحوّل الضحية إلى جلاد والعكس، رغم أن كل الدلائل والشواهد بين يديها، ولا تتردد مقابل تلك الأموال في إصدار قرارات تتناقض كلياً مع مواثيقها وأدبياتها، فما لا يمكن إنكاره من مظاهر القتل اليومي للأطفال في اليمن تنكره الأمم المتحدة وتتخذ قراراتها بناء على رغبة الأطراف المتسببة والمرتكبة لكل ذلك القتل العبثي، وكان مدير الدفاع عن حقوق الأطفال في منظمة هيومن رايتس ووتش، جو بيكر، قال في تعليقه على إزالة السعودية من قائمة العار: “يضيف الأمين العام مستوى جديداً من العار إلى” قائمة العار “من خلال إزالة التحالف الذي تقوده السعودية، وتجاهل أدلة الأمم المتحدة الخاصة على استمرار الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، وعلقت أدريان لابار، مديرة منظمة قائمة المراقبة بشأن الأطفال والصراع المسلح وهي جماعية حقوقية دولية، على قرار الأمين العام للأمم المتحدة بأنه “يرسل رسالة مفادها أن الأقوياء يمكنهم الإفلات بجريمة قتل الأطفال”، مطالبة بتقييم مستقل وشفاف لعملية رفع التحالف من القائمة، “حتى نضمن أن المتورطين في قتل الأطفال يتحملون المسؤولية بغض النظر عن علاقاتهم وإمكانياتهم”، حسب تعبيرها.

بعد ضجة الإدانة والانتقادات التي أثارها الأمين العام للأمم المتحدة بإزالته السعودية من قائمة العار لقاتلي ومنتهكي حقوق الأطفال، ها هو مجدداً يضع مستقبل ملايين الأطفال حول العالم على المحك، بقراره الجديد، حيث لم يكتفِ بإزالة قاتلي الأطفال من القائمة السوداء بل وضع الضحايا في تلك القائمة، حيث أدرج سلطات صنعاء في قائمة منتهكي حقوق الأطفال متجاهلاً كل ما بين يديه من أدلة وشواهد وبيانات موثقة ومصورة لا سبيل لإنكارها على ارتكاب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن جرائم مخزية بحق الأطفال، متعامياً عن استهداف التحالف التجمعات السكانية والمدارس والمستشفيات وقتل وجرح أكثر من 8 آلاف طفل منذ 26 مارس 2015م، ومتغابياً عن تنسيق ودعم التحالف عمليات تجنيد آلاف الأطفال مستغلاً ظروفهم المادية والمعيشية الصعبة، وإغرائهم برواتب مرتفعة، لاستخدامهم وقوداً لمعاركه في مختلف الجبهات التي يشعل نيرانها ويمولها بالسلاح والمال في محافظات اليمن الجنوبية والشرقية، الأمر الذي اعتبره كثير من المراقبين ضوءاً أخضر لاستمرار التحالف في استهداف أطفال اليمن بغارات طائراته وبالزج بهم في معاركه لخوضها نيابةً عن قواته، وبالحصار والإغلاق الشامل دون وصول الدواء والغذاء لملايين الأطفال في اليمن، الذين أصبح منهم مليونان ونصف مليون طفل يعانون سوء التغذية والأمراض والأوبئة المنتشرة.

على مستوى الداخل السعودي، تجاهلت الأمم المتحدة ممارسات المملكة بحق الأطفال داخل أراضيها، فحسب مواقع إخبارية سعودية معارضة ومنظمات حقوقية دولية، يواجه أربعون قاصراً سعودياً أحكاماً بالإعدام، بتهمة المشاركة في احتجاجات مناهضة للسلطات، وتحديداً في مدينة القطيف عام 2011م، رغم تعهد سلطات الرياض بإيقاف عقوبة الإعدام ضد القصر، وكان ذوو المعتقلين طالبوا وزير الخارجية البريطاني بالتدخل العاجل خلال زيارته للرياض لوقف عقوبة الإعدام ضد القُصّر، ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية محاكمة مواطن سعودي لا يتجاوز عمره 14 عاماً بالجائرة، كما نددت منظمة العفو الدولية “أمنستي” بحكم الإعدام الذي صدر بحق الشاب مصطفى بن هاشم بن عيسى آل درويش، وبتنفيذه من قبل السلطات السعودية على الرغم من المناشدات التي أطلقتها مع منظمات عدة لثنيها عن ذلك، كل ذلك العبث والقتل المجاني قابلته الأمم المتحدة بغض الطرف، ومثله ما يحدث في ميانمار من ممارسات قواتها المسلحة ضد الأطفال وإجبارهم على القتال، وما ارتكبته القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان بحق الأطفال، وقبلهم قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تقتل أطفال فلسطين منذ سبعين عاماً، كل أولئك لم يُدرجوا في قائمة منتهكي حقوق الأطفال، بل وضع سلطات صنعاء في تلك القائمة لمجرد أنهم رفضوا أن يظل أطفالهم هدفاً لطائرات وصواريخ وحصار دول التحالف، الأمر الذي يورط الأمم المتحدة في وضع أطفال اليمن والعالم أجمع في مهب الضياع طالما أن قراراتها تُتخذ وفقاً لمعايير الأموال السعودية التي يبدو أنها كانت أقوى من المعايير الإنسانية التي أنشئت الأمم المتحدة أساساً من أجل الانتصار لها وتطبيقها على أرض الواقع.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً