تقرير خاص
تبددت الوعود السعودية لحكومة هادي، بدعمها اقتصادياً عبر وديعة جديدة إلى البنك المركزي بعدن، بعد قرابة عام من الانهيار الاقتصادي غير المسبوق في المحافظات والمناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي، ظلت خلالها هذه الحكومة تراهن على سراب الوعود من التحالف، بدعم اقتصادي يعزز موقفها إزاء الوضع الاقتصادي المتدهور، وما خلفه من أزمة معيشية لحقت أضرارها بملايين السكان في تلك المحافظات.
وعززت تصريحات من التحالف الوهم الذي عاشت عليه حكومة هادي المشكَّلة بموجب اتفاق الرياض أواخر العام الماضي، بدعم اقتصادي يوقف التدهور الاقتصادي الحاصل في مناطق سيطرتها، ولا سيما انهيار سعر العملة وما نتج عنه من تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين، وبالتالي تزايد معاناتهم المعيشية في ظل الغلاء الفاحش في أسعار كافة السلع، وتفاقم أزمة الخدمات وعلى رأسها الكهرباء، لكن الحاصل على الواقع كان العكس، حيث استمر التدهور وتعقدت الأزمات الاقتصادية والمعيشية، في مقابل عجز من قبل حكومة هادي وتجاهل من قبل التحالف لجميع الدعوات والمناشدات بتقديم الدعم الموعود.
رافق الوصول الأول لحكومة هادي إلى عدن، عقب تشكيلها مطلع العام الجاري، ضخ إعلامي بأن وديعة مليارية جديدة ستضعها السعودية في البنك المركزي بعدن، لتتمكن الحكومة الجديدة من مواجهة الأزمة الاقتصادية ووقف التدهور المستمر، لكن ما حدث خلال الفترة اللاحقة هو مزيد من المناشدات من قبل حكومة هادي بالتعجيل بهذا الدعم، وهي الدعوات التي قوبلت بتجاهل سعودي، قبل أن يتأكد مؤخراً ومن خلال نقاشات أجراها رئيس حكومة هادي معين عبدالملك مع السفير السعودي، رفض الأخير تقديم أي وديعة إلى البنك المركزي بعدن، ملمحاً إلى مصير الوديعة السابقة التي تبددت، وانتهت بفضيحة كشفها تقرير فريق الخبراء الدوليين، الذي وجه اتهامات بالفساد وغسل الأموال إلى حكومة هادي وقيادة البنك المركزي بعدن.
وكانت مصادر مطلعة أكدت أن معين عبدالملك عقد اجتماعاً مع السفير السعودي لمناقشة تقديم وديعة سعودية جديدة للبنك المركزي بعدن، لكن الأخير رفض ذلك بحُجة تلاعب الحكومة بالودائع السعودية السابقة.
الموقف السعودي من دعم اقتصادي مباشر لحكومة هادي عبّر عنه عبدالله المعلمي، سفير السعودية بالأمم المتحدة، في مقابلة مع قناة الحدث في 14 أكتوبر الجاري، في رده على سؤال حول إمكانية مساعدة الحكومة مالياً، قائلاً إن بلاده تريد من حكومة هادي ممارسة أعمالها من اليمن، وأن تباشر الحلول للوضع الاقتصادي بنفسها.
وفيما ترفض السعودية تقديم دعم اقتصادي مباشر لحكومة هادي، لا يزال التحالف السعودي الإماراتي يسيطر على الموارد الاقتصادية، ويعطل المنشآت الإيرادية، الأمر الذي ساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية، التي تُعدّ الحرب التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من ست سنوات المسبب الرئيس فيها.
ويمنع التحالف إعادة تصدير النفط اليمني بشكل كامل، كما يعطل منشأة وميناء بلحاف لتصدير الغاز، في حين أن ما يسمح لحكومة هادي بتصديره من النفط يتم إيداعه في حساب خاص لدى البنك الأهلي السعودي، وبالتالي يتم صرفه لهذه الحكومة بإشراف سعودي، وبالتالي عدم الاستفادة منه في تعزيز مخزون البلاد من العملة الصعبة، والذي يمكن أن يسهم في الحد من التردي الاقتصادي والانهيار الحاصل في سعر العملة المحلية.
وخلال السنوات الماضية من عمر الحرب التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، شهدت العملة الصعبة نزفاً مستمراً في ظل عدم وجود مصدر دائم لتعويض هذا النزف. وبلغ الميزان التجاري لليمن -8693.91 مليون دولار عام 2020، ويعود ذلك أساساً إلى التراجع الكبير في الصادرات، وبالذات من النفط والغاز، فقد انخفض إنتاج هاتين السلعتين بنسبة 90% عمَّا كان عليه عام 2014، وكانت صادراتهما تُشكِّل 90% من صادرات البلاد، وثلث إجمالي ناتجها المحلي.
ووفقاً لتقارير محلية، تراجَع حجم الصادرات بنسبة 75%، بما في ذلك الصادرات الزراعية التي تراجعت بنسبة تفوق 70%، وفي تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2020، احتل اليمن المرتبة 188 في مؤشر التجارة عبر الحدود، وتُقدَّر الخسائر الناتجة عن تضرُّر التجارة الخارجية عموماً بحوالي 36 ملياراً و285 مليون دولار.
وعلى وقع الحرب المستمرة للعام السابع على التوالي، وما صاحبها من تضييق واستهداف للاقتصاد اليمني وقيود على عمليات التصدير والاستيراد، تراجَع معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 0.5% في أبريل 2021.
ومنذ اليوم الأول للحرب التي بدأت عملياتها في 26 مارس 2015، استهدف التحالف بغاراته الجوية القطاعين التجاري والصناعي، وفرض قيوداً على مدخلات الإنتاج، فيما فتح المنافذ أمام المنتجات الاستهلاكية وعلى رأسها الخليجية، في مسعى منه لتحويل اليمن إلى سوق لمنتجاته، وهو الأمر الذي يعده مراقبون واحداً من الأهداف الاقتصادية للحرب.