يمن إيكو | أخبار:
قال صندوق النقد والبنك الدوليين في ختام اجتماعاتهما السنوية بالمغرب: إنه من السابق لأوانه تحديد كيف سيؤثر الصراع في الشرق الأوسط (بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين) على الاقتصاد العالمي، الذي وصفه كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير أوليفييه غورينشا، بأنه “يتعثر ولا يركض بسرعة”.
وأسدل الستار صباح أمس الأحد عن الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين 2023م احتضنتها مدينة مراكش، بإعلان استضافة تايلاند لنسخة 2026م، بعد أسبوع من النقاشات حيال ملفات وقضايا وآفاق الاقتصاد العالمي المثقل بالديون، والتضخم، ورفع أسعار الفائدة، والصراعات، وفجوة الثروة المتزايدة بين الدول الغنية والفقيرة، والجهود المتعثرة لمعالجة تغير المناخ.
مؤشرات الاقتصاد العالمي
وأظهرت توقعات صندوق النقد الدولي الجديدة– التي تم وضعها قبل تصاعد الصراع بين إسرائيل وحماس– تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي من 3.5% العام الماضي إلى 3% هذا العام و2.9% العام المقبل، بانخفاض قدره 0.1% عن التقدير السابق لعام 2024.
ومن المتوقع أن ينخفض التضخم العالمي من 6.9% هذا العام إلى مستوى لا يزال مرتفعاً عند 5.8% في العام المقبل، وأشار محافظو البنوك المركزية إلى استعدادهم لإنهاء ارتفاع أسعار الفائدة إذا سمحت الظروف، على أمل أن يتم ترويض التضخم في النهاية بدون هبوط حاد.
ضغط الديون
وخلال اجتماعات الأسبوع السنوي لصندوق النقد والبنك الدوليين- التي جاءت بعد أن دفعت الأسواق المالية في الأسابيع الأخيرة بعائدات السندات الأميركية إلى الارتفاع- تكررت النقاشات حول ملف الديون الثقيلة التي تتحملها الاقتصادات المتقدمة- أمريكا، الصين، إيطاليا-، وسط تأكيدات محافظي البنوك المركزية أن المستثمرين أصبحوا أكثر قلقاً بشأن الاحتفاظ بالديون طويلة الأجل.
وبلغ الدين العالمي عام 2023 نحو 307 تريليونات دولار، وشهد النصف الأول من عام 2023 زيادة قدرها 10 تريليونات دولار في قيمة الدين العالمي، كما أن هذا الدين ارتفع بمقدار 100 تريليون دولار خلال السنوات العشر الماضية، وفق تقديرات معهد التمويل الدولي.
وقالت جويس تشانغ، رئيسة قسم الأبحاث العالمية في بنك جيه بي مورغان، “لقد عاد حراس السندات، وانتهى الاعتدال الكبير”، في إشارة إلى فترة عقدين من الهدوء الاقتصادي النسبي قبل الأزمة المالية 2008/2009.
وحذر فيتور غاسبار، رئيس القسم المالي في صندوق النقد الدولي، من أن السياسات الحالية القائمة على الدعم فشلت في تحقيق صافي انبعاثات صفرية، وأن توسيع نطاقها سيؤدي إلى تفجير الدين العام. وخلص الصندوق إلى أن “البلدان ستحتاج إلى مزيج جديد من السياسات مع وضع تسعير الكربون في المركز”.
مزيد من المخاطر
وحذر صندوق النقد الدولي من أن أسعار الفائدة المرتفعة ستضع بعض المقترضين في أوضاع أكثر خطورة، فيما تشير التقديرات إلى أن حوالي 5% من البنوك على مستوى العالم معرضة للضغط إذا ظلت هذه المعدلات مرتفعة لفترة أطول، كما أن 30% أخرى من البنوك- بما في ذلك بعض أكبر البنوك في العالم- ستكون معرضة للخطر إذا دخل الاقتصاد العالمي فترة طويلة من النمو المنخفض والتضخم المرتفع.
وتطرقت النقاشات إلى قضية ارتفاع مخاوف المستثمرين من استمرار سياسة التشديد النقدي في أمريكا، وبما يسمح للبنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة من رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من الأسواق عبر بيع ما بحوزة البنك المركزي من سندات، بحجة كبح جماح الارتفاع في معدلات التضخم بخفض الطلب في الاقتصاد، وسط إصرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على رفع أسعار الفائدة بصورة متجددة.
