تقرير خاص- يمن إيكو
على طاولة مستديرة فخمة جلست حكومة المجلس الرئاسي المعين من الرياض، لنقاش ما تسميه بالإنجازات الاقتصادية الموصولة بأداء بنكها المركزي، بدون أن تتلمس الإخفاقات الكبيرة على مسار تحقيق وعد المجلس الرئاسي وحكومته المطلق مع مطلع العام 2022م بإعادة قيمة الريال- على الأقل- إلى مستوى قيمته في مناطق حكومة صنعاء 600 ريال للدولار الواحد.
وفي وقت تشيد الحكومة بمستوى تنفيذ البنك للإجراءات الرقابية على قطاع البنوك وشركات الصرافة لضبط أسعار صرف العملة الوطنية، تؤكد قيمة الريال- التي تتأرجح 1100-1200 ريال للدولار الواحد- أن البنك هو من شرعن هذا السعر عبر المزادات التي اعتمدت سعراً موازياً ومقارباً جداً لقيمة الريال في السوق السوداء، بعد أن كانت في مطلع العام عند حدود (950-1030 ريالاً للدولار الواحد بيعاً وشراءً).
هذا السعر- الذي أتى بعد تحسن قيمة الريال من 1750 ريالاً للدولار الواحد في أوائل ديسمبر 2021م- بدا جيداً في نظر الحكومة الموالية للتحالف، وكارثياً من وجهة النظر الواقعية، فقد كان صاعداً في طريق العودة من قاع اقتربت من الـ750 ريالاً، تحت ضغط الفقاعة الإعلامية الموصولة باحتمالات وديعة سعودية ترويجاً للقيادة الجديدة التي حظيت بدعم إعلامي كبير ووعود مقطوعة بزيادة الدعم المالي الخارجي من القروض والمساعدات والإفراج عن الأرصدة اليمنية، من قبل أمريكا وبريطانيا والإمارات والسعودية وغيرها من الدول العشر الممسكة بملف الحرب والحصار في اليمن.
رئيس الحكومة معين عبدالملك، وفي اجتماع مفتوح عقد في أواخر ديسمبر المنصرم، أشاد بمستوى نجاح البنك في انتظام صرف المرتبات في مناطق سيطرة حكومته المدعومة من التحالف، ولحظتها كان معين عبد الملك صامّاً أذنيه عن أصوات 21 ألف موظف يمني من النازحين يحتجون يومياً منذ أشهر أمام وزارة مالية حكومة الرئاسي وأمام قصر معاشيق بعدن.
الأهم أن جردة حساب حكومة الرئاسي لإنجازات بنكها المركزي في العام 2022م لم تخرج عن سياق المغالطات السنوية والحديث من خارج العقل والمنطق، فالبنك الذي حقق تلك الإنجازات الشكلية، فشل بشهادات واقعية في إدارة القطاع المالي والمصرفي، ولم يستطع فرض سلطته على عائدات الموارد النفطية والغازية، والمنافذ وكثير من الجهات الحكومية.
وزارة المالية بالحكومة الموالية للتحالف أكدت هذا الفشل – المشفوع بسنوات التسيب الإيرادي- عبر توجيهاتها الصادرة في الـ24 من ديسمبر المنصرم، والمعترفة صراحة بعجز البنك التام عن السيطرة على القطاع المالي الحكومي، حيث أوضحت تلك التوجيهات أن عدداً من الجهات الحكومية تتصرف بوفورات إيراداتها في منأى عن رقابة المؤسسة البنكية المتمثلة في البنك المركزي بعدن، وأن أكثر من 50 نوعاً من الرسوم القانونية لا تودع في الحسابات الحكومية.
وبهذا القرض- الذي سيتحمل تبعات فوائده مستقبل الأجيال اليمني من مواردهم- استطاع بنك مركزي عدن بدعم من مجلس القيادة الموالي للتحالف، وحكومة معين عبدالملك رفع الديون الخارجية على الشعب اليمني إلى أكثر من 10 مليارات دولار، فضلاً عن الديون الداخلية لشركات الصرافة.
وصعدت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد من 22% عام 2015، إلى أكثر من 62% بنهاية العام المنصرم 2022، وقبل ذلك قفز حجم قيمة الدين العام الخارجي من 7 مليارات دولار قبل عام 2017، إلى تسعة مليارات دولار، بزيادة ملياري دولار أودعتها السعودية في البنك المركزي بعدن في عام 2018.
وعلى مسار استنزاف الأرصدة اليمنية في الخارج واصل المجلس الرئاسي وحكومة معين تذليل مهمة البنك المركزي بعدن خلال العام 2022م لحشد العملة الصعبة من الأرصدة اليمنية المجمدة في الخارج على ذمة الحرب والحصار في اليمن، والتي كان آخرها دفعة جديدة من حقوق السحب الخاصة التي أقرها صندوق النقد الدولي لليمن بمبلغ 300 مليون دولار، في منتصف نوفمبر الماضي، وكان الصندوق قد أقر في أغسطس 2021م منح الحكومة الموالية للتحالف حق التصرف بمخصص وحدات حقوق السحب البالغة (665) مليون دولار، وفي سبتمبر من العام نفسه قرر بنك أوف إنجلترا الإفراج عن (82) مليون جنيه إسترليني تعادل 110 ملايين دولار.
أخيراً.. ليس غريباً وصف تلك الإخفاقات- التي ترتقي إلى جنايات بحق ثروات الشعب اليمني ومستقبل أجياله- بالإنجازات من قبل حكومة المجلس الرئاسي، فمكانها خارج الواقع الاقتصادي المعاش ووضعها الافتراضي وقضاء معظم أوقاتها الرسمية في رحلات مكوكية طلباً للإعانات والقروض والمنح وغيرها، كل ذلك مبررات أجازت لها ذلك،
ليبقى الإنجاز الحقيقي والوحيد لبنك مركزي عدن خلال العام 2022، هو أنه نجح في استيعاب الملاحظات المقدمة من المراجع الخارجية وبالأخص استشارات رباعية الحرب والحصار في اليمن (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات) التي أوصلت الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي إلى هذا الوضع المتردي غير المسبوق.