يمن إيكو| متابعات:
مع دخولها الأسبوع الثالث على التوالي وفي ظل التعامل القمعي من قبل الشرطة، تصاعدت الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية المنددة بدعم الإدارة الأمريكية لجرائم إسرائيل في غزة، لتأخذ مساراً ينذر بالصراع بين الجامعات والشرطة، وسط ارتفاع سقف القضايا المطلبية للمحتجين لتشمل قضايا حقوقية، وفق ما أكدته وسائل الإعلام الأمريكية.
وفجر اليوم الثلاثاء، احتل طلاب جامعة كولومبيا المحتجون على حرب الإبادة في غزة مبنى هاملتون هول بالجامعة، وغيروا اسم القاعة الرئيسة في المبنى إلى (قاعة هند) تكريماً لهند رجب، الفتاة الفلسطينية التي قُتلت وهي في السادسة من عمرها، إثر غارة إسرائيلية في غزة استهدفت سيارة إسعاف، وقُتل معها اثنان من المسعفين من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الذين حاولوا إنقاذها في يناير الماضي. وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك بوست” الأمريكية.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم، ورصده موقع “يمن إيكو” إن طلاباً في الجامعة قاموا بعد ساعات من بدء الدراسة بوضع كراسٍ وطاولات خشبية أمام الأبواب لمنع الآخرين من الدخول لقاعة “هاميلتون” في جامعة كولومبيا.
وأظهرت صور نشرتها الصحيفة موجة من العنف والتكسير لبعض مرافق الجامعة، كما قاموا بتغطية الكاميرات الأمنية داخل القاعة بأشرطة وأكياس سوداء، كما أظهرت الصور أربعة متظاهرين يرتدون أقنعة رفعوا لافتة كتب عليها “قاعة هند” من نافذة تطل على حشد من المتظاهرين.
وكانت صحيفة الواشنطن بوست، قالت في عددها الصادر الأحد ورصده موقع “يمن إيكو”، “انفجرت في الأسبوع الماضي، الصراعات في الجامعات الأمريكية حول إسرائيل وقضايا أوسع مثل التعصب وحقوق الإنسان، مما أدى إلى تناثر الشظايا عبر مسار الحملة الانتخابية ونظام العدالة الجنائية. وكانت سرعة التصعيد مذهلة”. حسب تعبيرها.
والإثنين الماضي، نشرت شرطة نيويورك العشرات من عناصرها في حرم جامعة نيويورك لتفريق محتجين مؤيدين للفلسطينيين، وفق ما أفاد مصور لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وتحدثت تقارير صحافية أمريكية عن توقيف عدد من أساتذة الجامعة وطلابها.
وعلقت جامعة كولومبيا الأمريكية المحاضرات الحضورية، الإثنين، بينما اعتقلت الشرطة عشرات المتظاهرين في جامعة ييل، مع استمرار تصاعد التوترات في جامعات أمريكية بسبب الحرب في غزة، وفق هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
وتابعت كاتبة التقرير على سبيل التحذير من تصاعد الاحتجاجات قائلة: “لقد اكتشف خصومنا منذ فترة طويلة أن الأمريكيين أصبحوا يشعرون بالغربة عن بعضهم بعضاً لدرجة أن مجرد جلبنا إلى الفضاء نفسه كان كافياً لإشعال الصراع”. حسب تعبيرها.
وبعد أسابيع من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، وفي نوفمبر عام 2023 تحديداً، تجمع مئات الطلاب في وسط الحرم الجامعي احتجاجاً على قرار كولومبيا بتعليق مجموعتي “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”الصوت اليهودي من أجل السلام”.
وقالت اللجنة الخاصة للسلامة في الحرم الجامعي بجامعة كولومبيا: “انتهكت المجموعتان بشكل متكرر سياسات الجامعة المتعلقة بإقامة فعاليات في الحرم الجامعي، وبلغت ذروتها في حدث غير مصرح به.. استمر على الرغم من التحذيرات وتضمن خطاباً تهديدياً وتخويفاً”.
وشكّلت الجامعات ميداناً رئيسياً للنقاش والتحركات على خلفية الحرب، خصوصاً في ظل الدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة لإسرائيل، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الأمر الذي عزز مخاوف الإدارة الأمريكية- بحزبيها الحاكم والمعارض الذي يخوض تحضيرات مكثفة للفوز بالانتخابات- من تأثير الحراك الطلابي على أجندة واشنطن في الحرب وتأليب الرأي العام ضد دعمها لجرائم إسرائيل في غزة.
وقال الرئيس الديمقراطي، جو بايدن، الذي انتقده المتظاهرون لتزويده إسرائيل بالتمويل والأسلحة، للصحافيين، الإثنين، إنه يستنكر “الاحتجاجات المعادية للسامية” و”أولئك الذين لا يفهمون ما يحدث مع الفلسطينيين”. ووصف الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لانتخابات عام 2024، الاحتجاج في الحُرم الجامعية بأنه “فوضوي”.
محطات تاريخية للاحتجاجات الطلابية
وتشير تصريحات الإدارة الأمريكية إلى ما أعادته الاحتجاجات الطلابية- واسعة النطاق تنديداً بالحرب الإسرائيلية على غزة- إلى الأذهان من موجة التظاهرات العارمة التي شهدتها خلال العقود الستة الماضية، إذ كان لبعض تلك الاحتجاجات، والتي اتخذت منحىً دموياً في بعض الأحيان، تأثيرات عميقة على المجتمع والمشهد السياسي الأمريكي عامة، كما كانت محطة فارقة في مسار النضال من أجل الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية.
“ربيع 1968”
تعود أشهر الاحتجاجات الطلابية التي اندلعت في الولايات المتحدة إلى ربيع عام 1968، الذي كان يشهد دوامات الجدل الدائر بالأوساط الأمريكية بشأن الحرب في فيتنام، حيث استخدم طلاب جامعة كولومبيا تكتيكاً احتجاجياً مماثلاً- لما هو قائم اليوم تضامناً مع الفلسطينيين- وأقدموا على احتلال عدة مبانٍ بالمؤسسة لمدة أسبوع، قبل أن يقتحم حوالي ألف رجل أمن الحرم الجامعي لإخلائهم. في عملية خلفت أكثر من 100 مصاب من الطلاب، وقبض على أكثر من 700 شخص في ذلك اليوم.
وبعد نحو 16 عاماً على احتجاجات عام 1968، قاد طلاب الجامعة في عام 1984، احتجاجات مناهضة للفصل العنصري من خلال الضغط على جامعتهم من أجل سحب استثماراتها من جنوب أفريقيا، وتجمّع المتظاهرون عند مدخل قاعة هاميلتون، وهي أحد المباني التي تم احتلالها في تظاهرات 1968. وتم احتلالها فجر اليوم الثلاثاء.
هارفارد 1969
وخلال تظاهرة، في 9 أبريل عام 1969، احتل طلاب قاعة جامعة هارفارد وأخرجوا جميع إداريي المؤسسة من المبنى. وأدى تدخل الشرطة إلى طرد المحتجين، واعتقال أكثر من 300 لكن الاعتصامات ساهمت في النهاية بتغييرات تضمنت إنشاء قسم للدراسات الأفريقية الأمريكية.
كينت أوهايو 1970
وفي 7 مايو 1970، في جامعة ولاية كينت بولاية أوهايو، قتلت قوات الأمن أربعة طلاب وجرح تسعة آخرون. وأدى الحدث إلى إضراب وطني للطلاب، وتصاعدت الاحتجاجات وجذبت اهتمام الإعلام الوطني بشكل أكبر نحو الحركة المناهضة للحرب في فيتنام. وكان لهذه الحادثة تأثير درامي وفوري، حيث أطلقت شرارة إضراب طلابي على مستوى البلاد أجبر المئات من الكليات والجامعات على الإغلاق.
ويشير أحد كبار مساعدي الرئيس الأمريكي السابق، ريتشارد نيكسون، إلى أن حادثة إطلاق النار كان لها تأثير مباشر على السياسة الوطنية، حيث بدأ “الانزلاق نحو فضيحة ووترغيت” التي دمرت إدارته (نيكسون)، حسبما ينقل موقع الجامعة.
جامعة كاليفورنيا 1985
وفي عام 1985، تجمع آلاف الطلاب في ساحة سبرول في حرم جامعة كاليفورنيا بيركلي احتجاجاً على علاقات الجامعة التجارية مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وأدت الاحتجاجات في جامعة كاليفورنيا في النهاية إلى سحب استثمارات مليارية من حكومة الفصل العنصري في يوليو من عام 1986.
وصوّت مجلس أمناء الجامعة على سحب 3.1 مليار دولار من الشركات التي تتعامل مع البلاد. فيما مثّل أكبر سحب للاستثمارات الجامعية في البلاد، وفقاً لموقع الجامعة.
وعندما أُطلق سراح نيلسون مانديلا عام 1990، قام بزيارة إلى أوكلاند لتوجيه الشكر لطلاب وأساتذة بيركلي، الذين وصفهم بـ “إخوته وأخواته في الدم”، وذلك تقديراً لدورهم في النضال ضد الفصل العنصري.
جامعة ميشيغان 1999م
وبجامعة ميشيغان لي بولينغر، بدأ طلاب اعتصاماً في 17 مارس 1999، للاحتجاج على ظروف العمل السيئة في المصانع التي تتعامل مع الجامعة، والتي كانت تتصدر الجامعات الأمريكية من حيث حجم مبيعات الملابس والسلع المرخصة، مما يعني أنها كانت تتحمل مسؤولية كبيرة عن ضمان ظروف العمل داخل المصانع. ودفعت هذه الاحتجاجات الجامعة إلى لجنة استشارية لمكافحة العمل القسري، وذلك في ربيع السنة نفسها.
جامعة هارفارد 2014م
وعام 2014، تضامناً مع حركة “حياة السود مهمة” ورداً على حوادث عنف الشرطة ضد الأمريكيين من أصل أفريقي، شارك طلاب كلية الطب بجامعة هارفارد في احتجاج رمزي يسمى “die-in”، حيث استلقى المشاركون على الأرض وتظاهروا بأنهم موتى، وذلك في مركز التعليم الطبي بالكلية.
وجاء هذا الاحتجاج رداً على قرارين قضائيين بعدم توجيه اتهامات جنائية ضد ضباط شرطة متورطين في حادثتي قتل مثيرتين للجدل بحق رجلين أمريكيين من أصل أفريقي، وهما مايكل براون في فيرغسون بولاية ميسوري، وإريك غارنر في نيويورك.
وأثارت هاتان الحادثتان غضباً واسعاً في المجتمع الأمريكي، وأججت الاحتجاجات في إطار حركة “حياة السود مهمة” التي انطلقت للتنديد بعنف الشرطة والتمييز العنصري الممنهج ضد الأمريكيين من أصل أفريقي.