وأبقى الاحتياطي الأمريكي على سعر الفائدة عند نطاق 5.25 و5.5% بعد نحو عام ونصف من التشديد النقدي، رافعاً سعر الفائدة من نسبة تقارب الصفر إلى معدلها الحالي، وسط تحذيرات من أن عودة التضخم للارتفاع في أميركا ينذر برفع جديد لأسعار الفائدة.
وحسب رأي المحللين، فإن إقبال الفيدرالي الأمريكي على رفع أسعار الفائدة يضر بالمستثمرين في السندات الأمريكية ذات الفائدة الأقل، ويضطر الكثير منهم لبيعها بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية أو تحمّل خسارة الفارق بين الفائدة المحددة التي اشتروا بها السندات وبين الفائدة الجديدة المرتفعة.
صراع النفوذ
وشهدت الاجتماعات الكثير من الحديث قبل مراكش حول تجديد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإمكاناته وقدراته المالية وتعزيز سياساته الإقراضية، وحظي اقتراح أميركي لتعزيز قوة الإقراض لصندوق النقد الدولي مع تأجيل مراجعة حصص الأسهم في الصندوق حتى وقت لاحق، بدعم واسع النطاق، فيما تحدث اتفاق تم الإعلان عنه السبت الماضي عن “زيادة ذات مغزى” في الحصص بحلول نهاية عام 2023م لكنه لم يقدم سوى القليل من التفاصيل الأخرى.
ومقابل هذا التوجه شككت الجماعات المناهضة للفقر بما استعرضته المؤسسة المالية الدولية (مجموعة البنك الدولي) من نجاحات تنموية ووعود محققة، مقارنة ذلك الاستعراض بواقع شعوب الدول النامية التي تزداد فقراً يوماً بعد يوم.
وقالت كيت دونالد، رئيسة مكتب منظمة أوكسفام الدولية في واشنطن في هذا السياق: “الموضوع الرئيسي هذا الأسبوع هو قيام دول مجموعة السبع بتغطية شقوق الوعود المحطمة، على الرغم من القلق بشأن مليارات الدولارات اللازمة لمعالجة الفقر وانهيار المناخ، لم تكن هناك أي علامة على وجود أموال جديدة”.
تلك الإشارات تؤكد ما ذهب إليه خبراء الاقتصاد الدولي-تعليقاً على الاجتماعات السنوية للمؤسستين الدوليتين-الذين أكدوا أن نتائج سياسات الصندوق الإقراضية التي تأتي تحت شعارات رفع الدعم وتقليص الإنفاق الحكومي وتحرير حركتي التجارة ورأس المال، غالباً ما تأتي بنتائج عكسية توصل كثير من الدول إلى الانهيار.
وأشار محللو موقع الجزيرة نت إلى أن معالجة سياسات الصندوق للآثار السلبية الناتجة عن برامجه، تكون في الأجل القصير، مما ينتج عنه اتساع التداعيات الاجتماعية السلبية، على صعيد البطالة والفقر، مستعرضين عدداً من تجارب الصندوق في عدد من الدول النامية خاصة في القرن الأفريقي التي أصبحت غارقة في الديون ولم تستفد من برامج الصندوق.
وقال المحللون أن تخفيض قيمة العملة المحلية –في مصر مثلاً-كأحد شروط صندوق النقد على الصعيد النظري، يفترض أن يؤدي إلى زيادة الصادرات السلعية، لكن الواقع أثبت عكس ذلك، حيث لم يكن الجهاز الإنتاجي قادراً على الاستفادة من خفض قيمة العملة، وحدث أن تحول الأمر إلى زيادة قيمة فاتورة الواردات السلعية، وزيادة تكاليف الإنتاج.
وعادة ما تنتهي رحلة الدول التي فشلت فيها برامج إصلاح صندوق النقد، إلى المزيد من المديونية العامة، بسبب أن مجرد توصل بعض الدول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يفتح لها الباب للحصول على المزيد من الديون، من سوق السندات الدولية أو البنوك التجارية، وفق ما يراه المحللون.