يمن ايكو
تقارير

📃أزمة الشحن البحري تفاقم التضخم عالمياً.. والدول النامية أكبر المتضررين من ارتفاع أسعار السلع

تقرير خاص

ارتفاع تجاوزت نسبته 500% سجلته أسعار الشحن البحري منذ مطلع العام الجاري 2021، الأمر الذي ألقى بظلاله على أسعار السلع في مختلف أنحاء العالم، وهو الأمر الذي يرجعه خبراء اقتصاديون إلى «ارتفاع الطلب العالمي على السلع، مقابل نقص في البواخر والحاويات، وارتفاع أسعار الطاقة والتأمين على البواخر، ما أدى إلى وضعية تضخمية كبيرة جداً».
وخلال الـ 12 شهراً الماضية، ارتفعت أسعار الشحن البحري، وصعدت أسعار تأجير الحاوية التي يبلغ طولها 40 قدماً بنحو 8 أضعاف، مقارنة بمتوسط سعرها قبل الركود الذي أحدثته جائحة كورونا، كما أن أسعار التأجير بالوقت ارتفعت بنحو 6 أضعاف.
وبحكم تربعها في أعلى قائمة الدول المصدِّرة، باعتبارها “مصنع العالم” فقد تأثرت صادرات الصين، بسبب تداعيات كورونا، مما أدى إلى أزمات نتيجة وجود اختلافات في العرض والطلب على البضائع، حيث كان الطلب متزايداً للغاية من قبل أفريقيا وأوروبا على المنتجات الصينية، الأمر الذي نتج عنه زيادات كبيرة في أسعار الشحن البحري، بسبب زيادة الطلب خلال التعافي من آثار الجائحة على مستوى العالم.
وبحسب مؤشر «دروري وورلد كونتينر»، الذي يرصد أسعار الشحن البحري على مستوى 8 خطوط رئيسية من الصين وإليها؛ وهي شانغهاي-روتردام، وروتردام-شانغهاي، وشانغهاي-جنوة، وشانغهاي-لوس أنجلوس، ولوس أنجلوس-شانغهاي، وشانغهاي-نيويورك، ونيويورك-روتردام، وروتردام-نبويورك، فإن سعر شحن حاوية 40 قدماً من شانغهاي الصينية إلى روتردام الهولندية بلغ 13 ألفاً و798 دولاراً، في حين بلغ السعر من روتردام الهولندية إلى شانغهاي الصينية 1585 دولاراً، و12 ألفاً و693 دولاراً من شانغهاي الصينية إلى جنوة الإيطالية.
وبلغ السعر، استناداً إلى أرقام «دروري وورلد كونتينر»، 9857 دولاراً من شانغهاي الصينية إلى لوس أنجلوس الأمريكية، و1288 دولاراً من لوس أنجلوس الأمريكية إلى شانغهاي الصينية، و12 ألفاً و667 دولاراً من شانغهاي الصينية إلى نيويورك الأمريكية، و1189 دولاراً من نيويورك الأمريكية إلى روتردام الهولندية، بينما بلغ السعر من روتردام الهولندية إلى نيويورك الأمريكية 6123 دولاراً، اليوم الخميس.
ومقارنة بعام 2020، فقد ارتفع سعر شحن حاوية 40 قدماً من شانغهاي إلى روتردام بـ 522%، ومن روتردام إلى شانغهاي بـ 44% ومن شانغهاي إلى جنوة بـ 373%، ومن شانغهاي إلى لوس أنجلوس بـ 138%، ومن لوس أنجلوس إلى شانغهاي بـ 149%، ومن شانغهاي إلى نيويورك بـ 152%، ومن نيويورك إلى روتردام بـ 115%، ومن روتردام إلى نيويورك بـ 204%، بحسب آخر معطيات قدمها «دروري وورلد كونتينر».
وساهم ارتفاع تكاليف الشحن البحري وأزمة سلاسل التوريد، في ارتفاع قياسي لأسعار الغذاء على مستوى العالم، حيث قفزت أسعار المواد الغذائية حول العالم لأعلى مستوياتها منذ 10 سنوات، وسط مؤشرات على عدم الاستمرار في الزيادة بهذه السرعة.
وارتفع مؤشر الأمم المتحدة لتتبع الأغذية من القمح والزيوت النباتية إلى أعلى مستوى له، في عقد جديد في الشهر الماضي، حيث أدى سوء الأحوال الجوية وارتفاع تكاليف الشحن ونقص العمالة إلى ارتفاع الأسعار، فيما لا تزال أسعار السلع الزراعية تشهد زيادة ولكن بمعدل أبطأ، وارتفع المؤشر بقرابة 20% في النصف الأول من العام، ولكنه ارتفع بنسبة 6% فقط منذ ذلك الحين.
وتشهد أسعار الحاويات ارتفاعاً جنونياً وذلك وسط نقص مريع في سوق الشحن البحري، وسجلت أسعار حاويات الغاز الطبيعي المسال الرقم الأعلى، على إثر الحجوزات المبكرة على شحنات الغاز المسال التي وقعت خلال العام الجاري، وبأسعار مرتفعة دفعت مقدماً في السوق الآجل لحجز الحاويات من قبل شركات كبرى في الصين واليابان ودول النمور الآسيوية.
وقالت وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال”، إن “أسعار إيجار ناقلات الغاز الطبيعي المسال تضاعفت 6 مرات خلال شهر نوفمبر المنصرم، حيث بلغ إيجار الناقلة الواحدة بين المحيط الهادئ وآسيا 300 ألف دولار في اليوم، لنقل شحنات الغاز المسال بين أميركا وآسيا تحديداً، فيما يعزى ذلك إلى العدد المحدود من ناقلات الغاز الطبيعي المتاحة عالمياً، في وقت يتزايد الطلب على الغاز المسال في السوق الفوري خلال الشتاء في كل من آسيا وأوروبا.
وحسب بيانات “ستاندرد آند بورز غلوبال”، كان سعر تأجير ناقلة الغاز الطبيعي المسال يعادل نحو 50 ألف دولار في اليوم في بداية شهر نوفمبر المنصرم، ولكنه ارتفع إلى 300 ألف في يوم 18 من الشهر نفسه.
وقد أدت زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية خلال جائحة كوفيد-19 إلى اختناقات كبيرة في الإمدادات حول العالم، الأمر الذي أثر على توافر سفن الحاويات وصناديق نقل البضائع، ويتوقع مسؤولو الشحن والموانئ أن تستمر اضطرابات سلاسل التوريد العالمية في عام 2022.

وأرجع خبراء اقتصاد أسباب ارتفاع أسعار الشحن البحري بشكل كبير، إلى ارتفاع الطلب على السلع، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على الشحن، في وقت لا تزال مجموعة من البواخر والحاويات عالقة في موانئ دول توقف فيها الإنتاج بسبب كورونا، ولم يتم استئنافه (الإنتاج) إلى الآن.
وأوضحوا أنه «لا يمكن لتلك البواخر والحاويات التحرك فارغة بدون سلع نحو الوجهات، التي شهدت استئناف عملية الإنتاج في مرحلة ما بعد «كوفيد-19»، وتحتاج إلى تلك البواخر والحاويات، لأن ذلك سيتسبب للبواخر المذكورة في خسارة كبيرة، نظراً للكلفة العالية التي يتطلبها تحركها من ميناء إلى آخر».. مشيرين إلى أن الحل يتمثل في عودة الوجهات، التي تعلق فيها تلك البواخر والحاويات، إلى نشاطها الإنتاجي الطبيعي، لتستطيع السفن العالقة ومعها الحاويات التحرك من هناك، وهو الأمر الذي يتوقف على مدى نجاح العالم في تجاوز الأزمة الوبائية، ليتمكن من العودة إلى الحالة الطبيعية بعد سنة أو سنة ونصف، ويضاف إلى التأثيرات والتداعيات التي تسببت الجائحة، ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، والذي أسهم في ارتفاع كلفة النقل.
وتسبب ارتفاع أسعار الشحن البحري بشكل كبير، في ارتفاع كلفة السلع في الدول، ما نتج عنه وضعية تضخمية كبيرة جداً في عدد كبير من الدول، الأمر الذي يجعل التدخل لمعالجة هذه الوضعية صعباً جداً، بحسب الاقتصاديين، لأن الأمور ستفلت من يد الحكومات، والبنوك المركزية بالأساس، التي تحافظ على بقاء التضخم في مستوى منخفض، ما سيؤدي إلى انهيار القدرة الشرائية للأسر، وارتفاع نسبة الفقر، في عدد من البلدان.
وكانت أغلب دول العالم وضعت ما يسمى بموازنات لدعم وإنعاش الاقتصاد، من خلال ضخ مبالغ ضخمة في اقتصاداتها، لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، ما أدى إلى حدوث ضغط كبير على مستوى طلب السلع، في وقت لم تكن حتى الصين مهيأة، ولا الشاحنات والبواخر بشكل خاص متوفرة، وهو ما يعزو إليه الاقتصاديون رفع الأسعار من قِبل الشركات المصنِّعة، بعدما وجدت أن هناك ارتفاعاً في الطلب، ومن طرف شركات الشحن البحري بعدما أصبحت تعاني نقصاً على مستوى الحاويات، وبعدما رفعت شركات التأمين على البواخر الأسعار، ما نتج عنه التضخم الاقتصادي العالمي، الذي نعيشه اليوم.
من جهتها أكدت منظمة الأونكتاد التابعة للأمم المتحدة، في تقرير لها منتصف نوفمبر الماضي، زيادة أسعار السلع خلال الفترة المقبلة، بسبب المشكلات التي تشهدها سلسلة التوريد والشحن على مستوى العالم.
وذكر التقرير أنه سيكون تأثير رسوم الشحن المرتفعة أكبر في الدول النامية (SIDS)، والتي يمكن أن تشهد زيادة في أسعار الواردات بنسبة 24٪، وأسعار المستهلك بنسبة 7.5٪، بينما في أقل البلدان نمواً يمكن أن ترتفع مستويات أسعار المستهلك بنسبة 2.2٪.. متوقعاً ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع والتي وصفها بالكبيرة، وذلك على خلفية ارتفاعات أسعار النوالين بشكل كبير، وقال إن انتعاش الاقتصاد العالمي مهدد بارتفاع أسعار الشحن، والتي من المرجح أن تستمر في الأشهر القادمة.
وأظهر تحليل الأونكتاد، أن الزيادة الحالية في أسعار شحن الحاويات، إذا استمرت، يمكن أن ترفع مستويات أسعار الاستيراد العالمية بنسبة 11٪ ومستويات أسعار المستهلك بنسبة 1.5٪ من الآن وحتى عام 2023.
وتوقع أن يكون للارتفاع الحالي في أسعار الشحن تأثير عميق على التجارة، ويقلل من الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في البلدان النامية، حتى تعود عمليات الشحن البحري إلى طبيعتها.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً