تقرير خاص – يمن إيكو
مجدداً، عادت إلى الواجهة ملفات فساد بيع وشراء وتبادل قطاعات النفط بين الشركات العاملة في حقول النفط اليمنية، بمساعدة نافذي حكومة الرئاسي خارج القوانين والسيادة اليمنية.
عودة هذه الملفات أتت هذه المرة على ألسنة مسؤولي الجهات الحكومية نفسها، معترفةً صراحةً بخروج القطاعات النفطية عن سيطرتها، وأن مسرح عمليات الإنتاج والتصدير تجري خارج دوائرها وعلى أيدي جهات تابعة للتحالف.
جاء ذلك في ردود هيئة استكشاف النفط ووزارة النفط، التابعتين لحكومة الرئاسي، على أسئلة لجنة برلمانية للرئاسي المشكل من قبل الرياض، والتي تأتي مهمتها في سياق محاولة التحالف إيجاد صيغة اتفاق أحدث بين أدواته الجديدة، لضمان استمرار السيطرة على النفط اليمني.
ووفق تقرير اللجنة الصادر مطلع فبرير الجاري؛ اعترفت الحكومة ممثلةً في جهاتها المعنية بتفاصيل فساد مركب شمل بيع وشراء ومناقلة حصص، وتنازل شركات لأخرى عن حصصها في تلك القطاعات، وتهميش وإقصاء وغيرها، بدون معرفة مسؤولي القطاعات أنفسهم.
الأخطر من ذلك أن أكثر من طرف نافذ في القطاعات النفطية تصرّف وفق مصلحته الفئوية، فأمضى على بيع حصص شركة لشركة أخرى، بعد أن تم رفضها- مثلاً- من طرف وزارة النفط أو هيئة استكشاف النفط في الحكومة الموالية للتحالف، ما يعني أن كل طرف من الأطراف التابعة للتحالف له أجندته ومصالحه الخاصة، بينما حكومة الرئاسي نفسها مشغولة خارج واقع البلاد.
وفي سياق الاعترافات الحكومية بذلك، أوضح رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط، المُعين من حكومة الرئاسي، خالد باحميش، أن الهيئة تلقت بتاريخ 20 مايو 2022م طلباً من شركة (OMV) يتضمن الرغبة في بيع حصتها في قطاع اس العقلة2 والقطاعات الاستكشافية المشاركة فيها بقطاع جردان3 وقطاع عتق70، لشركة سيبيك، وتم الرفض، وفي تاريخ 25 نوفمبر 2022م تقدمت شركة (OMV) بالطلب نفسه ولكن بالبيع لشركة (ZENITH) الهولندية وتم الرفض.
وأقرّ باحميش أن وزارة النفط والهيئة بعد رفضهما للطلبين السابقين فوجئا بإعلان شركة زينيث المفروضة بتاريخ 3 يناير 2023م بأنها استحوذت على حصة شركة (OMV) النمساوية، في القطاعات (اس2 و3 و70) ما دفع بوزارة النفط الموالية للتحالف إلى نفي مجريات الصفقة وعدم معرفتها بها، غير أن باحميش لم يذكر الطرف أو الجهة التي فرضت الشركة الجديدة، في اعتراف صريح بخروج تلك القطاعات عن سيطرة حكومة الرئاسي.
وحول قضية استحواذ شركة أوكتافيا للطاقة (شركة بريطانية متعددة الجنسيات شريكها في اليمن نبيل هائل سعيد) على حصص ملاك قطاع (إس1) تهرب باحميش من ذكر تفاصيل الصفقات المشبوهة للشركة، مكتفياً بالاسترسال حول ما أسماه إنجازات شركة أوكتافيا للطاقة، وبما يوحي بأنه تم إحلال الشركة بدلاً عن الشركات المعتمدة وفق اتفاقيات قانونية جرت قبل تاريخ الحرب والحصار، وبدون أي مصوغ قانوني.
واستحوذت “شركة أوكتافيا للطاقة” البريطانية خلال سنوات الحرب والحصار على حصص الشركات المعتمدة في قطاع مالك (9) في حضرموت، وقطاع داميس (2S) في شبوة، وفق دراسة كشفت- في إبريل 2022- عن صفقات فساد ومجريات بيع وشراء مكّنت أوكتافيا من احتياطات نفطية وغازية تقدر بـ102 مليون برميل من النفط والغاز في حضرموت وشبوة.
ووفق الدراسة التي نشرها المتخصص عبد الغني جغمان؛ التهمت شركة أوكتافيا حصة الدولة التي تمثلها المؤسسة العامة اليمنية للنفط والغاز في قطاع مالك (9) حضرموت البالغة 15%، إلى جانب استحواذها خلال 2016-2019م على حصص شركة كالفالي بتروليوم قبرص المحدودة في القطاع نفسه.. وفي أواخر عام 2018 استحوذت أوكتافيا على نسبة 75% من شركة أوكسيدنتال يمن في قطاع داميس (1S) في محافظة شبوة، لتصبح الحصص موزعة في قطاع مالك (9) بحضرموت في 2022م على شركة أوكتافيا 50% وشركة ميدكو 25% (إندونيسية) وشركة هود وايل 25% (أيضاً تتبع نبيل هائل) وفق الدراسة.
وفيما يتعلق بالإنتاج اليومي من النفط الخام في قطاع مالك 9 أكد رئيس هيئة استكشاف النفط باحميش- في معرض رده على أسئلة برلمانية الرئاسي- أن حجم الإنتاج وصل عند عودته في عام 2019م إلى 3500 برميل يومياً وتحسن إلى أن وصل 6500 برميل يومياً في نهاية 2021م.. مشيراً إلى أن إجمالي ما أنتجته (OMV) النمساوية من قطاع أس 2 (العقلة) خلال عام 2022م بلغ 1.558 مليون برميل، وما أنتجته شركة كالفالي الكندية من قطاع 9 (مالك) حضرموت بلغ 1.330 مليون برميل.
واعترف باحميش أيضاً أن الشركات المحلية -المسيطر عليها من قبل التحالف والنافذين الموالين له- تقوم بالإنتاج اليومي من القطاعات (18 صافر، 4 غرب عياد، 14 المسيلة، 53 شرق سر، 51 شرق الحجر، 10 شرق شبوة، 32 حواريم، 5 جنة) بدون إشراك هيئة الاستكشاف، مؤكداً أن تلك الشركات ترفض تسليم الهيئة أو الوزارة تقارير إنتاج النفط وتعمل بدون رقابة حكومية. ولم تظهر نتائج إيجابية من العمليات التشغيلية التي تقوم بها بعد استلامها من المشغل الأجنبي، وبزيادة إنتاجية كبيرة ما تزال مغيبة عن الهيئة.
ويصل حجم إجمالي الإنتاج النفطي الذي كان متوقعاً خلال العام الجاري 2023م إلى 6.285 مليون برميل، موزعة على: قطاع إس 2(العقلة) الذي تشغله شركة (OMV) النمساوية 2.007 مليون برميل (بواقع 5500 برميل يومياً) قطاع 9 (مالك) كالفالي الكندية 3.467 مليون برميل بواقع 9500 برميل يومياً، قطاع 1(داماس) أوكتافيا البريطانية 810 آلاف برميل، فيما يلف غموض التوقعات القطاعات المشغلة بشركات محلية يسيطر عليها التحالف عبر أدواته من فصائل الإخوان والمؤتمر الموالين له، وتعمل تلك الشركات بلا رقابة حكومية في القطاعات التي تشغلها (14، 10، 53، 51، 32، 5، 18، 4).
ما تضمنه التقرير- الذي تجاهل الحديث عن مصير ومصارف عائدات تلك الكميات من النفط الخام والتي تورد إلى بنوك الرياض- من تفاصيل ناقدة للشركات المحلية الخارجة عن سيطرة الحكومة والمسيطر عليها من قبل أطراف تابعة للتحالف؛ لا يعدو عن كونه محاولة عبثية للوصول إلى اتفاق جديد بين أدوات التحالف الجديدة، يفضي هذا الاتفاق إلى استمرار الحرب ومع استمرار الفساد بغطاء برلماني لا مشروعية له، بينما يظل الخاسر الكبير هو الشعب اليمني.
وتبعاً لذلك، فإن مجريات العمل في القطاعات النفطية، إنتاجاً وتصديراً ومناقلة وبيعاً وشراء أو محاولة التنازل عن الحصص تحججاً ببنود اتفاقيات تشغيل القطاعات، ليس لها أي مصوغ قانوني، كون البلاد تمر بمرحلة استثنائية من الحروب، وتبعاً لذلك وبموجب القوانين والدساتير الدولية، تظل ثروات البلاد السيادية مجمدة حتى تصل إلى سلام يضمن تسخير تلك الثروات لصالح الشعب اليمني، فضلاً عن كون تلك المجريات تتنافى جزئياً وكلياً مع الاتفاقيات الموقعة والمعتمدة برلمانياً في زمن السلم (قبل عام 2015) والتي جعلت المصلحة العليا للشعب فوق كل الاعتبارات.