د. حيدر حسين آل طعمة *
تعمل الولايات المتحدة وأوروبا بجد من أجل تشديد العقوبات على موسكو من خلال الضغط على الاقتصاد الروسي وإيقاف الحرب مع أوكرانيا والحد من تداعياتها على الاستقرار والنمو الاقتصادي العالمي وتهديد أمن الطاقة والغذاء على مستوى العالم.
فقد قررت دول مجموعة السبع في بيانها الختامي، أواخر الشهر الماضي، اتخاذ إجراءات فورية لتأمين إمدادات الطاقة وتقليل الزيادات المفاجئة في الأسعار التي تحركها ظروف السوق غير العادية، من خلال تبني تدابير إضافية، أهمها تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، والتخلص التدريجي من الاعتماد على الطاقة الروسية. وتهدف سياسة تحديد سقف لعائدات النفط الروسي إلى ضرب المصدر الأساس للاقتصاد الروسي. ويشمل الاتفاق مبدئياً وضع آلية غير مسبوقة ومعقدة تهدف إلى منع روسيا من بيع نفطها وفقاً للأسعار الجارية. مما يعني استمرار تدفقات صادرات النفط الروسية إلى الاسواق ولكن بسعر أقل من السعر الحالي.
وتهدف مساعي دول مجموعة السبع إلى أنشاء ما يشابه “منظمة أوبك معكوسة” بهدف قضم عائدات روسيا النفطية بشكل مباشر. إذ ترى هذه الدول أن أنهاء الحرب الروسية الأوكرانية قريباً غير ممكن بدون الضغط على مصدر التمويل الروسي للحرب، نظراً لاعتماد روسيا المفرط على صادرات النفط والغاز، والتي ولدت إيراداتها أكثر من (100) مليار دولار خلال الشهور الثلاثة الأولى من الحرب. ومتوقع أن يؤدي تقليص إيرادات النفط الروسية إلى انخفاض قيمة الروبل وتأجيج الضغوط التضخمية في روسيا. مما يلزم النظام الروسي بوقف الحرب في وقت قريب، نظراً لانخفاض الموارد اللازمة لإدامة أمد الحرب.
ورغم أن مساعي الاتحاد الأوروبي لتحديد سقف للأسعار تنصب بالدرجة الأساس لأنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن الولايات المتحدة تركز بشكل أساس على كبح جماح التضخم الذي ضرب الاقتصاد الأمريكي ولم تنجح معه جهود البنك الفيدرالي رغم رفع أسعار الفائدة لثلاث مرات خلال الشهور الماضية.
وترى وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، أن سياسة تحديد سقف أسعار على صادرات النفط الروسي أحد أقوى الأدوات لمواجهة التضخم. وأنه سيُسهم في خفض التضخم وسط ارتفاع التضخم الاستهلاكي في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى منذ 40 عاماً عند (9.1%) فضلاً على ضعف الأمن الغذائي عالمياً بسبب تداعيات الحرب الروسية.
هل تنجح سياسة سقف الاسعار؟
حلقت أسعار النفط الخام خلال الشهور الماضية نتيجة حظر واشنطن النفط الروسي، ومحاولات أوروبا خفض الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية. فقد ارتفعت أسعار النفط الخام إلى أكثر من (120) دولاراً للبرميل في آذار (2022) بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وقد يدفع فرض المزيد من العقوبات بأسعار النفط إلى أكثر من (175) دولاراً للبرميل.
وتتضمن آلية تحديد سقف أسعار النفط الروسي تشكيل الولايات المتحدة ودول أخرى تكتلاً لشراء النفط الروسي بسعر منخفض يقلص إيرادات النفط الروسي ويؤمِّن الإمدادات في المستقبل، مع الحد من قدرة روسيا على تمويل حربها في أوكرانيا. مع ذلك، ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط، كانت مسألة كيفية معاقبة قطاع المحروقات الروسي إحدى المسائل الشائكة بالنسبة لأوروبا في ظل مضاعفات الصدمة المزدوجة التي ضربت الاقتصاد الأوروبي (ارتفاع الأسعار وخفض الإمدادات).
وبناء على معطيات الأسعار السابقة، يتضح أن العقوبات الأوروبية على روسيا لن تجدي نفعاً، في ظل عائدات موسكو من صادرات النفط والتي تخطت (20) مليار دولار الشهر الماضي، بدعم من صادرات النفط رخيص الثمن، الذي يباع بتخفيض يصل إلى (30%)، واستغلال دول مثل الهند والصين لهذا الوضع، ويرى خبراء أسواق الطاقة، أن قرار وضع حد سعري للنفط الروسي على أرض الواقع لن يكون له التأثير البالغ في حجم الصادرات الروسية، لأن العقوبات الأوروبية السابقة استهدفت حظر النفط الروسي بالفعل، في حين تمكنت موسكو من فتح أسواق جديدة مثل الهند والصين عبر تقديم تخفيضات وصلت إلى (30%) على البرميل.
كما يلاحظ وجود انقسام أوروبي حول حظر الغاز والنفط الروسي أو وضع حد سعري له، خصوصاً وأن موسكو قد قطعت الغاز عن العديد من الدول التي رفضت سداد المدفوعات بالروبل، مثل بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا، وتتعاظم المخاوف من أن تتسع دائرة العقوبات الروسية وتشمل دولاً أخرى تحرم من الغاز الروسي.
* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية