في خضم الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه اليمن، تمثل الموارد المهدرة والضائعة والمنهوبة للبلاد أحد أهم أطواق النجاة التي يمكن أن تساعد في وقف هذا الانهيار، في حال تم استغلالها من قبل الدولة، وتوريدها إلى البنك المركزي اليمني، وهو الأمر الذي لن يكون ممكناً إلا في حال إعادة توحيد النظام المالي للبلد، وتحييد الاقتصاد بشكل كامل عن الصراع الدائر منذ أكثر من ست سنوات.
منذ وقت مبكر، عمل التحالف والأطراف المحلية الموالية له، على استخدام الاقتصاد كورقة حرب ضد صنعاء، وفي المقابل تم نهب وتعطيل موارد الدولة ومؤسساتها الإيرادية، والتي يقع معظمها في المحافظات المسيطر عليها من قبل التحالف وسلطة هادي الموالية له، وعلى رأس تلك الثروات والموارد، الثروة النفطية والغازية، والتي كانت تغطي ما نسبته 80% من الموازنة العامة للدولة، بحسب البيانات الرسمية لفترة ما قبل الحرب.
وبتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، نتيجة استخدام الاقتصاد كورقة حرب من قبل سلطة هادي والتحالف، وما صاحبها من إجراءات وسياسات اقتصادية أثبتت الأيام فشلها، تأرجح دور مؤسسات الدولة في عموم اليمن، بعد أن كان القطاع الحكومي والقطاع العام يلعب دوراً محورياً في تحريك عجلة النمو الاقتصادي، ويساهم بحوالي 46 %من إجمالي الناتج المحلي و52.6 % من الطلب الكلي، ويوظف حوالي 31 % من السكان العاملين ويدفع مرتبات 1.25 مليون موظف.
وعلى إثر انقسام النظام المالي للبلاد، في أعقاب قرار سلطة هادي بإيعاز من التحالف، بنقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، برزت العديد من المشاكل المتعلقة بالمالية العامة للبلاد، فاقمها انهيار سعر الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، والذي جاء بدوره كنتيجة للقرارات والسياسات المالية الفاشلة التي اتبعتها سلطة هادي، من خلال طباعة 1.7 تريليون ريال من العملة، بدون غطاء نقدي، ما تسبب في حالة من التضخم تراجع معه سعر الريال اليمني إلى مستويات غير مسبوقة، ليصل سعره مقابل الدولار الأمريكي إلى ما يقارب 1000 ريال للدولار الواحد، في المحافظات المسيطر عليها من قبل التحالف والسلطات الموالية له، فيما ظل سعره في مناطق سلطة صنعاء ثابتاً عند حاجز 600 ريال للدولار الواحد.
ومع تفاقم الانهيار، تعالت أصوات الخبراء ورجال الاقتصاد بضرورة إعادة توحيد النظام المالي، والالتزام بتحييد كامل للاقتصاد، وعدم استخدامه ورقة في الصراع الذي تشهده اليمن، وفي موازاة ذلك إعادة تفعيل موارد الدولة، وتوحيد الأوعية الإيرادية، ورفع القيود على الواردات إلى البلاد، وفتح جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام حركة التجارة، جميعها أمور لا يزال التحالف يرفضها جملة، ولا تزال مسألة طرحها للتفاوض عليها تخضع للمساومات والمقايضات من قبل التحالف، كما هو الحال مع المبادرة أو المقترح الذي أعلنت عنه السعودية في 19 مارس الماضي، والذي ربطت فيه فتح مطار صنعاء إلى وجهات محدودة والسماح بدخول واردات الوقود والغذاء والدواء عبر موانئ الحديدة بملفات سياسية وعسكرية، بحسب ما أكدته صنعاء خلال إعلانها رفض هذا المقترح.
ووفقاً للخبراء يظل إقحام الاقتصاد في الصراع من أبرز أسباب التداعيات الخطيرة على الوضع الاقتصادي العام، مشيرين إلى ضرورة التحييد الكامل للاقتصاد عن الصراع، وتوحيد النظام المالي للبلاد، وضمان عمله بكل استقلالية وحياد، تحت إدارة متوافق عليها تتسم بالكفاءة والنزاهة وتكون بقدر التحدي الذي ستواجهه في سبيل إنعاش الاقتصاد، ووقف الانهيار.
وكانت الأمم المتحدة أكدت ضرورة إنهاء الانقسام في النظام المالي وتحييد الاقتصاد، كضرورة لإنقاذ الاقتصاد اليمني من الانهيار وتجنب كارثة اقتصادية قد تهدد حياة ملايين اليمنيين بالموت جوعاً، وقال المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول اليمن منتصف مارس الماضي: “يجب أن ينتهي الانقسام في المؤسسات المالية والعمل على تحييد الاقتصاد وعدم استخدامه كسلاح حرب.. مطالباً الأطراف باستغلال العوائد والإيرادات وتوجيهها لحل مشكلة توقف وانقطاع المرتبات، وتحسين الوضع الاقتصادي والإنساني”.
وتتوافق الدعوات المتأخرة من قبل منظمات أممية ودولية لتحييد الاقتصاد، مع الدعوات التي أطلقتها صنعاء منذ وقت مبكر، وظلت تطرحها في جميع جولات المفاوضات لحل الأزمة اليمنية، إلا أن تلك المطالب قوبلت بالرفض من قبل التحالف والأطراف المحلية الموالية له، كما ظلت بعيدة عن دائرة اهتمام الأمم المتحدة، التي لم تتخذ أي موقف للضغط على التحالف وسلطات هادي للموافقة على تلك المطالب التي تتعلق باقتصاد البلاد وحياة الملايين من أبنائها.
مواضيع ذات صلة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك