تقرير خاص
يؤشر المزاج العام في مناطق سيطرة التحالف وحكومة هادي، على أن استبدال قيادة جديدة للبنك المركزي بعدن، ليس بالحدث الذي يثير التفاؤل بإمكانية العودة بالدورة النقدية إلى ما قبل استخدامها كسلاح حرب، والسير بها عمداً إلى مصير الانهيار التاريخي وغير المسبوق، مثلما يمكن التفاؤل بقرار حاسم يقضي بعودة وظائف عمليات البنك ودورته النقدية إلى مقرها الرئيس في البنك المركزي بصنعاء.
وللمرة الرابعة تقريباً منذ عمد التحالف وحكومة هادي إلى نقل وظائف وعمليات البنك المركزي من مقره الرئيس بصنعاء، في 18 سبتمبر 2016، أُعلن، أمس الإثنين، عن تسمية قيادة جديدة للبنك المركزي في عدن، وسط استمرار انهيار حاد وقياسي للعملة الوطنية، اقتصر على مناطق سيطرة التحالف والحكومة في اقترابه من حاجز الـ 2000 ريال للدولار الواحد.
وفي محصلة أي من التغييرات السابقة، لم تُسجل أي استثناءات، إذ شكلت في المجمل، حلقات متصلة لتدمير العملة والاقتصاد الوطني، اتساقاً وتماهياً مع أهداف التحالف، وفق مراقبين.
هناك ما يغري التحالف وأطراف مؤثرة في حكومة هادي، بالتواري خلف مشهد اختزال الكارثة الاقتصادية كنتيجة لإجراءات وأداء شخوص بعينهم في البنك المركزي بعدن. وهو ما يعكس الاستبدال المتكرر لقيادة البنك بطريقة لا علاقة لها بإصلاحات أو حلول جذرية وعملية للانهيار والتدهور المستمر في قيمة العملة الوطنية وفي المستويات الاقتصادية الكلية للبلاد.
في حين أن “المشكلة ليست في إدارة البنك فقط، ولكن في التحالف والحكومة كمنظومة واحدة من هرمها إلى أسفلها”. يقول خبراء اقتصاديون.
ومن جهة أخرى، يستثمر التحالف خطوة تغيير قيادة البنك في كل مرة، لا سيما بعد أن يكون قد وصل بالأوضاع إلى حالة الذروة من السخط الشعبي تجاهها، فالسعودية التي تتصدر التحالف وتلعب الدور البارز في الحرب الاقتصادية في اليمن، لا تتوقف، مثلاً، عن تقديم مشهد مزدوج ومتناقض يتمثل في الدفع بالأوضاع إلى المزيد من التدهور والانهيار، وبالمقابل تقديم نفسها كملاذ حتمي للإنقاذ عبر الودائع المالية التي تستثمر أيضاً العبث بها، وإهدار مبالغ كبيرة منها لصالج جيوب وأرصدة المسؤولين في حكومة هادي.
والواضح أن القرار تزامن مع غليان شعبي ضد الحكومة والتحالف في عدد من المناطق الواقعة تحت سيطرتهما، وإعلان عدد من الجهات والمؤسسات في القطاعين العام والخاص الإضراب وتعليق أعمالها احتجاجاً على الموقف السلبي لحكومة هادي والتحالف من الانهيار الاقتصادي، وتهاوي سعر العملة إلى مستويات قياسية، وما نتج عنهما من معاناة معيشية لملايين المواطنين.
ومُحتمل أنه يراد في هذا التوقيت الآن، من استبدال قيادة جديدة للبنك، تبرير تقديم دعم جديد لمواجهة انهيار العملة والتدهور الاقتصادي وبوادر الجوع في مناطق سيطرة التحالف نفسه.
لكن الودائع المالية والنفطية التي قدمتها السعودية للحكومة عبر البنك المركزي بعدن خلال السنوات الماضية، لم تؤدِ إلا إلى تضخم أرصدة المسؤولين والشركات التجارية المسجلة بأسماء أقاربهم وذويهم.
وقد لا يكون من المثير، ما أمكن قوله من كثيرين، تابعوا قرار تسمية قيادة جديدة للبنك المركزي بعدن، إذ يتفق الغالبية على أن “القرار مرتبط بالحصول على وديعة سعودية جديدة ليتم نهبها مثل سابقاتها”. ومع ذلك فإنه تعبير عن أبرز شاهد واقعي على فساد وفشل وعجز حكومة هادي.
وغير المؤكد، كما يبدو، أن تكون قيادة البنك الجديدة قد توفرت أمامها، على الأقل، ضمانات لإصلاحات جوهرية، إذ من البديهي القول بأن مصلحة التحالف تكمن في خلق المزيد من مظاهر التأزيم والفوضى المصرفية والاقتصادية. إن أهداف التحالف لم تتحقق بعد، وهذا ما يجعل حماسته متزايدة في تأزيم الأوضاع والاعتماد على التصعيد اقتصادياً وعسكرياً.
واحدة من المهام المنظورة التي سيؤديها القرار المتعلق بالبنك، هي التغطية على جرائم العبث والفساد الذي مورس طوال المرحلة السابقة، ووثقتها تقارير محلية ودولية. ولن يكون متاحاً كما يتصور البعض، تمكين البنك من الموارد والعوائد النفطية والغازية وغيرها، إذ ستبقى عائدات مبيعات نفط وغاز شبوة وحضرموت ومأرب منهوبة باستمرار إلى حسابات خاصة خارج البلاد.