يمن إيكو| تقرير:
قالت صحيفة “كالكاليست” العبرية إن المقاطعة العالمية الواسعة والمتزايدة التي تتعرض لها إسرائيل على مختلف المستويات منذ بدء الحرب، تشكل خطراً هائلاً وبعيد المدى ليس على الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً على أمن إسرائيل وعلى صورتها أمام العالم.
ونشرت الصحيفة نهاية الأسبوع الماضي تقريراً مطولاً رصده وترجمه موقع “يمن إيكو”، جاء فيه أنه “بعد أربعة عشر شهراً من الحرب، تعيش إسرائيل في عزلة دولية غير مسبوقة، ولا تنزف داخلياً فحسب، بل خارجياً أيضاً، فكل يوم يمر يشتد الحصار عليها أكثر، من شركات الطيران الأجنبية التي يتم استبعادها من مجلس الإدارة في مطار بن غوريون، مروراً بالحكومات التي ترفض بيع الأسلحة لإسرائيل والفنانين الذين ألغيت عروضهم بسبب هويتهم، إلى التعاون الأكاديمي الذي توقف فجأة وشركات البنية التحتية الدولية التي تقرر الخروج من المشاريع في إسرائيل”.
وأضافت: “في بعض الأحيان تكون المقاطعة مرئية، وفي كثير من الأحيان تكون رمادية، وفي بعض الأحيان يتم تفسيرها من خلال مخاوف أمنية، وأحيانا لا يكون لها اسم أو تفسير، لكنها موجودة بالفعل، وكل واحد منا يتأثر بها في جيوبنا، في حرية الحركة، في حرية التعريف كإسرائيليين، في الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا”.
ونقلت الصحيفة عن دان كاتاريفاس رئيس المنظمة الجامعة لغرف التجارة ثنائية القومية ومستشار اتحاد المصنعين في إسرائيل قوله إن “المشكلة الأكثر خطورة هي المقاطعة الهادئة والسرية، والخوف من أن تتلقى هذه المقاطعة دفعة من مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو وجالانت.. فبعد لاهاي، إسرائيل أصبحت متهمة بارتكاب جرائم حرب”.
وأضاف: “على سبيل المثال، قد تقرر صناديق الأسهم النرويجية، التي لا تستثمر في شركات الأسلحة بسبب مدونة أخلاقيات، ألا تستثمر في البلدان المشتبه في ارتكابها جرائم حرب… وإذا كنت المستشار القانوني لمثل هذه الشركة، فقد أنصحها بعدم الاستثمار في إسرائيل، ولن يعرف أحد حتى عن ذلك، لأنه يتم خلف الأبواب المغلقة”.
وتابع: “خذ على سبيل المثال ما حدث مع شركة آبل التي لم تبدأ بتوزيع مسلسل طهران (مسلسل جاسوسي إسرائيلي) لأنها لا تريد أن يتم تحديدها كداعم لإسرائيل، وهذه مشكلة مقاطعة هادئة، والتي من المحتمل أن تتفاقم بسبب مذكرات الاعتقال، التي تدفع إسرائيل أكثر إلى فئة دولة منبوذة”.
وقال كاتاريفاس: “في التسعينيات، عندما كنت في وزارة المالية وكانت هيئة الحرب الاقتصادية مسؤوليتي، كانت وظيفتي إقناع الدول بسن قوانين ضد المقاطعة العربية وعدم التعاون معها، ونجحنا.. وعلى مر السنين نجحنا في الحد من المقاطعة ضدنا، ولكن ما حدث منذ ذلك الحين هو أنها تحولت من مقاطعة حكومية مؤسسية إلى مقاطعة شعبية، تقودها المنظمات غير الحكومية ونشطاء المجتمع المدني”.
وأضاف: “قد ينتهي بنا الأمر إلى التعرض لضربة كبيرة، أنت لا تعرف أبدا متى سيحدث ذلك، إنه تراكم للكثير من الأشياء الصغيرة، وفجأة ستصبح العزلة شيئا كليا أو توقفا تجاريا”.
وبشأن المقاطعة الأكاديمية أشارت الصحيفة إلى أن لجنة رؤساء الجامعة أصدرت مؤخرا تقريرا وصفته بـ”المثير للقلق” ذكرت فيه أن “أكثر من 300 باحث إسرائيلي عانوا من المقاطعة الأكاديمية منذ بداية الحرب، وقد تجلت في منع نشر المقالات، وإلغاء المقابلات والمحاضرات، ومنع المشاركة في المؤتمرات، ومنع الشراكات البحثية، وتعليق أو إلغاء التبادل الطلابي، وإلغاء المنح البحثية”.
ونقل التقرير عن رئيس اللجنة، إيمانويل نحشون، قوله إن “هذا ليس سوى غيض من فيض ما يسمى بالمقاطعة الصامتة”.
ووفقا للصحيفة فإن “المقاطعة الأكاديمية تنطوي على خطر كبير يتجاوز عواقبها المباشرة، فعلى المدى الطويل، تعتبر تطبيعا لمقاطعة إسرائيل واستبعادها من الأسرة الدولية”.
وبخصوص المقاطعة السياحية، قالت الصحيفة عن “التأثير على صناعة السياحة بعيد المدى، لقد عانت السياحة الداخلية من ضربة قاضية، وأصبحت السياحة الخارجية أكثر تكلفة بكثير، وفقا لجمعية الفنادق، تم إغلاق 90 فندقا (20٪ من الصناعة) منذ بداية الحرب، ومنذ بداية عام 2024، انخفض عدد الإقامات السياحية بنسبة 79%، وفي الوقت نفسه، ترتفع أسعار التذاكر إلى وجهات في أوروبا إلى آلاف الدولارات، وتقل الوجهات التي يمكن الوصول إليها عن طريق الطيران المباشر”.
وأضافت الصحيفة أن “خروج شركات الطيران الأجنبية من مطار بن غوريون، سواء لأسباب عملية أو سياسية، ينطوي على قفزة في أسعار الشحن الجوي تقدر بنحو 30٪، وهذا بالطبع يتدحرج إلى جيب المستهلك.
ونقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله إنه “يتم التقليل من شأن هذا التأثير لأنه أقل إثارة من السياحة، لكن أضراره فظيعة، فحوالي 70-80٪ من بطن الطائرة في الأيام العادية مخصص للشحن، وعندما لا تأتي الخطوط الجوية الأمريكية إلى هنا، لا يوجد شحن جوي أيضا”.
وبخصوص المقاطعة الصناعية، نقلت الصحيفة عن رئيس نقابة المصنعين رون تومر قوله إن: “قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يضر بالبلد بأكمله، بما في ذلك الصناعة، وعندما يسمع شخص في العالم أن إسرائيل تقوم بتجويع المدنيين في غزة وتحرمهم من العلاج الطبي يبدأ في طرح أسئلة على نفسه حول ما إذا كان يريد حقا العمل مع بلد يفعل مثل هذه الأشياء”.
وأضاف: “لو كنت رجل أعمال يجلس ويقرأ في الصحف عن بلد أجنبي تنسب إليه هذه الأعمال في لاهاي، لكنت أنا أيضا أعتقد أنه ليس من الجيد القيام بأعمال تجارية هناك وأنه سيكون من الأفضل لو قمت بها في أماكن أخرى من العالم”.
ووفقا لتومر فإن “الضرر الحقيقي الذي يلحق بالصناعة لا يتجسد في المقاطعات الصاخبة، بل في المقاطعات الهادئة: تلك التي تتم دون أن تعلن هيئات المقاطعة ذلك، ولكن يتم التعبير عنها ببساطة في تجاهل الطلبات أو تأخير الوقت الذي يهدف إلى إفساد خطوة تجارية مدرجة على جدول الأعمال”.
وأضاف: “سيخبرونك أنه ليس لديهم مشكلة معك، وأنهم سيطلبون البضائع بعد الحرب، لكنهم سيبدأون ببطء في استبدالك، وهناك حالات يكون فيها الطرف الآخر خائفا حقا من عواقب الحرب، لكن في بعض الأحيان يدرك أن القصة الإسرائيلية ببساطة لا تقدم له أي خدمة”.
وأوضحت الصحيفة أن “نقابة المصنعين تقدر أن الصادرات الإسرائيلية ستنهي هذا العام بانخفاض يصل إلى 7٪ مقارنة بالعام الماضي، وهذا يرجع إلى عوامل أخرى تتعلق بالحرب، مثل تباطؤ الإنتاج بسبب العمال الذين يتم تجنيدهم في الاحتياط وعدم كفاية القوى العاملة للعمل بكامل طاقتها، ولكن معظم الانخفاضات الواضحة ترجع إلى انخفاض الطلبات من العملاء في جميع أنحاء العالم”.
وأشارت إلى أن “الضرر ليس فقط على المدى القريب، فإذا علقت شركة خارجية التعاقد مع مورد إسرائيلي وتعاقدت مع مورد من دولة أخرى بدلا منها، فمن المرجح أن تستمر في التعاقد معه في السنوات المقبلة، بعد فترة طويلة من انتهاء الحرب”.
وبخصوص المقاطعة الفنية أكدت الصحيفة أن “مجال جلب الفنانين إلى إسرائيل انتهى تماما” مشيرة إلى أنه “خلال الحرب، حرصت معظم أكبر الأسماء في صناعة الفن على التعبير عن التضامن عبر الإنترنت مع النضال الفلسطيني.. وقليلون هم الذين يجرؤون على دعم إسرائيل أو التعبير عن رسالة أكثر تعقيدا”، مضيفة: “في مثل هذا المناخ، فإن العمل في إسرائيل هو بمثابة انتحار تجاري”.
وأشارت إلى أن “جميع أشكال التعاون مع الفنانين والمؤسسات من الخارج – في الرقص والمسرح والسينما والموسيقى والفن – تبخرت بالكامل تقريبا في العام الماضي” لافتة إلى أن “معظم المقاطعة مستترة، ويتم التعبير عنها في التهرب وعدم الرد على الاستفسارات، مؤكدة أن حركة المقاطعة والمظاهرات خلقت إلغاءً هادئا، لا تحركه أجندة، بل حقيقة أن لا أحد يريد التعامل مع هذه المشكلة”.
وأوضحت أن “الأحداث الفنية التي يتم إلغاءها تنتقل إلى المعابد اليهودية أو الأماكن الصديقة أو المنازل الخاصة”، مشيرة إلى أن “فرقة (بات شيڤع) للرقص لم تغادر البلاد خلال العام الأخير بأكمله وهو أمر لم يحدث منذ عام 1965، وذلك خوفا من الانتقام بسبب الغضب الذي يبدو أنه يفيض في الوقت الحالي، بحسب ما قال المدير الفني ليئور أفيتسور لصحيفة (هآرتس) في أبريل”.
وعلى المستوى الثقافي، أوضحت الصحيفة أن “الأدب المحلي والنشر تعرضا لضربة قاسية، وقالت الوكيلة الأدبية ديبرا هاريس، التي تمثل حقوق أعمال العديد من الكتاب الإسرائيليين، إن حجم مبيعاتها انخفض بنحو 80٪ في العام الماضي”. مبينةً أن “الكاتبة والمترجمة الإسرائيلية دينا روبينا ألغت اجتماعاً كان مقرراً على شرفها في جامعة لندن بعد أن طلب منها التعبير بسرعة عن موقفها من الصراع، وفي وقت سابق، انسحبت الشاعرة أوريت جيدلي من برنامج الكتابة الدولي للكتاب بجامعة (أيوا) بعد مقاطعتها”.
ونقلت الصحيفة عن زيف لويس من أحد دور النشر قوله: “إنه ليس الوقت المناسب لبيع العمل الإسرائيلي في الخارج”.
وعلى المستوى الرياضي أيضا، ذكرت الصحيفة أن “الوضع المتوتر يؤثر سلبا على الرياضة الإسرائيلية، وقد كان الهجوم العنيف على مشجعي مكابي تل أبيب في أمستردام في وقت سابق من هذا الشهر أكثر الحوادث تطرفا، لكن العام الماضي ألحق أضرارا بالغة بنشاط الفرق الرياضية الإسرائيلية، حيث جميع الأندية مجبرة على استضافة المباريات في الخارج فقط، وتجد صعوبة بالغة في التعاقد مع لاعبين معززين أجانب” مشيرة إلى أن “العديد من اللاعبين اختفوا طوال العام، بعد أن تم التعاقد معهم هنا بجهد كبير”.
وفي مجال صناعة السلاح، ذكرت الصحيفة أنه “لسنوات، كانت أجنحة المعارض لشركات الأسلحة الإسرائيلية عامل جذب رئيسي في معارض الصناعات الدفاعية في جميع أنحاء العالم… ولكن بعد اندلاع الحرب، سرعان ما تحول الرأي العام العالمي نحو الفلسطينيين، وأدى حجم الدمار والموت في غزة، إلى تحويل صورة إسرائيل إلى مهووس متعطش للدماء، ولم تعد الضيف الذي يريد أحد دعوته إلى مؤتمر للشركات التي تفضل أن يشار إليها بكلمات مثل (الدفاع) و (الأمن)، من أجل تليين صورتها”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه “في يونيو الماضي منع الفرنسيون الشركات الإسرائيلية من تقديم عطاءات في معرض الأسلحة البرية الأوروبي، وفي نوفمبر، تم اتخاذ خطوة مماثلة في معرض الأسلحة (إيرونافال)”.
ونقلت الصحيفة عن الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية: “حقيقة أنهم وضعوا لافتة على أبواب المعرض لوحة مكتوب عليها (ممنوع دخول الإسرائيليين) تعيدني، شخصيا، إلى الأوقات المظلمة”.
واعتبرت الصحيفة أن “الخطر الأكبر في مقاطعة الصناعات الدفاعية ليس الدعوة إلى المعارض وحجم الصادرات المحلية، بل قدرة الدولة على الدفاع عن نفسها ومواطنيها، ففي الأشهر الأخيرة، أعربت المزيد والمزيد من الدول عن دعمها العلني لخفض التجارة مع شركات الدفاع الإسرائيلية، بما في ذلك بريطانيا وإيطاليا وأستراليا وإسبانيا، ولا يتعلق الأمر فقط بطلب الأسلحة وأنظمة الدفاع من إسرائيل، ولكن أيضا توفير المكونات الضرورية للصناعة المحلية ، والبديل في مثل هذه الحالات هو العثور على مورد آخر أو التحول إلى الإنتاج المحلي، وهما مهمتان معقدتان”.
وتطرق التقرير إلى التصنيفات الاقتصادية، ونقل عن الخبير يائير أفيدان المشرف السابق على البنوك قوله إن: “وكالات التصنيف الائتماني لا ترحم أبدا، فلديها اقتصاديون ومحللون، ونماذج منظمة للغاية وطريقة واضحة لإعطاء درجات التصنيف، وهم يتابعون ويحللون العمليات التي تجري في إسرائيل، ووفقا لذلك، فإنهم يرتبون، وأهمية تخفيض التصنيف هي أن مواطني إسرائيل سيدفعون أكثر بكثير مقابل ديون البلاد وسترتفع التكاليف، كما أنه يضر بقدرة الصناعات المحلية على زيادة رأس المال، وقد لا تكون هذه هي النهاية، فقد نستمر في التدهور، وربما حتى إلى ما دون درجة الاستثمار وهو ما من شأنه أن يلحق بنا المزيد من الضر”.
ونقلت الصحيفة عن البروفيسور أودي نيسان، الخبير في الاقتصاد العام في الجامعة العبرية والرئيس السابق لقسم الميزانية في وزارة المالية قوله: “الناس يخافون مما سيحدث إذا وضعوا أموالهم في إسرائيل، والنتيجة هي أن ذلك يقلل من الصفقات، ويوقف تقديم استثمارات رأس المال الاستثماري ويعيق التعاون.. إنها عملية لم تحدث من قبل، وليس عليك أن تصبح أبرص حتى ينأى الناس بأنفسهم عنك، بل يكفي الاعتقاد بأنك قد تكون أبرص أو أنك معرض لخطر كبير من أن تكون أبرص في غضون ثلاث سنوات، وهذه ظاهرة تظهر عليها المزيد والمزيد من العلامات، البعض يقول ذلك علانية، والبعض الآخر لا يقوله، ولكن طالما أن اليمين المتطرف الذي يريد الاستيطان في غزة هو جزء من الحكومة، فإن فرصنا في أن نعتبر مصابين بالجذام تماما آخذة في الازدياد”.