تقرير خاص- يمن إيكو
تكتسب الأسواق الشعبية أهمية بالغة في اليمن كونها جزءاً أصيلاً من الهوية الثقافية ونمط حياة يعيشه اليمنيون كل يوم، هذا الارتباط الوثيق عبرت عنه مئات الأمثلة الشعبية التي تناولت السوق بمختلف اللهجات اليمنية، فقبل الدخول “لا تسأل عن سوق أنت واصل إليه”، وعند الخروج تأكد أن “الحاذق يخرج من السوق عطل”، وغيرها من الأمثال التي لاتزال متداولة إلى يومنا هذا.
أما اقتصادياً، ترتبط الأسواق بلقمة عيش ملايين اليمنيين، في سلسلة طويلة من المنتجين والحرفيين والتجار والمستهلكين أيضاً، حيث تعد الأسواق الشعبية المنفذ الحصري لبيع وشراء معظم المنتجات المحلية.
ومع التنوع الكبير لهذه المنتجات التي كانت تلبي متطلبات المجتمع، لجأ اليمنيون القدامى إلى تنظيم عرضها وإدارتها عبر قواعد وأعراف صارت بمثابة قوانين ملزمة للجميع، تضمن حقوق الطرفين (البائع والمشتري) وتنظم علاقة البائعين فيما بينهم، وتسهل للمنتجين والمستهلكين تداول السلع.
ومن حيث المكان، تجد في صنعاء القديمة مساحات مخصصة لإنتاج وبيع أنواع المنتجات الحرفية، كسوق الفضة المخصص للحلي والعقيق والمشغولات الفضية، وسوق الجنابي والأحزمة وسوق القماش، وسوق الفِتلة لبيع لوازم الخياطة، بالإضافة إلى سوق المدر المخصص لبيع الأدوات المنزلية كالمقالي الحجرية والفخارية، وكذلك سوق النجارة لبيع الشبابيك والأبواب الخشبية، وسوق الحدادة “الحلقة” لبيع المعدات الحديدية المستخدمة في الزراعة والأقفال وغيرها من الأدوات اللازمة للمنازل.
كما تخصص مساحات أخرى لبيع مختلف أنواع الحبوب المزروعة محلياً كالبر (القمح البلدي) والشعير والدُّخن والذرة البيضاء والصفراء والعدس والبقوليات، وسوق المعطارة لبيع البهارات وأنواع البخور والعود والأعشاب الطبية، كما تخصص مساحات لبيع الخضروات والفواكه، والشذاب والريحان والدواجن والبيض البلدي، ومساحات أخرى واسعة لبيع المواشي خارج صنعاء القديمة.
ويتكرر هذا التنظيم الحضري الفريد في معظم المدن اليمنية الكبرى كإب وتعز ولحج والمكلا والحديدة وغيرها من المدن.
استدامة هذه الأسواق جاءت لتلبية احتياجات ملايين المواطنين من قاطني المدن وزائريها من الأرياف، سواء كانوا بائعين أو مستهلكين.
الأسواق الريفية الأسبوعية.. نظام يحقق توازن العرض والطلب
في المديريات والقرى ذات الكثافة السكانية الأقل، ابتكر اليمنيون نظام الأسواق الأسبوعية، بحيث تنظم كل مديرية سوقها في يوم محدد من أيام الأسبوع، وغالباً ما تكون مواقع الأسواق على الطرق الرئيسة الرابطة بين المدن، فيتوافد المزارعون من أبناء المنطقة لعرض منتجاتهم من الخضروات والفواكه والمواشي، وكذلك يتوافد التجار المتجولون لعرض مختلف السلع المحلية الأخرى التي يحتاجها أبناء المنطقة.
خلق هذا النظام الاقتصادي تكافؤاً في فرص العرض والطلب في أرياف اليمن، وأوجد حركة تجارية نشطة، حيث يتوجه التجار من المدن الرئيسة إلى هذه الأسواق لجلب البضائع والمنتجات المحلية وبيعها في أسواقهم الدائمة.
ولعل من المفارقة أن تشهد الأسواق الريفية ازدهاراً في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015 على إثر الهجرة العكسية والنزوح من المدينة إلى الريف هرباً من قصف طائرات التحالف، أو بسبب فقد الآلاف أعمالهم في المدن وتوقف صرف المرتبات للموظفين الحكوميين.
انخراط الكثير من النازحين في أنشطة زراعية أو تجارية ساهم بشكل أو بآخر في زيادة الإنتاج والاستهلاك على حد سواء، وهو ما انعكس إيجاباً على الأسواق الريفية التي شهدت توسعاً ونشاطاً أكبر، خاصة مع الحصار المفروض على البلاد وقطع الطرق الرئيسة بين المدن.
المتغيرات المحلية والدولية تعزز دور الأسواق الشعبية
مع مرور ثمانية أعوام من الحرب والحصار على اليمن، وما ترافق معها من أزمات دولية وجوائح وحروب، زادت أهمية الأسواق الشعبية، فعلى الرغم من ارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية للمواطنين بسبب الحرب، إلا أن هذه الأسواق لاتزال تقوم بدورها الفاعل في تلبية احتياجات المستهلكين، وتوفير فرص عمل لملايين المواطنين، بما فيهم النازحون والعاطلون عن العمل.
كما أثبت الحصار والقيود التي تفرضها دول التحالف على استيراد السلع من الخارج، قدرة اليمنيين على ابتكار وإيجاد البدائل المحلية لمواجهة الأزمات، ويبقى التعويل على الدور الحكومي في مساندة الجهود والمبادرات المحلية من خلال التركيز على الإنتاج المحلي وتشجيع الاستثمار في مختلف المجالات الزراعية والصناعية، والتوسع في إقامة المشاريع الصغيرة، وتقديم الدعم اللازم للحرف اليدوية والأسر المنتجة، والأهم من كل هذا هو إيجاد التشريعات الكفيلة بحماية وتشجيع المنتج المحلي أمام المنتج الخارجي.
تعليق واحد
واجبنا وواجب كل وطني ان يقدم الدعم لمؤسسة يمن ثبات كونها داعمة عدة منجزات على عدة مستويات والمصطلحات الهامه خاصتا في هذا الوضع الاستثنائي