تقرير خاص – يمن إيكو
مع استمرار وتواصل تردي منظومة الكهرباء في مناطق سيطرة التحالف، وما ترتب عليها من انهيار للخدمات الأخرى كالمياه والتبريد التجاري والإنارة المنزلية وخدماتها وغيرها؛ يبدو الربط بين هذا التردي وقرار إيقاف تصدير النفط بصرف الرواتب ورفع الحصار، محاولة عبثية لتضليل الرأي العام اليمني والأجنبي، وضرباً من المغالطة خارج المنطق والواقع.
وخلال اليومين الماضيين، أطلقت مؤسسة كهرباء عدن استغاثة متكررة للمجلس الرئاسي- المعين من الرياض- بضرورة الإسراع في توفير وقود النفط الخام، وكذا وقود لبعض محطات الكهرباء من مادة الديزل.. مؤكدة في بيان خروج أكثر من 40% من التوليد الحالي لمحطات كهرباء عدن، بسبب نقص الديزل.
الأكثر غرابة في البيان الذي تكرر خلال السنوات السابقة مئات المرات، هو أنه ربط تردي الكهرباء المزمن في مناطق سيطرة التحالف بإيقاف صادرات النفط الخام منذ مطلع أكتوبر الماضي، متجاهلاً حقيقة أن عائدات النفط الخام كانت تورد إلى البنك السعودي الأهلي وباعتراف الحكومة.
وليس بخافٍ على أحد مسار المفارقات الماثل في واقع الكهرباء في مناطق حكومة الرئاسي خلال سنوات سيطرة التحالف عليها، خصوصاً السنوات الثلاث الأخيرة، إذ شهدت موانئ حضرموت وشبوة خلالها تصدير أكثر من 2.6 مليون برميل شهرياً، بقيمة إجمالية تصل إلى 234 مليون دولار شهرياً، قياساً بمتوسط سعر 90 دولاراً للبرميل، ما يعادل 140.4 مليار ريال حسب سعر صرف الدولار في مناطق حكومة صنعاء.
السنوات الثلاث الأخيرة رغم استمرار صادرات النفط الخام، شهدت خلالها منظومة الكهرباء في تلك المناطق انهياراً غير مسبوق، وزادت أوقات انقطاع التيار الكهربائي إلى قرابة 20 ساعة يومياً، ولم تعتمد المنظومة على مخرجات إنتاج النفط اليمني في ظل التعطيل المتعمد لمصفاة عدن، بل ظلت الكهرباء معتمدة على صفقات فساد تجارية كبرى لشراء كميات الوقود المخصصة لمحطات التوليد.
وليس هذا من قبيل المبالغة، فأهم تلك الصفقات ما أسمته حكومة الرئاسي بالمكرمة السعودية، التي بلغت قيمتها أكثر من 4.2 مليار دولار، هو مبلغ استثماري هائل ضخه الصندوق السعودي للتنمية على شكل كميات وقود، وقد استعاد عائداته من جيوب المواطنين وعبر مؤسسة كهرباء عدن التي تحولت إلى محصل رسمي لفواتير الكهرباء، وهو ما كشفه ضمنياً مدير البرنامج السعودي في عدن أحمد المدخلي، مؤكداً أن مديونية كهرباء عدن للحساب الخاص بالمنحة بلغت 3 مليارات ريال يمني، متهماً مؤسسة كهرباء عدن بعدم الالتزام بتوريد العائدات للحساب المشترك.
المفارقة الأهم تتمثل في أن احتياج الكهرباء في مناطق سيطرة التحالف، مؤسساتٍ وأفراداً، خلال السنوات الماضية تحولت وجهةً استثمارية مغرية خارج المنظومة الوطنية، عبر ما يسمى بكميات إسعافية خارج الصفقة التجارية السعودية، أو بعقود الطاقة المشتراة من شركات تولد الكهرباء في البحر وتزود المدن الساحلية، مهددة بسكين القطع للتيار عنها في أي لحظة تتخلف الحكومة عن سداد استحقاقات الشركات، التي اتضح فيما بعد أنها جديدة ومحسوبة على الحكومة والتحالف.
ما يؤكد ذلك هو أن وثيقة رسمية بتوقيع وزير الكهرباء في الحكومة الموالية للتحالف، أنور كلشات، طالبت في تاريخ 4 سبتمبر 2021م رئيس الوزراء معين عبد الملك بالموافقة والتوجيه لاعتماد شراء كمية إسعافية لا تقل عن 15 ألف طن من الديزل، لتغطية احتياج محطات التوليد من الوقود، إلى حين موعد وصول الدفعة الرابعة، تفادياً لانقطاع التيار الكهربائي في عدن ولحج وأبين.
ومقابل ذلك وفي الفترة نفسها اتهمت مصادر نقابية عمالية في كهرباء عدن الحكومة صراحة بتعمد إهمال محطات الكهرباء الحكومية في عدن، لصالح المحطات المستأجرة في البحر، ضمن ما وصفته المصادر بـ “صفقات فساد ومصالح مشتركة”، في إشارة إلى محطة التوليد العائمة التي وقّع معين عبد الملك اتفاقية توريدها بعشرات الملايين من الدولارات، كواحدة من أهم صفقات الفساد.. مؤكدة أن استئجار باخرة ستكلفها 130 مليوناً لغرض توفير (100) ميجا لمدة عام أو عامين، جريمة فساد كاملة الأركان.
ولم يكتفِ مسؤولو حكومة الرئاسي بالإهمال المتعمد للمنظومة الوطنية للكهرباء لصالح صفقاتهم الاستثمارية المشبوهة بالفساد، بل تجاوزوا ذلك إلى تحويل الوضع المنهار للمنظومة إلى ورقة استجداء للخارج، طافت كل عواصم العالم جامعة المليارات من الدولارات التي ضخت، ولا تزال، باسم مشاريع توفير الكهرباء، منذ عام 2016م.. فيما ظلت المنظومة في تدهور وتراجع مستمرين إلى الوضع الذي هي عليه اليوم.