يمن ايكو
أخبارتقارير

كيف تعاملت صنعاء مع الانخفاض العالمي لأسعار الغذاء خلال العام 2023؟

يمن إيكو| تقرير:

شهد العام 2023 انخفاضاً عاماً في الأسعار العالمية للغذاء، وفقاً لمؤشر الغذاء الخاص بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) المتضمن خمسة مؤشرات للحبوب والزيوت واللحوم والسكر والألبان، حيث سجل المؤشر 130.2 نقطة في يناير 2023 وانتهى بتسجيل 118.5 نقاط في ديسمبر المنصرم .

ومقارنة بالعام 2022 الذي ارتفع مؤشر الغذاء خلاله إلى أعلى مستوى له في شهر مارس بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مسجلاً 159.7 نقطة، فإن أسعار الغذاء العالمي، اتسمت بانخفاض تدريجي وتغيرات شهرية طفيفة خلال 2023.

في اليمن انعكس هذا الانخفاض العالمي بشكل متفاوت بين مناطق الحكومة اليمنية التي شهدت انفلاتاً وتضخماً لأسعار المواد الغذائية الأساسية وفقاً لتقارير دولية، مقارنة بمناطق حكومة صنعاء التي شهدت انخفاضاً في الأسعار خلال النصف الأول للعام 2023 واستقراراً سعرياً خلال بقية العام.

وأكد تقرير نشره البنك الدولي في أكتوبر الماضي، وجود تباين كبير في أسعار الغذاء بين مناطق حكومة صنعاء ومناطق الحكومة اليمنية، مشيراً إلى أن صنعاء شهدت انخفاضاً حاداً للأسعار خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2023، وتراجعاً للتضخم من 20.5% إلى 2.2%، في حين أن ما حدث في عدن كان العكس، حيث ظلت الأسعار مرتفعة ووصل التضخم إلى 34.7% خلال العام الجاري متراجعاً بنسبة ضئيلة قدرها 5% تقريبا.

وأرجع اقتصاديون أسباب انخفاض الأسعار واستقرارها في مناطق حكومة صنعاء إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي:

1. الاستقرار النسبي لأسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.
2. تخفيف التحالف للقيود المفروضة على موانئ الحديدة وارتفاع وتيرة النشاط الملاحي في الميناء.
3. التدخلات الحكومية في تحديد السقوف العليا لأسعار المواد الغذائية الأساسية ومتابعة تنفيذها على أرض الواقع.

• استقرار أسعار الصرف
يعتبر سعر صرف العملة المحلية محدداً رئيسياً لأسعار المواد الغذائية في اليمن نظراً لاعتماد البلاد الكبير على الواردات، التي تشمل نحو 90% من إجمالي الغذاء الذي يستهلكه اليمنيون.

وساهم الاستقرار النسبي لسعر صرف الريال اليمني- دون 530 ريالاً للدولار- في مناطق حكومة صنعاء في استقرار الأوضاع التموينية، ومنح التجار والمستوردين ثقة أكبر في قدرة الحكومة على ضبط القطاع المصرفي.

وهذا ما أكدته العديد من التقارير والدراسات الدولية خلال العام 2023م، حيث أشار تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى أن أسعار الغذاء العالمية تراجعت خلال شهر يونيو الماضي، لكن كثيراً من المواطنين في مناطق الحكومة اليمنية لم يستفيدوا من هذا التراجع، مرجعاً ذلك إلى هبوط قيمة العملة المحلية، وبالتالي جعل أسعار المواد الغذائية المستوردة أكثر تكلفة، حيث استمر الريال اليمني في التراجع أمام الدولار الأمريكي بنسبة 4% في مناطق الحكومة اليمنية، بينما بقي سعر الصرف في مناطق حكومة صنعاء مستقراً مقابل الدولار، حيث ارتفع بنسبة 2% خلال شهر يونيو 2023م.

وبخصوص أسعار الغذاء أوضح التقرير أن تكلفة سلة الغذاء ظلت مستقرة في مناطق الحكومة اليمنية، بينما انخفضت في مناطق حكومة صنعاء، على أساس شهري (4%) وعلى مدى العام الماضي (16%) بما يتماشى مع اتجاهات أسعار السلع الأساسية، التي ظلت بدون تغيير بشكل عام في غالبية المناطق، لكنها كانت أعلى بكثير في مناطق الحكومة اليمنية، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

الثبات النسبي لأسعار صرف العملة المحلية في مناطق حكومة صنعاء كان الأساس الذي اعتمدت عليه توقعات التقارير الدولية بخصوص أسعار الغذاء في اليمن خلال العام 2023م.

