يمن ايكو
أخبارتقارير

كابلات الانترنت الدولية: هل كشفت الصحافة العالمية مؤامرة أمريكية خطيرة في قاع باب المندب دون قصد؟

يمن إيكو| تقرير:

“كابلات الإنترنت العالمي التي تمر من مضيق باب المندب تحت قبضتنا”
تلك عبارة انتشرت في أكبر وسائل الإعلام الغربية، ووسائل إعلام عربية تابعة لدول حليفة للولايات المتحدة، حيث نسبت تلك العبارة تارة إلى جماعة أنصار الله، وتارة لحزب الله اللبناني، وأخرى للحشد الشعبي في العراق.
ونشرت مواقع تابعة لقنوات فضائية مثل قناة الحرة الأمريكية، ودي دبليو الألمانية، والعربية السعودية تلك العبارة، وزعمت أنها صادرة عن جماعة أنصار الله، ثم راحت كل واحدة منها تقدم معلومات عن الكابلات البحرية للإنترنت في باب المندب وخطورة وجود تهديد يستهدفها، وكأن هناك إرادة ما تريد أن تصور للعالم أن هناك تهديدا من قبل أنصار الله الحوثيين لكابلات الإنترنت الدولية في باب المندب.. ولكن لماذا؟ هذا ما سيحاول موقع “يمن إيكو” الإجابة عنه خلال السطور التالية:

الكل يهدد باستهداف الكابلات ما عدا الحوثيين!


تتبع فريق “يمن إيكو” تلك العبارة التي نسبت لعدة حركات، وعلى نحو أكبر نسبت لأنصار الله الحوثيين في اليمن، ليجد أن أول من روج لذلك التهديد ونسبه للجماعة كانت المتحدثة الأمريكية إيميلي مليكين وهي نائب رئيس شركة Askari Defense & Intelligence وهي شركة لإدارة البرامج والاستشارات، مقرها في أرلينغتون بولاية فيرجينيا الأمريكية، واستضافها منتدى الخليج الدولي، وزعمت أن قناة في تطبيق تليجرام نشرت “خريطة توضح شبكات كابلات الاتصالات البحرية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي” وأضافت أن المجموعة المزعومة علقت على الخريطة بتلك العبارة “كابلات الإنترنت العالمي التي تمر من مضيق باب المندب تحت قبضتنا”.

المتحدثة الأمريكية مليكين زعمت أن تلك المجموعة في التليجرام مرتبطة بمن وصفتهم بـ “الحوثيين” دون أن تسمي تلك المجموعة أو توضح كيف يمكن البناء على منشور في قناة تواصل اجتماعي للحديث عن قضية خطيرة، ونسبها لجماعة لطالما نفت أي نية لاستهداف الكابلات الدولية.

بعد ذلك كان من الغريب أن تتخلى صحف عالمية مثل “وول ستريت جورنال” و”فورين بوليسي” الأمريكيتين و”الغارديان” وشبكة “بي بي سي” البريطانيتين وعشرات الصحف والقنوات العالمية عن المهنية، وتردد نفس الخبر أن مجموعة في تليجرام تزعم أنها محسوبة على أنصار الله الحوثيين، تلمح إلى إمكانية استهداف كابلات الإنترنت في باب المندب بنفس الطريقة التي لا تحدد اسم تلك المجموعة أو كيف تم اعتبارها ناطقة باسم الحوثيين الذين يملكون قنوات رسمية شهيرة وناطقين رسميين عسكريين وسياسيين.

صحيفة “فورين الأمريكية نشرت خبراً أمس الأربعاء بعنوان “الهدف التالي للحوثيين قد يكون تحت الماء” وقالت إنه في أواخر ديسمبر الماضي “نشر حساب مرتبط بالمسلحين الحوثيين على تطبيق تيليجرام ما بدا أنه تهديدات ضد عشرات كابلات الألياف الضوئية التي تمر عبر مضيق باب المندب غرب اليمن” ومن جديد تكرر الصحيفة ذات العبارة وذات التوصيف عن مجموعة مجهولة في تليجرام، دون أن تذكر اسمها، ولا كيف أصبحت مصدراً للتعبير عن الحوثيين.

لم يختلف الأمر في صحيفة الغارديان البريطانية التي نشرت خبراً رصده “يمن إيكو” في 5 فبراير الجاري بعنوان يحذر من تهديد الحوثيين للكابلات البحرية في باب المندب وقالت إنه ” نشرت قناة تيليجرام مرتبطة بالحوثيين خريطة للكابلات الممتدة على طول قاع البحر الأحمر. وأرفقت الصورة برسالة تقول: “توجد خرائط للكابلات الدولية التي تربط جميع مناطق العالم عبر البحر. ويبدو أن اليمن في موقع استراتيجي، حيث تمر بالقرب منه خطوط الإنترنت التي تربط قارات بأكملها” إنها ذات العبارة ولكن بترجمات مختلفة.

وعلى سبيل المثال بثت قناة العربية السعودية تقريراً مصوراً حول الموضوع ذاته وبدأته بذات العبارة التي تتحدث عن مجموعة تليجرام مرتبطة بالحوثيين نشرت خريطة للكابلات في باب المندب وقالت “كابلات الإنترنت العالمي التي تمر من مضيق باب المندب تحت قبضتنا” ثم راحت القناة توضح معلومات عن وجود 20 كابلا بحريا متصلة بمحطات الإنترنت الدولية في قاع باب المندب.

تجاهلت كل تلك الوسائل باستثناءات معدودة الإشارة إلى بيانات وزارة الاتصالات في صنعاء التي نفت بشكل قاطع وجود أي تهديد يمني للكابلات البحرية في باب المندب، بل وحذرت من أي محاولة للمساس بها، فيما نشرت جمعية الإنترنت العالمية عبر فرعها في اليمن بياناً حصل عليه “يمن إيكو” وصدر أمس الأول يقول “حرصاً منا في جمعية الانترنت العالمية – فرع اليمن على استيضاح الموضوع تم التواصل بقيادة وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في صنعاء لتوضيح ما جاء في هذه الادعاءات”.

وأضافت أن “وزارة الاتصالات تؤكد أن كل ما يُروج له مؤخراً من مزاعم تهديدات للكابلات البحرية، أكاذيب مفبركة الهدف منها هو التغطية على الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة وبدعم أمريكي وغربي لا محدود”.

من يريد خلق مشكلة دولية في البحر الأحمر؟

لا يمكن فك لغز إصرار وسائل الإعلام الغربية، وخصوصاً الأمريكية والبريطانية، على التخلي عن المهنية وإثارة المخاوف بشأن شريان عالمي للأنترنت في باب المندب، إلا من خلال معرفة من يريد أن يصوّر للعالم وجود مشكلة دولية في البحر الأحمر؟

وللإجابة على هذا السؤال تأتي البداية من آخر تقرير نشرته وكالة رويترز أمس الأربعاء، وأكد أن الملاحة الدولية في البحر الأحمر تمضي بشكل طبيعي، باستثناء السفن الإسرائيلية والبريطانية والأمريكية، وهي الدول التي أعلنت قوات صنعاء أو الحوثيين استهداف ملاحتها من أجل وقف الحرب على غزة، وردا على الهجمات العسكرية الأمريكية البريطانية على اليمن، وجاء ذلك التقرير ليجهز على الرواية الأمريكية التي زعمت وجود تهديد للملاحة الدولية في البحر الأحمر.

منذ بدء الهجمات اليمينية في البحر الأحمر في 19 نوفمبر، لمنع الملاحة الإسرائيلية، حاولت الولايات المتحدة تقديم تصور عن وجود تهديد للملاحة الدولية، لإقناع الدول بالانضمام لتحالف بقيادتها لمهاجمة الحوثيين، لكن ذلك لم يقنع معظم دول العالم، باستثناء بريطانيا التي انضمت إلى جانب الأمريكيين في تحالف بدأ في 11 يناير الماضي في توجيه ضربات عسكرية ضد قوات صنعاء أو الحوثيين، وقوبلت بإدانة معظم دول العالم التي لم تقتنع بالرواية الأمريكية.

إن الرواية الأمريكية عن وجود تهديد للملاحة الدولية يمكن دحضه بمجرد دخول أي تطبيق يقدم خدمات تتبع حركة الملاحة، التي ستظهر وجود مئات السفن التي تعبر البحر الأحمر يومياً، وبالتالي يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة وبريطانيا لم تجدا سوى الترويج لتصور جديد لا يمكن التحقق منه بسهولة، وليس هناك أنسب من الحديث عن خطر في ظلمات البحر “تهديد الكابلات البحرية في قاع باب المندب” لكن الغريب هو الاعتماد في هذه الرواية الخطيرة على مجموعة مجهولة في تطبيق تليجرام، وبزعم أنها مرتبطة بالحوثيين، دون تسميتها.

ربما تعتقد الولايات المتحدة أن خلق تهديد دولي في البحر الأحمر سيقنع الدول بالانضمام إلى تحالفها ضد الحوثيين، ما قد يشعر تلك الدول بأن الولايات المتحدة قد تقدم بنفسها على استهداف الكابلات البحرية، لإجبارها على الانضمام للتحالف، فما يخيف دول العالم ليس من سيقوم بالاستهداف لكابلات الانترنت الدولية في باب المندب، وإنما تخشى أن يحدث الاستهداف ذاته.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً