يمن إيكو|ترجمة:
قالت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية الشهيرة إن الولايات المتحدة وبريطانيا والقوات الأوروبية فشلت بشكل واضح في وقف الهجمات البحرية التي تنفذها قوات صنعاء إسناداً لغزة، وكشفت أن المخزونات الدفاعية الأمريكية تتعرض لاستنزاف كبير وأنه لا يتم إنتاج ما يكفي من الذخائر التي تستخدم في معركة البحر الأحمر، مشيرة إلى أن الفشل الأمريكي البريطاني الأوروبي يطرح تساؤلات مزعجة حول كفاءة القوات البحرية الغربية في أي مواجهة مستقبلية مع الصين.
ونشرت المجلة مساء أمس الإثنين تقريراً مطولاً رصده وترجمه موقع “يمن إيكو”، تحت عنوان ” لماذا لا تستطيع البحرية الأمريكية وحلفاؤها وقف الحوثيين؟” جاء فيه أنه “بعد أكثر من ستة أشهر من بدء جماعة الحوثي المتمردة في اليمن تعطيل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر بشكل خطير، أصبح لزاماً على الشحن العالمي أن يتكيف مع وضع طبيعي جديد، حيث أصبحت التأخيرات والاضطرابات والتكاليف المرتفعة أسوأ، وذلك على الرغم من جهود القوات البحرية الأمريكية والبريطانية والأوروبية التي كانت متواجدة على طول الساحل في محاولة بلا جدوى لتحييد التهديد الحوثي”.
واعتبر التقرير أن “حقيقة أن القوى البحرية الرائدة في العالم تبدو وكأنها تكافح لإخضاع عصابة من المتمردين تثير تساؤلات مؤلمة حول جدوى القوة البحرية وكفاءة القوى البحرية الغربية التي يفترض أن تتحمل العبء في أي مواجهة مستقبلية مع منافس رئيسي مثل الصين، حيث تعترف البحرية الأمريكية بأنها تخوض أشد المعارك شراسة منذ الحرب العالمية الثانية”.
ونقل التقرير عن سيباستيان برونز، الخبير البحري في مركز الاستراتيجية والأمن البحري ومعهد السياسة الأمنية في جامعة كيل في ألمانيا قوله: “لقد أثبت الحوثيون أنهم قوة هائلة، إنهم جهة فاعلة غير حكومية تمتلك ترسانة أكبر وهي قادرة حقاً على إحداث صداع للتحالف الغربي”.
وأضاف: “هذا هو المستوى الأعلى في الوقت الحالي، وعندما تواجه القوات البحرية مشكلة في الاستدامة على هذا المستوى، فإن الأمر مثير للقلق حقاً”.
وقالت المجلة إنه “لكن لم يكن من المتوقع أن تستمر هذه الاضطرابات طويلاً، وخاصة بعد وصول القوات البحرية الغربية إلى الساحة لاستعادة الأمن، فقد انخفضت أقساط التأمين على شركات الشحن قليلاً عندما تم الإعلان عن النشر المشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا. واستقرت تكاليف الشحن في الربيع، على الرغم من الحملة الجارية، ولكن بعد ثمانية أشهر، أصبح تعطيل الشحن فجأة أسوأ بكثير، ففي أواخر يونيو، أغرقت هجمات الحوثيين سفينة- هي الثانية منذ أن بدأوا هجماتهم- وألحقوا أضراراً بسفينة أخرى”.
وقال التقرير إن “قائمة المحاولات والهجمات الناجحة أصبحت كالتراتيل منذ بداية العام، والبيان العام للقيادة المركزية الأمريكية مثل قرع طبول شبه يومي لتقارير عن سفن أمريكية تضرب طائرات بدون طيار وصواريخ وسفن سطحية غير مأهولة، والحوثيون، الذين استخدموا الصواريخ المضادة للسفن بفعالية كبيرة، يلجأون الآن بشكل متزايد إلى تلك الطائرات بدون طيار السطحية، بما في ذلك ما يسمى بـ [السمكة المنتفخة الحوثية]”.
وأضاف: “نتيجة لهذا، ارتفعت تكاليف حاوية الشحن من نحو 1600 دولار في المتوسط إلى ما يزيد على 5000 دولار، وفقاً لمؤسسة ستاندرد آند بورز، وأصبحت الأسعار الآن أعلى مما كانت عليه في ذروة الذعر في البحر الأحمر في وقت سابق من هذا العام”.
ونقل التقرير عن كريس روجرز، رئيس أبحاث سلسلة التوريد في شركة إس آند بي جلوبال ماركت إنتليجنس، قوله “إن تحويل مسار سفينة الحاويات حول أفريقيا يزيد من التكلفة المباشرة للشحن بإضافة 10 أيام، والكثير من الأميال، والكثير من الوقود إلى الرحلة، ولكن المشكلة الكبرى هي أن هذا يقلل فعلياً من القدرة المتاحة على النظام بأكمله بنحو 6 في المائة”.
وقال روجرز “إن سلاسل التوريد تتعافى بمرور الوقت، لكن الأحداث لا تختفي بين عشية وضحاها. وقد يستغرق هذا التأثير السلبي ستة أشهر إلى عام حتى يظهر”.
وتساءل التقرير: “كيف تمكنت عصابة من الإرهابيين البحريين في دولة اليمن الصغيرة الفقيرة من إثارة الذعر في الاقتصاد العالمي وإرباك بعض أكبر القوات البحرية في العالم؟”.
وأكد أن “القوات البحرية الأمريكية والبريطانية ومجموعة متناوبة من السفن الأوروبية تحاول استعادة حركة الشحن الطبيعي منذ بداية الحملة الحوثية تقريباً بدون نجاح يذكر، وهو ما يتضح من حقيقة أن أسعار التأمين على تغطية الحرب للسفن التي تخاطر بالمرور عبر الممر الخطير لا تزال أعلى بنحو 1000% عن مستويات ما قبل الصراع، حتى أن إحدى شركات التأمين أطلقت تأميناً خاصاً ضد الحرب هو الأول من نوعه هذا الربيع للناقلين الذين لا يمكنهم الحصول على تغطية بخلاف ذلك، وهي علامة أكيدة على أن الوجود البحري الغربي لم يجلب الهدوء إلى الأسواق”.
ونقل التقرير عن أودون هالفورسن، مدير الأمن والتخطيط للطوارئ في رابطة مالكي السفن النرويجية ونائب وزير خارجية النرويج السابق، قوله “إن هذه الأقساط المرتفعة تصل إلى حوالي 1% من قيمة سفن الشحن الضخمة في هذه الرحلة الخطرة، لكن السفن التي تتعرض بالفعل للاستهداف هي تلك المرتبطة بإسرائيل أو الولايات المتحدة أو دول أخرى يُنظر إليها على أنها تدعم إسرائيل”.
واعتبر التقرير أن “جزءاً من المشكلة هو أن القوتين البحريتين-(حارس الرخاء) الأمريكية والبريطانية من جهة، و(أسبيدس) التابعة للاتحاد الأوروبي من جهة أخرى- لديهما مهمتان مختلفتان، فالقوة الأنجلو أمريكية تهدف إلى اعتراض التهديدات وضرب مصدرها على الأرض، أما الأوروبيون فقد التزموا بمهمة مرافقة مباشرة لحماية السفن التجارية بدون خوض المعركة مع الحوثيين. ولكن أياً من الغايتين لم يفلح”.
واعتبر أن “الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لإضعاف قدرة الحوثيين على استهداف السفن انتهت إلى لعبة مكلفة، فقد أثبت الحوثيون أنهم أكثر قدرة على الحركة، وأفضل إمداداً مما كان متوقعاً في البداية، مما يجعل الانتصارات العرضية التي حققتها البحرية الأمريكية- مثل تدمير موقع رادار للحوثيين الأسبوع الماضي- مجرد قطرة في بحر”.
ونقل عن الخبير البحري برونز قوله: “يتمتع الحوثيون بمستوى مذهل حقاً من العمق في مخازنهم من الصواريخ والقذائف والصواريخ الباليستية المضادة للسفن. إنه أمر رائع، وطالما استمرت الحرب بين إسرائيل وحماس، فإن الحوثيين لديهم سبب وفرصة ليكونوا مصدر إزعاج”.
وأكد التقرير أن “عمليات النشر والاعتراضات المستمرة تسببت في تآكل مخزونات البحرية الأمريكية، وقال مساعدو الكونجرس إن الولايات المتحدة لا تنتج ما يكفي من صواريخ الدفاع الجوي القياسية التي تستخدمها سفن الحراسة الأمريكية في البحر الأحمر لإسقاط الطائرات بدون طيار والصواريخ الحوثية”.
ونقل التقرير عن أحد المساعدين، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته للحديث بصراحة عن نقص الذخائر الأمريكية قوله: “طالما ظل معدل الاحتراق مرتفعاً بشكل حاد كما كان هناك، فنحن في وضع أكثر خطورة”.
وأشار التقرير إلى أن “تكلفة هذه الصواريخ باهظة أيضاً، وتبحث البحرية مع موردين مثل رايثيون، عن بدائل أقدم وأرخص لاستخدامها ضد أسلحة الحوثيين منخفضة التقنية مع الاحتفاظ بالصواريخ المتطورة لاستخدامها في حرب مستقبلية محتملة مع الصين”.
ونقلت المجلة عن سيث جونز، نائب الرئيس الأول ومدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قوله: “مع بعض الصواريخ الباليستية أو الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ستحتاج إلى قدرات متطورة. ولكن بالنسبة للطائرات بدون طيار، فلن ترغب في إهدار أكثر من مليون دولار من الذخيرة الأمريكية عليها”.
وقال التقرير: “إذا حكمنا من خلال النتائج- حيث تستمر السفن في تحويل مسارها، وتظل أقساط التأمين مرتفعة- فإن النهج الأمريكي لم يحقق ما كان يهدف إليه”.
ونقل عن أليسيو باتالانو، الخبير البحري في كينجز كوليدج لندن قوله: “بعد أشهر من القيام بذلك، إذا لم يغير الحوثيون سلوكهم وما زالت مخزوناتهم موجودة وهم قادرون على الحركة، فقد حان الوقت للتساؤل: هل ينبغي لنا حقاً أن نفعل هذا؟”.
وأشار إلى أن “مغادرة حاملة الطائرات الأمريكية الوحيدة، يو إس إس أيزنهاور، الأسبوع الماضي، والتي كان من المقرر أن تعود إلى الوطن بعد مهمة امتدت مرتين، لم تساعد المهمة، وسوف تحل محلها في وقت ما حاملة الطائرات يو إس إس ثيودور روزفلت، ولكن فقط على حساب سحبها حاملة من بحر الصين الجنوبي، حيث كانت تظهر قوة الولايات المتحدة في خضم مواجهة خطيرة للغاية بين الصين والفلبين، حليفة الولايات المتحدة”.
واعتبر التقرير أن “هذا النوع من المناورات يشير إلى المشكلة الثانية، وهي مشكلة تشعر بها بشكل خاص القوات البحرية الأوروبية، فهي لا تملك ما يكفي من السفن للقيام حتى بالمهمة المحدودة التي حددتها للقيام بها، فقد أمضت الفرقاطة الألمانية (هيسن) بضعة أشهر في البحر الأحمر قبل أن تتعثر في محاولة فاشلة لإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار أثناء وجودها هناك، وقد كان أداء السفن الأوروبية الأخرى أفضل، ولكن ببساطة لا يوجد ما يكفي منها للحفاظ على نوع الغطاء المستمر من المحيط الهندي إلى قناة السويس الذي سيكون ضرورياً لجعل مرافقة الشحن ممكنة”.
ويرى التقرير أن “الفشل الواضح للمهمة الأمريكية والأوروبية لتأمين البحر الأحمر لا يشكك بالضرورة في جدوى القوة البحرية في المهام رفيعة المستوى، فعلى الرغم من الوتيرة العملياتية المتواصلة، اعترضت السفن الأمريكية والبريطانية والأوروبية ودمرت عدداً من المقذوفات الحوثية، لكنها لم تتمكن من إقناع السفن التجارية بالعودة إلى تلك المياه الخطرة”.
ونقل التقرير مرة أخرى عن الخبير البحري برونز قوله: “إننا نعتبر الأمن البحري أمراً مسلَّماً به، ولكن انعدام الأمن البحري هو القاعدة. إننا نعتقد دائماً أن الأمور سوف تسير على ما يرام، وهذا نوع فريد من العمى البحري”.
وأضاف: “علينا أن نسأل أنفسنا: ما هو مستوى انعدام الأمن البحري الذي يمكننا أن نتعايش معه، ومن سيتحمل التكلفة؟”