يمن إيكو| تقرير:
تصاعدت الدعوات في عدد من الدول العربية والإسلامية إلى الرد على استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين في غزة، باتخاذ إجراءات تكبح جماح الحرب وأطماع الدول الكبرى حتى تخضعها للقوانين الدولية وتجعلها تحترم حق الشعوب في تقرير مصيرها والحصول على حريتها واستقلالها، ومن هذه الإجراءات المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل والدول الداعمة لها.
ويؤكد خبراء اقتصاديون إن الدول الداعمة لإسرائيل لن تستطيع أن تتحمل مقاطعة حوالي ملياري إنسان مسلم لمنتجات شركاتها، الأمر الذي سيضطرها لمراجعة سياساتها وتصحيح مواقفها.
وفي إطار ردود الفعل المناوئة لاستمرار استهداف المدنيين في غزة، طالب مجلس النواب الليبي، الأربعاء، بمغادرة سفراء الدول الداعمة لـ “إسرائيل” الأراضي الليبية فوراً، مؤكّداً أنّ ما يجري في قطاع غزة حرب إبادة جماعية، داعياً في بيان، إلى “وقف تصدير النفط والغاز للدول الداعمة للكيان الإسرائيلي إذا استمرت المجازر في غزة”، مؤكداً ضرورة الوقف الفوري للعدوان.
وهاجم مجلس النواب الليبي زيارات رؤساء الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا إلى “إسرائيل” لإعلان دعمهم الكامل لها من أجل إبادة الشعب الفلسطيني، وفق البيان.
على الصعيد نفسه، قالت وكالة “بلومبرغ” الأميركية، الأربعاء، إن تركيا أوقفت مؤقتاً خططها للتنقيب المشترك عن الطاقة مع “إسرائيل” في البحر الأبيض المتوسط وصادرات الغاز إلى أوروبا، وفقاً لمسؤول مطلع على الأمر.
ويأتي هذا التطور بعد أن انتقد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الاحتلال الإسرائيلي أمس الأربعاء، وأعلن إلغاء زيارته المقررة إلى “إسرائيل”، رداً على استمرار استهداف المدنيين في قطاع غزة.
في السياق، تشهد أروقة مجلس النواب العراقي حراكاً يهدف إلى تقويض العلاقات العراقية مع الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى التشديد على منع دخول المواد من الشركات التي تدعم إسرائيل، ومنها الشركات الأميركية الغذائية، في خطوة تهدف إلى توسيع المقاطعة في البلد الذي يحظر بالأساس استيراد البضائع الإسرائيلية.
وبحسب القانون العراقي النافذ يُمنع استيراد أي من البضائع الإسرائيلية، ويقضي القانون بمصادرتها، وإحالة المتورط بإدخالها للقضاء الذي تصل أحكام العقوبة فيه للحبس مدة تصل إلى 15 عاماً.
وبحسب قانون “حظر التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني”، يحظر العراق التعامل مع الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع الكيان الصهيوني أو تعتبر داعمة له أو ترتبط به.
في دولة المغرب، التي ترتبط حكومتها بعلاقات مع إسرائيل وأعلنت التطبيع في مجالات عدة خصوصاً الاقتصاد والاستثمار، تصاعدت مطالب الشارع والمنظمات الحقوقية والمدنية بوقف التطبيع. وقال الناشط الحقوقي المغربي، سيون أسيدون، وهو عضو منظمة “بي دي إس”، BDS، التي تنادي بالمقاطعة الأكاديمية والثقافية والسياسية والاقتصادية لإسرائيل، إن هذا التطبيع له أبعاد اقتصادية.
الخبير الاقتصادي المغربي علي بوطيبة، أشار إلى أنها لا تتوفر بيانات دقيقة حول الاستثمارات الإسرائيلية في المغرب في الأعوام الثلاثة الأخيرة، منوهاً بأن طبيعة المساهمات في الاستثمارات تغيرت، حيث يصعب الوقوف على جنسية أصحابها.
وأوضح بوطيبة في تصريح لصحيفة “العربي الجديد” أن الاستثمارات في الوقت الحالي تتم في الغالب عبر صناديق استثمار قد تحمل جنسية بلد أوروبي، غير أن المساهمين فيها قد يكونون من جنسيات مختلفة بما فيها إسرائيل، حيث إن تعقيد تركيبة تلك الصناديق يجعل من الصعب التعرف عليها، وبالتالي قد لا تتأثر بالظرفيات مثل الحرب.
وفي الأردن تصاعدت وتيرة المطالبات بوقف جميع أشكال التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال الإسرائيلي، والمشاريع التي يُعمَل على تنفيذها، وذلك رداً على استهداف الفلسطينيين في قطاع غزة.
إلغاء اتفاقية السلام وما انبثق منها من مشاريع تطبيع اقتصادي بين الأردن والكيان المحتل، كانت أبرز مطالبات الشارع الأردني، في إطار رفض قصف المدنيين في قطاع غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
كما يمارس أعضاء في مجلس النواب الأردني ضغوطاً على الحكومة لإلغاء مشاريع التطبيع الاقتصادي. ومن أهم هذه المشاريع الخط الذي يزود الأردن بالغاز من جانب إسرائيل التي تستخرجه من الحقول الواقعة في السواحل الفلسطينية المحتلة، وذلك بموجب اتفاق يمتد لمدة 15 عاماً، وبقيمة تقدر بـ 15 مليار دولار.
أما تونس فقد سجلت موقفاً متميزاً إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة وغيرها من المدن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهي الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال ملتزمة بأحكام ومبادئ “المقاطعة” العربية لإسرائيل، في إطار الاتفاقيات ذات الصلة على مستوى جامعة الدول العربية، حيث لا تسجل رسمياً أي مبادلات تجارية مع الكيان الإسرائيلي، وتخلو أسواقها تماماً من أي سلع إسرائيلية، ورغم ذلك دعت منظماتها المدنية إلى استخدام سلاح المقاطعة لسلع وبضائع الدول الداعمة للكيان المحتل، على خلفية قصف المدنيين في غزّة، مطالبين بتكبيد هذه الدول خسائر فادحة كعقاب اقتصادي، بينما طرحت كتل برلمانية مجدداً مشروع قانون لتجريم التطبيع.
وينشر نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي الرموز التجارية لسلع الدول الداعمة للاحتلال، منها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وهي دول تحضر سلعها بقوة في الأسواق التونسية في إطار التبادل التجاري المكثف بين تونس والاتحاد الأوروبي الذي يُعدّ شريكها الاقتصادي الأول.
الجزائر.. التي لا تزال حتى الآن ثابتة على موقفها الرافض للتطبيع مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال وسواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة، بدأت إطلاق حملات مقاطعة لشركات وعلامات تجارية عالمية داعمة أو ذات صلة بالكيان الإسرائيلي، حيث أطلقت أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية حملات مقاطعة ضد شركات وعلامات عالمية، تُسوق سلعها وخدماتها في الجزائر، تدعم إسرائيل وحملة القصف العنيف التي يشنها جيشها على قطاع غزة.
حملات المقاطعة الجزائرية انتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دشن ناشطو ورواد المنصات حملات تحمل “هاشتاغ” يدعو إلى مقاطعة علامات داعمة لإسرائيل، على غرار وسم “مقاطعتك جهاد”، ويرى الجزائريون ان أي علامة تجارية إسرائيلية تُعدّ تطبيعاً غير مباشر.
في جمهورية مصر العربية، دعت قيادات حزبية وقوى وطنية إلى حملة مقاطعة شاملة للبضائع الإسرائيلية وحظر دخولها إلى البلاد، وشملت الدعوات المطالبة بوقف العمل باتفاقيات السلام الموقعة منذ عام 1979، رداً على حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين.
مؤسس حزب التيار الاشتراكي، أحمد بهاء الدين شعبان، قال إن قرار المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل أصبح اتجاهاً عاماً لدى المصريين، لأنه يرى أن الكيان الصهيوني معادٍ بشكل مطلق لمصالح الشعب ويمارس تدمير البيوت وقتل النساء والأطفال على الملأ، ولا تتحرك الأنظمة لمواجهته، بينما يعلم الشعب أن مصالحه تقضي بدعم الشعب الفلسطيني في محنته، مستشهداً بما حققته لجنة المقاطعة الشعبية من نتائج أثناء الدعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، والتي أجبرت مجموعة “بروكتل آند جامبل” الأميركية على التراجع عن دعمها لإسرائيل، بعد أن لحقت بها خسائر فادحة جراء عمليات المقاطعة، مشدداً على أن المقاطعة الاقتصادية مشروع قومي لاستنهاض الجماهير، ودعوة لقطاعات واسعة من الناس في معركة تحدد مصير الوطن العربي وحقوق الشعب الفلسطيني.
وعلى خلفية الدعم المباشر الذي قدمته سلسلة مطاعم ماكدونالدز للجيش الإسرائيلي، انطلقت خلال الأسبوع الماضي حملات مقاطعة للشركات والمطاعم التي قيل إنها تدعم إسرائيل في حربها على غزة، وتصدر هاشتاغ “حملة مقاطعة ماكدونالدز” وغيرها من الشركات قائمة الأكثر تداولاً على موقع إكس، بالإضافة إلى حالة من الغضب الشعبي ضد هذه الشركات في الدول العربية، ففي لبنان هاجم عدد كبير من الأهالي مطعم ماكدونالدز، وحطموا محتوياته اعتراضاً على دعمه المباشر لجيش الاحتلال، كما خرجت سيدة بريطانية في تسجيل مرئي عبر منصة إكس، قالت فيه: “كل مرة تأتي إلى ماكدونالدز في أي مكان في العالم، فأنت تساهم في تمويل جيش الاحتلال لضرب غزة”.
مؤشرات على تأثير حملات المقاطعة
الحملة المناهضة لسلسلة مطاعم ماكدونالدز، على خلفية دعمها المباشر لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أدت إلى مقاطعة شعبية واسعة لفروع سلسلة المطاعم العالمية، الأمر الذي أدى إلى إعلان فرعي ماكدونالدز في تركيا والكويت التبرع بنحو 1.250 مليون دولار لصالح أهالي قطاع غزة، في محاولة لامتصاص الغضب وتفادي تأثيرات دعوات المقاطعة التي ستلحق خسائر فادحة بالشركة العالمية لمطاعم ماكدونالدز.
وكان سعر سهم ماكدونالدز هبط 2% في ختام تعاملات الجمعة الماضية، مسجلاً 246.18 دولار للسهم، بانخفاض 4.74 دولار من قيمته، على خلفية المقاطعة العربية لمنتجات الشركة الغذائية بسبب دعم ماكدونالدز إسرائيل لجنود الاحتلال.
وفي موقف مشابه، شن الكويتيون حملة مقاطعة للمقهى الشهير “توبيز”، على خلفية تدوينة نشرتها مديرته على منصة “إكس”، قالت فيها: “قتل الأبرياء من الفلسطينيين والإسرائيليين، على حدٍّ سواء، أمر مروّع”، إلا أن الكويتيين اعتبروا ذلك انحيازاً لإسرائيل، ونفذوا حملة مقاطعة تصدرت قائمة الأكثر تداولاً على موقع “إكس”، وكان، الأمر الذي دفع بشركة توبيز ايستات إلى الاعتذار للكويتيين والتنصل عن المنشور الذي قالت إنه لا يمثل سوى صاحبته، وخشية ارتفاع وتيرة المقاطعة وتفادياً للخسائر المترتبة عليها، أصدرت الشركة بياناً تؤكد فيه وقوفها إلى جانب الفلسطينيين، وتعلن أيضاً تبرعها بمحصول فروعها لهذا الأسبوع لمصلحة الشعب الفلسطيني.
الخسائر المتوقعة من المقاطعة العربية لإسرائيل
خبراء اقتصاديون أكدوا أن المقاطعة الشعبية في الدول العربية والإسلامية لمنتجات الدول الداعمة لإسرائيل ستكبدها خسائر فادحة، حيث قال المفكر الاقتصادي المصري أبو بكر الديب إن الخسائر التي قد تتعرض لها دول كأمريكا وكندا والاتحاد الأوروبي، نتيجة المقاطعة اعتراضاً على استهداف إسرائيل المدنيين في غزة، قد تصل إلى تريليوني دولار.
وأشار الديب إلى أن حجم صادرات أمريكا للدول العربية والإسلامية يبلغ نحو 150 مليار دولار، وأن حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدولة العربية والإسلامية زاد عن 300 مليار دولار خلال عام 2022، كما أن الصادرات الأوروبية إلى الدول العربية تعادل 3.7% من الصادرات الأوروبية الكلية، وربع صادرات إسرائيل العسكرية اقتنتها الدول العربية بحوالي ثلاثة مليارات دولار.