تقرير خاص – يمن إيكو
لم تكن الضربة التي نفذتها قوات صنعاء، باستخدام الطيران المسيّر في ميناء الضبة مباشرة، تستهدف تدمير ناقلة النفط (نيسوس كيا- NESSOS KEA) التي كان مقرراً لها أن تنقل ما يقارب مليوني برميل من النفط الخام، بقيمة تقديرية تصل إلى 186 مليون دولار؛ لكنها كانت رسالة قرنتها حكومة صنعاء بمواصلة ضبط النفس على الواقع العملي، بوصفها تحذيرية، وبما يؤكد جديتها وإصرارها على أن لا تراجع أو تهاون في مواجهة ما تسميه “نهب الثروات السيادية”، في وقت ينتظر موظفو القطاع العام (من مدنيين وعسكريين وأمنيين ومتقاعدين) والبالغ تقديرهم 1.25 مليون موظف، رواتبهم من قرابة ستة أعوام.
ومن الواضح والجلي في مسار الأحداث التي سبقت الضربة، أن حكومة صنعاء أرادت إيصال رسالة ضمنتها تأكيدها أن سماحها بخروج شحنة نفط كهرباء عدن نابع من حرصها على استمرار أداء الجانب الخدمي لكافة المواطنين على خارطة الجمهورية اليمنية، ولم يكن تراجعاً كما روّجته وسائل الإعلام الموالية للتحالف.
ولم يأتِ هذا الطرح من قبيل الرجم بالغيب، فقد أشارت اللجنة الاقتصادية العليا بحكومة صنعاء في بيان لها، اليوم السبت، إلى أن الجهات المعنية واصلت مراسلة الناقلة (نيسوس كيا) ووجهت لها ثلاث رسائل متوالية، في أيام 18 و20 و21 من أكتوبر الجاري.
وأوضح البيان أن تجاهل الناقلة لتلك الرسائل، يؤكد أنها فهمت قرار استثناء السفينة (هاناHANA-) التي نقلت شحنة نفط لمحطة كهرباء عدن، بطريقة خاطئة، في إشارة ضمنية إلى أن سد الاحتياج المحلي الضروري الموصول بحياة المواطنين، يقف وراء قرار الاستثناء.
الأكثر أهمية في ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية، هو أن الحكومة المعترف بها دولياً، تقمصت السياق والأسلوب السعودي نفسه في خطاباتها للعالم، أثناء استهداف عمق المعامل والتخزين والإنتاج لشركة أرامكو، غير آخذة الضربة على محمل الجد بما يتوجب عليها، والالتزامات التي تدعيها أمام العالم تجاه مصالح الشعب اليمني، وتسخير موارد البلاد لشؤون حياته الخدمية والمعيشية.
ووجهت خارجية الحكومة الموالية للتحالف، خطابات واسعة تشكو إلى معظم دول العالم والمنظمات الأممية والدولية منع حكومة صنعاء للناقلة (نيسوس كيا- NESSOS KEA) من نقل ما يقارب مليوني برميل من النفط الخام، بقيمة تصل إلى 186 مليون دولار، إلى خارج البلد الذي يعيش أزمات وقود خانقة؛ مطالبة العالم بالموقف الداعم لاستمرار الحرب والحصار في اليمن.
وأعلن محافظ حضرموت عن إيقاف عملية ضخ النفط الخام من حقول شركة “بترومسيلة” الحكومية إلى الميناء وإخلائه من العمال عقب استهدافه بطائرتين مسيّرتين، أجبرتا السفينة على المغادرة، فيما أعلنت قوات حكومة صنعاء، مسؤوليتها عن العملية التي أسمتها بالتحذيرية، معتبرة إياها نقطة تحول باتجاه الاستهداف المباشر لأي سفينة تقترب من الموانئ اليمنية بُغية نهب النفط الخام، حسب تعبيرها.
الأخطر أن دلالات ردة فعل الحكومة المعترف بها دولياً، تعكس بلا مواربة النية المبيّتة والواضحة لإطالة أمد الحرب، وفق إيقاع أكثر قسوة على الشعب اليمني، واستمرار حرمانه من خيرات وعائدات ثرواته، إضافة إلى ذلك تعكس إصرار الحكومة، ومن ورائها التحالف، على التنصل عن الاستجابة لمطالب صنعاء بشأن المرتبات ورفع الحصار الجوي وإيقاف احتجاز سفن المشتقات في عرض البحر.
منطقياً، قد تكسب الحكومة المعترف بها دولياً تعاطفاً من الأنظمة التي تشاركها الحرب الاقتصادية في اليمن، وتستفيد من استمرارها للعام الثامن على التوالي، لكنها بعد هذه الضربة وبعد انكشاف سيقان الحرب وأطماع دول التحالف من ورائها، لا تستطيع مغالطة الرأي العام العالمي، وحتي الرأي العام الشعبي في دول التحالف نفسها، وإقناعه بالقبول بفكرة استمرار الحرب بهدف إيقاف هجمات حكومة صنعاء، فحل ذلك- من وجهة نظر الرأي العام الذي ملَّ خطاب الحرب- يكمن في تلبية مطالب الشعب اليمني المشروعة المتمثلة في رفع الحظر عن مطار صنعاء الدولي، ورفع القيود عن حركة الصادرات والواردات عبر ميناء الحديدة.
وفي مقابل رسائل حكومة صنعاء، وردة فعل الحكومة الموالية للتحالف، وردود الفعل الدولية، حذر مراقبون من أن عدم التوصل إلى اتفاق يفي بمصالح كافة اليمنيين، يرشح منطقة اليمن والخليج لحرب اقتصادية جديدة ومن نوع آخر، قد تقوض أمن الطاقة إقليمياً، في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، لكن السؤال الأهم هو: هل يخلق استهداف صنعاء لميناء الضبة.. معطيات جديدة بشأن ملف الرواتب؟!