بالنسبة لغالبية اليمنيين، لا تزال مسألة ” إعادة الإعمار” محفوفة بالغموض، لكن- وقبل أي شيء آخر- فإنهم يأملون توقف الحرب التي دخلت عامها السابع، آخذة أشكالاً تصعيدية خطيرة على المستويات الاقتصادية والإنسانية، ناهيك عن كل ما ألحقته من أضرار مباشرة وغير مباشرة في الأرواح والممتلكات والبنى التحتية، سيما في القطاع الاقتصادي الذي كان هشاً في مراحل سابقة.
مبكراً من الحرب التي أعلنتها في مارس 2015بغطاء استعادة “شرعية هادي”، توصلت السعودية إلى برنامج “إعادة إعمار اليمن”، ليترافق في الوقت نفسه، مع المزيد من العمليات العسكرية التي أزهقت أرواح مئات الآلاف من المدنيين، ودمرت وعطلت الكثير من البنى التحتية، بما في ذلك المصانع والمزارع ومحطات الكهرباء والمياه والاتصالات وغيرها.
ورأى كثير من المتابعين والمهتمين، أن السعودية تحاول تجميل الصورة المشوهة لتدخلها عسكرياً على رأس تحالف عربي ودولي واسع في اليمن، وقالوا إنها تحاول التخفف من التبعات والتكاليف الباهظة للتدمير الذي أحدثته وتحدثه حربها العسكرية والاقتصادية في اليمن. كما كشفت تقارير خاصة، أن السعودية تهدف إلى توطيد نفوذها وتمرير مخططاتها عبر المشاريع التي تنفذها تحت لافتة إعادة الإعمار في محافظات المهرة وشبوة وحضرموت وأرخبيل سقطرى منذ عام 2017.
ومن وقت لآخر، تسعى السعودية ومعها الإمارات إلى تقديم مبادرات سلام، منزوعة الإقرار بكونها المسؤولة عن تداعيات وآثار وتبعات وتكاليف ما خلفته حربها المستمرة إلى اللحظة، وتتهرب إلى أبعد من ذلك، من خلال محاولة تكريس الحرب (يمنية- يمنية)، ما يعني محاولتها الهروب من استحقاقات تعمير ما دمرته حربها في اليمن، وما تنطوي عليه هذه المهمة من تعويضات وجبر الضرر وغير ذلك.
واللافت أن تخلو مبادرات الوسطاء الإقليميين والدوليين والأمميين، الهادفة إلى إنهاء الحرب، من الإشارة ولو لماماً إلى موضوع الإعمار، حتى في سياق ما تطرحه من تفاصيل لمقترحاتها.
وأحدثت الحرب المستمرة منذ أكثر من ست سنوات في اليمن، حالة دمار واسع في البنى التحتية والمدارس والأبنية والمنازل والطرقات، مما يجعل عملية الإعمار معقدة إلى حد كبير، خصوصاً في ظل عدم وجود بوادر لنهاية الحرب.
وإلى الآن، لا تقديرات شاملة ودقيقة لحجم التكلفة الكلية التي تكبدتها مختلف القطاعات المجتمعية بما في ذلك الاقتصاد جراء الحرب، إذ يتطلب ذلك إجراء تقييم شامل ومسح ميداني لتقدير تكلفة التدمير في رأس المال المادي (البنية التحتية).
في عام 2018، أجرى البنك الدولي تقييماً للاحتياجات في اليمن، تم تحديث نتائجه عام 2020، حيث أظهر أن الأضرار بشكل أكبر على مستوى القطاعات تتركز في قطاع الإسكان، إذ تعرضت 40 في المئة من الوحدات، إما لأضرار جزئية (39 في المئة) أو تدمير كامل (1 في المئة). كما تضررت قطاعات التعليم والصحة والنقل والمياه والصرف الصحي بشكل خطير، إذ تراوح إجمالي الأضرار بين 29 (النقل) إلى 39 في المئة (الصحة).
ووفقاً للتقييم، تأتي مدينة صعدة في المرتبة الأولى بين المدن من حيث أعلى نسبة من الأضرار التي لحقت بالأصول المادية، فـ67 في المئة من منشآتها تضررت، وعلى وجه الخصوص تأثر قطاعا الإسكان والصحة في صعدة بشكل كبير.
وقال تقرير رسمي بصنعاء، إن الاقتصاد اليمني خسر نحو 93 مليار دولار، نتيجة الحرب والإغلاق الاقتصادي على مدى ست سنوات ماضية. وقدرت جهات يمنية وأخرى دولية تكلفة إعادة الإعمار بما يتعدى 200 مليار دولار.
ومع إطالة أمد الحرب وتوسع حجم الخسائر والأضرار الناجمة، والتي تجاوزت قيمتها قدرات اليمن على التعافي لما بعد مشاريع إعادة الإعمار، أصبحت تكلفة انتشال البلاد من هذه الظروف باهظة ومعقدة، وتتطلب دعماً وجهوداً دولية سخية لتطبيع الحياة في المناطق والمدن المدمرة والمتضررة، حسبما يقول اقتصاديون.
لكن من الضروري- وفق الخبراء- اعتماد ثلاثة مكونات رئيسة للتكلفة الكلية، الأول يتعلق باحتساب كلفة التدمير في البنية التحتية التي تضررت جزئيّاً أو كلياً، والثاني تكلفة إعادة إعمار (الفارق بين كلفة التدمير وتكلفة إعادة الإعمار)، وبناء ما دمر أو اندثر وتهالك نتيجة الحرب، مع الأخذ في الاعتبار معدل التضخم وتغيرات سعر الصرف وغيرها (احتياجات التعافي)، والثالث الخسارة الضمنية التي تكبدها الاقتصاد والمجتمع، إضافة إلى التكلفة الاجتماعية.
اقترحت دراسة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، استباق اليمن مهمة إعادة الإعمار، بإنشاء هيكل مؤسسي مستقل، تحت مسمى هيئة إعادة الإعمار، على أن تتمتع الهيئة بولاية واضحة لتنسيق جهود إعادة إعمار ما بعد الحرب أو ما بعد الكوارث، بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي وتصميم السياسات، وتنظيم التمويل وجمع الأموال، والتنسيق مع السلطات المركزية والمحلية، والمنظمات الدولية، والجهات المانحة، وأصحاب المصلحة المحليين (من خلال عملية تنافسية تسمح لوحدات القطاع العام وشركات القطاع الخاص بالتنافس في المناقصات)، وإجراء رقابة وتقييم مستمرين لمستوى الشفافية والمساءلة.
وطالبت الدراسة جهود إعادة الإعمار اللاحقة للحرب بتناول الاحتياجات والحقوق الأساسية للمواطنين، ووضع البلاد على مسار السلام والتنمية المستدامين، والتخطيـط المبكـر وتقييـم الأضـرار وتقديـر الاحتياجـات، وذلك لعـرض تكاليف إعـادة الإعمـار وتحديـد الأولويات. وحذرت، بالمقابل، من تركز الجهود في المدن الرئيسية والمناطق المتضررة، وإهمال المناطق الريفية وغير المتضررة من جهود الإعمار، وقالت إن هذا قد يدفع بمواطني الأرياف إلى الشعور بعدائية تجاه الدولة، وقد يؤدي هذا الأمر إلى بروز نزاع محلي، ما يعني تأخير استحقاقات التعمير.