تقرير خاص-يمن ايكو
لم تكن خارطة الجمهورية اليمنية بما تملكه من مخزون من الغاز، احتياطياً أو إنتاجياً، بحاجة إلى الاستيراد الكبير الذي يشكل عبئاً على خزينتها من العملة الصعبة، غير أن المشكلة المزمنة التي شهدتها العقود الماضية، كانت تتمثل في أخطاء السياسات الاقتصادية والبنيوية الموصولة باستيعاب ذلك المخزون، نظراً لتعثر خطط ومشاريع الشركة في عمل بنية تحتية لإدارة أصولها وحفظها وتحديثها، من أسطول ناقل عملاق، وكمٍّ كبير من أسطوانات الغاز التي تُحفظ مكشوفة في أحواش عملاقة، ومن منشآت تخزين وتعبئة تحظى بصيانة دورية وغيرها من جوانب القصور والإهمال التي ورّثتها الحكومات السابقة، بالتزامن الطبيعي والحتمي مع اتساع استخدامات الغاز في الطبخ وفي بقية القطاعات الاجتماعية الضرورية للحياة اليومية كالمطاعم ومزارع الدواجن ومركبات النقل وغيرها.
تقديرات ومؤشرات صادرة عن الشركة أكدت أن ما ينتج محلياً في صافر، وتم تخصيصه للاستهلاك المنزلي والاستخدامات الأخرى، لا يصل إلى قرابة 3 آلاف طن يومياً، لكنه كان كافياً للاحتياج المحلي في حدود الظروف الطبيعية، غير الموسمية كالشتاء والأعياد ورمضان الكريم، حيث كانت الفجوة القائمة وهي بسيطة تغطى من الكميات التجارية المستوردة، خصوصاً خلال الأعوام 2008م و2010م 2011م و2014م.
الانحسار الدراماتيكي المؤسف لمقدرات اليمن من الغاز حدث منذ صبيحة 26 مارس 2015م، حيث تعرضت تلك المقدرات على مدى سبع سنوات من الحرب والحصار، ولم تزل تتعرض، لضربات قاصمة استهدفت المخزون، والإنتاج، والأصول، ففي المخزون المتمثل في منابع قطاعات الغاز في مارب، سيطر التحالف بقيادة السعودية على مكامن الغاز المنزلي، وأخضعه لسلطات أدواته، لاستخدام الغاز المنزلي كورقة حرب اقتصادية، وعلى إثر ذلك تأثر حجم الإنتاج بعد أن أصبح قرار شركة صافر المنتجة بيد التحالف، الذي فرض قيوداً قلصت الإنتاج وحدت من تدفق الغاز المنزلي كعادته المنسابة إلى كافة المحافظات اليمنية.
ومع توقف الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسالYLNG) ) خرج المعمل الخامس CPU2) ) لإنتاج الغاز المنزلي عن الخدمة لارتباطه بمنشأة بلحاف، فتراجع إنتاج صافر سواء على مستوى (CPU1) أو (CPU2) من 2800 طن يومياً إلى 1500 طن فقط، فيما مصفاة عدن توقفت تماماً وكانت تنتج من الغاز المنزلي 160 طناً يومياً، هذا التوقف والشلل أحدثا فجوة كبيرة تصل إلى قرابة 1500 طن يومياً، لتضطر البلاد إلى الاستيراد في ظروف الحصار واحتجاز السفن التي صعدت أسعار الكميات المستوردة، وقد بلغ الاستيراد خلال عام 2019م– على سبيل المثال- نحو 69 ألف طن، علماً أن الاحتياج الفعلي السنوي من الغاز للسوق المحلية يصل إلى 240 ألف طن.
أصول الغاز المنزلي خلال السنوات السبع الماضية من الحرب والحصار تعرضت لدمار شبه كلي، سواء في منطقة سيطرة التحالف، أو في منطقة حكومة صنعاء، ففي الأولى كمحافظات حضرموت وعدن وشبوة تعرضت أصول الشركة اليمنية للغاز للنهب الممنهج الذي طال قرابة 350 ألف أسطوانة غاز، وفي محافظة تعز قصف التحالف قرابة 70 ألف أسطوانة غاز مملوكة لشركة النفط اليمنية، كانت تحت إدارة الشركة اليمنية للغاز.
وفي الثانية (منطقة حكومة صنعاء) تعرض عدد من المحطات والمنشآت التابعة للشركة لليمنية للغاز للقصف المباشر، كمنشأة صعدة في منطقة القحزة التي تعرضت للقصف أكثر من مرة، ما أدى إلى خروج المنشأة عن العمل وتدميرها بالكامل، وفيها مخزون استراتيجي يتجاوز (300) ألف طن.. بالإضافة إلى تدمير جزئي لكافة منشآت الشركة في الحديدة وعمران إثر تعرضها لغارات جوية، حيث يوجد فيها مخزون يقدر بـ(26) ألف أسطوانة.. واستهداف عدد من محطات تعبئة الغاز المنزلي في كل من (الأمانة – حجة – لحج – تعز) وخروج تلك المحطات عن العمل.. واستهداف صهاريج الغاز على خطوط سير المقطورات في كل من خط مارب – صنعاء – خط صنعاء إب، وغيرها.
وتسبب الحصار الاقتصادي وتجميد مخصصات الصيانة في تهالك قرابة 400 ألف أسطوانة غاز منزلي في أحواش عملاقة مكشوفة، وفق تصريحات الشركة اليمنية للغاز التي حملت شركة صافر بمأرب مسؤولية تعريض أصول الشركة للإهلاك في مناطق حكومة صنعاء.. لافتة إلى أن برنامج الصيانة توقف منذ نوفمبر 2016م عندما تم تحويل الإيرادات من الإدارة العامة بصنعاء إلى دائرة صافر وفرع البنك المركزي- مارب.
ومع استمرار الحرب والحصار، شُلّت أعمال الشركة اليمنية للغاز الموصولة بالمسارات التطويرية، وجمدت خططها البنيوية التي من أهمها أن الشركة كانت تخطط لإنشاء مصنع حديث لصيانة الأسطوانات في المنطقة الحرة- عدن، حيث اشترت الشركة الأرض.. وتم إعداد الدراسات أولية لإنشاء مصنع تابع للشركة وتم تشكيل لجنة لإعداد الكراسات الأولية للمناقصة، لكن معضلة الحرب والحصار وتداعياتهما على البلد بشكل عام أخرت الإجراءات العملية باتجاه إنجاز هذا المصنع.
السوق التموينية هي الأخرى تعرضت لمجموعة من الأضرار والاختلالات منذ مارس 2015م، وما رافقه من مشكلات وأزمات نشأت على إثرها السوق السوداء وبرزت ظاهرة الطرمبات، مهددةً الأحياء السكنية، ما دفع بوزارة النفط في حكومة صنعاء لمضاعفة جهودها الإشرافية والرقابية على السوق، وصولاً إلى تحويل المسار التمويني من البيع العشوائي والسوق السوداء والبيع في أحواش وعبر الطرمبات المنتشرة في الأحياء، إلى التوزيع عبر العقال من أجل إيصال الغاز إلى كل منزل، خصوصاً مع محدودية الكميات، كما عمدت الشركة إلى إعادة تشغيل المحطات المركزية التي كانت متوقفة منذ بداية الحرب، والتي تمون كل محافظات الجمهورية.