يمن ايكو
تقارير

📃 كورونا.. التحولات الاقتصادية وصراع الهيمنة

تقرير خاص-يمن ايكو

قد تغدو جائحة كورونا أبرز الأحداث المؤثرة في الاقتصاد العالمي، ليس من حيث الخسائر التي مُنيت بها اقتصادات الدول جراء هذه الجائحة فحسب، بل وبما خلقته من تحولات في مسار الاقتصاد، والبحث عن رؤية اقتصادية جديدة مستمدة من التعقيدات التي أفرزتها الجائحة، تقوم على التركيز على خلق اقتصاد قادر على مقاومة الصدمات المفاجئة ويحمي البشر والمجتمع بصورة مستدامة، وقد اتجهت الدول المهيمنة اقتصادياً بالفعل نحو إنتاج هذه الرؤية، وإن كانت تفعل ذلك وفقاً لحسابات تمس هيمنتها في المقام الأول.

ترسم التصورات والطروحات الحالية ملامح مغايرة لشكل الاقتصاد العالمي في أعقاب انحسار الجائحة، حيث تتوافق الرؤى على خفوت مفهوم العولمة الاقتصادية، في مقابل تصاعد حالة من الانغلاق بين الدول والانكفاء على الإنتاج المحلي وضمان الاكتفاء الذاتي للدول.

وفي موازاة تلك الصورة لاقتصاد ما بعد كورونا، تتجاذب القوى الاقتصادية الكبرى في سبيل استغلال التحول الذي تنذر به الجائحة العالمية، وتحويله إلى فرص للهيمنة الاقتصادية، ويمثل الصراع الصيني الأمريكي أبرز تمظهرات ذلك الصراع.
جانب مهم من الاستغلال والتوظيف الاقتصادي للجائحة، يعبر عنه الصراع القائم حول لقاحات كورونا، سيما بين الصين وأمريكا، حيث تسعى الأخيرة إلى حرمان الصين من استخدام ميزة القوة الناعمة، في مصلحة مشروعها الاقتصادي الاستراتيجي “طريق الحرير” وإبراز نفسها كقوة عالمية مسئولة، وهو ما ضاعف من الانزعاج الغربي، وبشكل خاص أمريكا التي ترى في الصعود الاقتصادي المتنامي للصين تهديداً فعلياً لها.

وبالإضافة إلى ما يمثله من أداة لفرض السيطرة على الدول النامية والفقيرة، وما سترتبط به من صفقات على حساب هذه الدول، فقد مثل اللقاح المضاد لكورونا فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، جعل كبريات الدول تتسابق على إنتاجه، وهو ما دفع بها إلى ما عرف بـ “حرب اللقاحات”، ولجوء الدول المنتجة للقاح إلى التشكيك في لقاحات بعضها، ولا سيما أمريكا والصين وروسيا، إضافة إلى السباق الذي تسعى من خلاله الدول إلى امتلاك اللقاح وتأمين مواطنيها، رغم التحذيرات من أن اعتماد سياسة حصر الوباء في مناطق معينة من العالم لن يكون ذا جدوى في القضاء عليه.

وبالعودة إلى المكاسب المالية والثروات التي يمكن أن يوفرها اللقاح، فقد قدرت جهات استثمارية عالمية قيمة السوق العالمية للقاحات بنحو 70 مليار دولار هذا العام، فيما توقع صانعو الأدوية، بقيادة شركتي فايزر Pfizer) وموديرنا (Moderna) ) الأميركيتين جني عشرات المليارات من الدولارات من لقاحات كورونا هذا العام والعام المقبل، بعد أن تعهدت قمة مجموعة السبع الأخيرة بأن يحصل جميع سكان العالم على اللقاح بنهاية عام 2022، مع ترجيحات بانخفاض المبيعات بشكل حاد بعد ذلك، ويبلغ متوسط قيمة جرعتي اللقاح من الشركتين نحو 30 دولاراً، في وقت تعهدت شركتا أسترازينيكا (AstraZeneca) البريطانية السويدية، وجونسون أند جونسون (Johnson & Johnson) الأميركية بتقديم لقاحاتهما على أساس غير هادف للربح حتى انتهاء الوباء.

من جهتها توقعت شركة فايزر، الشهر الماضي، أنها ستجني 26 مليار دولار من أرباحها في عام 2021، وهو ثلث الإيرادات السنوية. وكان هذا بناءً على الطلبات التي تلقتها، فيما رفع “مورغان ستانلي” تقديراته لشركة فايزر إلى 33 مليار دولار في عام 2021، و32 مليار دولار في عام 2022، لينخفض إلى النصف 16.5 مليار دولار في عام 2023، و8.2 مليار دولار في عام 2024.

ووفقاً للبيانات التي نشرتها بلومبيرغ، فإن هذه تُعدّ أكبر حملة تطعيم عالمية في التاريخ، إذ أُعطي أكثر من 2.5 مليار جرعة في 180 دولة، وهو ما يكفي لتحصين 16.4٪ من سكان العالم بشكل كامل، ولكن مع تفاوت كبير في التوزيع، حيث لُقِّحَت شعوب البلدان والمناطق ذات الدخل المرتفع بمعدل أسرع 30 مرة من البلدان ذات الدخل المنخفض.

وكانت دول مجموعة السبع قد تعهدت في قمتها التي انعقدت في 11 يونيو الجاري بتوزيع أكثر من مليار جرعة من اللقاحات المضادة لكوفيد-19 بحلول نهاية العام 2022 على أمل القضاء على الجائحة، وفق ما أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، في ختام القمة.

وبدت ظاهرة خلال قمة الدول السبع العظمى، محاولات استخدام وباء كورونا كورقة للضغط على الصين إلى جانب أوراق أخرى تتعلق بالحقوق والحريات، وهي المحاولات التي يذهب محللون إلى أنها جميعاً تصب في خانة مواجهة الصعود الاقتصادي للصين، والذي بات يهدد بتقويض هيمنة الدول الصناعية الكبرى التي تتألف منها مجموعة السبع، والتي تضم في عضويتها كلاً من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا.

وكانت السباعية قد دعت في البيان إلى إجراء المرحلة الثانية من الدراسة التي تجريها منظمة الصحة العالمية بهدف معرفة منشأ كورونا “في الوقت المناسب وبشكل شفاف واستناداً إلى القاعدة العلمية”، مشيرة إلى ضرورة أن يشمل هذا التحقيق الصين.

ودعت المجموعة في بيانها الختامي الصين إلى “احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في منطقة سنجان ذاتية الحكم (التي تقطن فيها أقلية الأويغور) وتلك الحقوق والحريات والدرجة العالية من الحكم الذاتي الممنوحة إلى هونغ كونغ بموجب الإعلان الصيني-البريطاني المشترك والقانون الأساسي”. كما شددت على أهمية ضمان السلام والاستقرار في مضيق تايوان وشجعت على التسوية السلمية لجميع المشاكل العابرة لهذا المضيق.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً