تقرير خاص – يمن إيكو
تكرر وسائل الإعلام التابعة لحكومة “المجلس الرئاسي” الموالي للتحالف، اتهاماتها لصنعاء بـ “استهداف ميناء عدن” عن طريق الدعوة لاستيراد السلع والبضائع عبر ميناء الحديدة، لكن الكثير من التجار وخبراء الاقتصاد يؤكدون أن الضرر الأكبر الذي أصاب النشاط التجاري في ميناء عدن، جاء من القرارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الموالية للتحالف على امتداد الفترات الماضية، وأن عودة نشاط ميناء الحديدة تعتبر حلاً لا مشكلة.
خلال الأيام الماضية، وجه تجار وخبراء اقتصاد انتقاداتٍ حادةً لحكومة الرئاسي على خلفية قراراتها “العشوائية” التي أدت إلى عزوف التجار عن ميناء عدن، وآخر تلك القرارات رفع سعر الدولار الجمركي، حيث وصفوا القرار بأنه “كارثي وغير مدروس”.
ونقل موقع “العربي الجديد”، قبل أيام، عن أحد مالكي شركات التجارة والاستيراد، قوله إن “مثل هذه القرارات تكبد القطاع الخاص خسائر كبيرة”، وبالتالي تدفع بهم نحو العزوف عن الاستيراد عبر الميناء، والتوجه إلى ميناء الحديدة لتفادي تداعيات القرار.
لكن حكومة الرئاسي هددت، الأربعاء، باتخاذ “إجراءات عقابية” ضد التجار والمستوردين الذين يتوجهون إلى ميناء الحديدة، باعتبار ذلك “مخالفة” لقراراتها، وهو ما يأتي في سياق الاتهامات التي توجهها وسائل الإعلام التابعة لحكومة الرئاسي بشأن “استهداف ميناء عدن” عن طريق العودة إلى الحديدة.
والواقع أن قرار رفع سعر الدولار الجمركي الأخير لم يكن سوى جزء من سلسلة طويلة من الإجراءات والخطوات التي “استهدفت” نشاط ميناء عدن، حيث كانت الحكومة الموالية للتحالف قد قامت برفع الدولار الجمركي قبل نحو عامين من 250 ريالاً إلى 500 ريال، وبرغم تحذير “الغرفة التجارية” في عدن، آنذاك، من أن القرار “سيضر بحركة التجارة”، تم المضي في القرار قبل أن يتم تعزيزه لاحقاً بزيادة كارثية أخرى في سعر الدولار الجمركي إلى 750 ريالاً.
قبل ذلك كانت الحكومة الموالية للتحالف قد رفعت رسوم الخدمات البحرية في 2018، بنسبة 20% بحسب مصادر اقتصادية، بالتوازي مع فرض ضرائب وجبايات عالية، دفعت بالكثير من التجار إلى البحث عن بدائل، كان منها التوجه إلى الاستيراد عبر ميناء صلالة العماني، حيث بلغ الفرق بين كلفة شحن الحاوية الواحدة عبر ميناء صلالة، وبين كلفة شحنها عبر ميناء المعلا، أكثر من 3 آلاف دولار.
بالتوازي مع ذلك، تفيد تقارير اقتصادية بأن الحكومة الموالية للتحالف، كانت تتعمد تأخير دخول سفن الحاويات إلى ميناء عدن، لفرض غرامات مالية، وبعد السماح لها بالدخول يتم تأخير عمليات المناولة والتخليص (وفرض غرامات إضافية في الأثناء).
وفي هذا السياق أيضاً، شهدت السنوات الماضية حوادث غرق لعدد من السفن على مدخل ميناء عدن (وبعضها كان يتسبب بتسرب نفطي)، الأمر الذي كان يعيق وصول السفن التجارية إلى الغاطس لفترات طويلة، مع الاضطرار لدفع غرامات أثناء الانتظار، الأمر الذي جعل الميناء يبدو غير مؤهل لحركة التجارة أصلاً.
ولا تكاد الشحنات تخرج من الميناء حتى تبدأ رحلة طويلة أخرى، تواجه فيها عوائق كبيرة أثناء نقلها إلى المحافظات، حيث يتم إجبار التجار على دفع إتاوات كبيرة للمرور في الطرق، إلى حد أن تكلفة النقل البري أصبحت تنافس تكلفة نقل الحاويات من الصين إلى عدن، بحسب بعض المستوردين.
وبالتالي فإن عزوف التجار عن ميناء عدن ليس وليد اللحظة، وقد كشفت ردود الفعل إزاء قرار رفع سعر الدولار الجمركي إلى 750 ريالاً، أن القطاع الخاص كان يعاني منذ فترة من طريقة إدارة حكومة الرئاسي للميناء ونشاطه، وأنه كان يبحث عن حلول أخرى حتى قبل بروز مؤشرات تخفيف القيود المفروضة على ميناء الحديدة.
في المقابل، فإن عودة النشاط التجاري إلى ميناء عدن، والتي تصفها حكومة الرئاسي بـ”الاستهداف لميناء عدن”، لا يحمل في واقع الأمر أي تأثير سلبي، بل أنه ووفقاً لكل الخبراء والمراقبين يمثل “حلاً” اقتصادياً وإنسانياً طال انتظاره لتخفيف معاناة الشعب اليمني.
وبإجراء مقارنة بسيطة بين العوائق التي تواجه التجار والمستوردين في ميناء عدن، والميزات الممنوحة لهم في ميناء الحديدة (أبرزها خفض سعر صرف الدولار الجمركي إلى 250 ريالاً، وسهولة تخليص ونقل الشحنات بتكلفة أقل)، يتضح أن “الاستهداف” الوحيد الذي تمثله عودة النشاط التجاري إلى الحديدة هو وضع حد للعبث الذي تمارسه حكومة الرئاسي، وهو أمر لا يمكن أن يكون سلبياً.
والحقيقة أن إصرار حكومة الرئاسي على التمسك بقرارات مثل رفع سعر الدولار الجمركي، برغم تحذيرات التجار والمستوردين، يجعل من حديثها عن “استهداف ميناء عدن” دليل إدانة يثبت حرصها على استمرار معاناة المواطنين.