تقرير خاص – يمن إيكو
تشهد مقومات الاقتصاد اليمني، الإنتاجية والعملة والمنظومة السعرية، في مناطق سيطرة التحالف، تدهوراً غير مسبوق بالتزامن مع استمرار ذهاب عائدات النفط والغاز إلى حساب الحكومة المعترف بها دولياً في البنك الأهلي السعودي، لتنفق بإشراف الرياض وفي مسار تمويل العمليات العسكرية في اليمن وليس في التنمية.
ووسط هذا الوضع الواضح في الأسواق والمعاملات والقوة الشرائية والاستهلاكية، أعلنت حكومة معين عبد الملك أن الاقتصاد اليمني شهد نمواً بمقدار 2% خلال عام 2022م، متجاهلة الأوضاع المعيشية للمواطن الذي انهارت قدرته الشرائية بسبب انهيار العملة واختلال المنظومة السعرية واتجاهها الصاروخي الصاعد، وغيرها من تداعيات الحرب الاقتصادية التي طالت جميع المحافظات اليمنية.
كما تجاهلت الحكومة المعترف بها دولياً واقع الحال للتأثيرات الأكثر قسوة لسنوات الحرب، على حياة المجتمع في مناطق سيطرة التحالف، الذي يعسكر الموانئ والمطارات والسواحل والجزر، ويمول الصراعات المستمرة بين الفصائل المؤيدة له، مفوتاً فرص الإنتاج والعمل على شريحة المزارعين والتجار والموظفين والصيادين وغيرهم.
الأهم في تصريحات الحكومة- التي تدرك جيداً أنها خارج الواقع- أنها لا تتحدث عن النمو، حثاً على كبح الفساد والسياب الواضح للموارد على طريق تنمية الأوعية الإيرادية وشحذ همم الإنتاج الوطني، فالمراد من الحديث هو مغازلة المانحين لمحاولة استعادة ثقتهم في الفترات المقبلة، تحت شعارات تؤكد أنها قامت بمصفوفة من الإصلاحات.
الدليل على ذلك أن تصريح النمو بـ2%، الذي لم تحققه حكومات ناشئة تعيش أوضاعها الطبيعية، خلال ندوة افتراضية خصصت لاستعراض “مسار الإصلاحات التي تنفذها الحكومة اليمنية وما حققته من نتائج إيجابية”.. لكنها لم تحدد الزمن الذي حققت فيه هذه الإصلاحات، خصوصاً والجميع يدرك أن الحكومة تقضي 90% من وقت عملها في رحلات مكوكية طلباً للدعم ونقاشاً لآلية استيعاب الوديعة الإماراتية السعودية التي لم تأت، ولم تكن سوى ذريعة لتغيير الأدوات في الـ7 من إبريل الماضي.
ولم تتوقف الحكومة عند هذا الحديث المفارق للواقع المعاش، بل توقعت أن يحقق اقتصاد اليمن خلال العام المقبل نمواً بنسبة 3% بدون أن تورد المؤشرات العملية التي يمكن لها تحقيق هذا النمو.. بل تناقضت مع هذا التوقع بتأكيدها الحرص على تخفيف الظروف الإنسانية والمعيشية الصعبة للمواطنين، ما يعني أن معدلات النمو مستحيلة ما لم تكن ظروف المواطنين ميسورة، بفرص الأعمال والأسعار المناسبة لقدرتهم الشرائية.
الأكثر غرابة، أنه للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب مطلع عام 2015، يتم الإعلان عن تحقيق نمو في اقتصاد اليمن، الذي لم يشهد انكماشاً طبيعياً بقدر ما شهد من تدمير متعمد وممنهج لكل مقوماته الإنتاجية، الصناعية والزراعية والتجارية خلال السنوات الماضية، حيث فقد الناتج المحلي الإجمالي لليمن أكثر من 50%، حسب تقارير البنك الدولي.
ويخوض التحالف، بقيادة الرياض والحكومة الموالية له، للعام الثامن على التوالي في اليمن حرباً اقتصادية، استهدفت العملة والمصانع والمعامل والمزارع، غير أن الخطر هو أن الحرب قرنت بالحصار الشامل الذي طال مقومات الاقتصاد الإنتاجي من الوقود ومدخلات الإنتاج والمعدات الزراعية والصناعية وغيرها، وكبدت الاقتصاد اليمني خسائر 126 مليار دولار، وفق الأمم المتحدة.
قد يبدو تصريح الحكومة المعترف بها دولياً مطمئناً لمن يجهلون مؤشرات النمو الحقيقي في أي بلد، ولمن ينساقون خلف وعود الحكومة والتحالف الذي يستنزف الثروات ليلاً ونهاراً، لكن كذبة النمو المكشوفة لن تساهم بأي شكل من الأشكال في استعادة ثقة المانحين، الذين يدركون مدى فساد الحكومة الموثق دولياً وأممياً، ولن تأتي للحصان بالجزرة (الوديعة) من عصا التحالف الذي استوفى أضعافها من واردات النفط الخام والموارد المحكومة بسيطرته جواً وبراً وبحراً. فمن أين سيأتي النمو الافتراضي في خطاب الحكومة؟!