حيث توقع تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في نشرة السوق لشهر أغسطس 2023م، ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية خلال الأشهر الثلاثة القادمة في مناطق الحكومة اليمنية مع استقرار نسبي للأسعار في مناطق حكومة صنعاء.

وقال تقرير الفاو: “من المتوقع أن تتجه أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى الارتفاع خلال الأشهر الثلاثة المقبلة؛ والمتبقية من العام الجاري 2023، بحيث ستكون أعلى من متوسط الزيادة للسنوات الثلاث الأخيرة، خاصة في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، مع استقرار نسبي في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين”.

وعلى النقيض أدى فشل الحكومة اليمنية في السيطرة على سعر صرف العملة المحلية إلى ارتفاع أسعار الغذاء في مناطقها، حيث أوضح برنامج الأغذية العالمي في تقريره لشهر سبتمبر الماضي بشأن اليمن إنه “على الرغم من المنحة البالغة 200 مليون دولار والتي تم الإعلان عن تقديمها للبنك المركزي اليمني في عدن بحلول أوائل أغسطس 2023م، استمر الريال اليمني في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية بالانخفاض مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 4% مقارنة بالشهر السابق، وبنسبة 23% مقارنة بالعام السابق ليصل إلى 1,453 ريال للدولار الواحد في نهاية أغسطس”.

وأضاف أنه “بالمقابل، ظل سعر صرف العملة المحلية دون تغيير عند 526 ريال يمني للدولار الأمريكي في المناطق الخاضعة لسلطات صنعاء مقارنة بالشهر السابق”.

وبحسب البرنامج، فإن “تكلفة الحد الأدنى من سلة الغذاء ظلت دون تغيير في جميع أنحاء البلاد مقارنة بالشهر السابق” لكنها “انخفضت على أساس سنوي بنسبة 21% في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، وبنسبة 5% فقط في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية”.

وقال تقرير نشرته الوكالة الأمريكية للتنمية، في سبتمبر الماضي، إن تكلفة السلة الغذائية في مناطق سيطرة حكومة صنعاء انخفضت بنسبة 13% بالمقارنة مع العام الماضي، وارتفعت في مناطق الحكومة اليمنية بنسبة 7% بالمقارنة مع العام الماضي”.

• تخفيف القيود على موانئ الحديدة
لا يمكن الحديث عن التغيرات السعرية في مناطق الحكومة اليمنية بمعزل عن ميناء الحديدة، فقبل اندلاع الحرب عام 2015 كان الميناء بمثابة الشريان الرئيس لاستيراد نحو90% من احتياجات البلاد من المواد الغذائية والأدوية والمشتقات النفطية والبضائع، لكن الميناء بحكم موقعه، كان في دائرة الاستهداف، عسكرياً وملاحياً، خلال سنوات الحرب.

وعلى مدار نحو 9 سنوات من الحرب والحصار على اليمن، تعرض الميناء للاستهداف المباشر من قبل التحالف، كما فُرضت قيود على حركة السفن إليه، مما كبده خسائر تجاوزت 3 مليارات و254 مليون دولار، بحسب تصريحات مؤسسة موانئ البحر الأحمر.

وأسهمت القيود المفروضة على موانئ الحديدة- الأقرب لـ 80 % من الأسواق اليمينة- في إنتاج الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، بحسب وصف الأمم المتحدة.

اقتصاديون يؤكدون أن القيود التي فرضت على الميناء كانت إحدى أدوات الحرب الاقتصادية التي استخدمها التحالف، من خلال تحويل النشاط التجاري إلى الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية عام 2017، الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع بنسب تجاوزت 300 % كنتاج لعدة عوامل، منها رفع الحكومة اليمنية سعر الدولار الجمركي من 250 ريالاً إلى 500، ثم إلى 750 ريالاً، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل من ميناء عدن، ناهيك عن الجبايات وفرض الرسوم غير القانونية على شاحنات نقل البضائع.

كل هذه المعطيات أدت إلى تزايد المطالبات المحلية والدولية بضرورة إنهاء الحصار على ميناء الحديدة، وترافق توقيع الهدنة في أبريل 2022م مع تخفيف نسبي للقيود المفروضة على دخول سفن الوقود والسلع الغذائية والبضائع إلى موانئ الحديدة، إلا أن اتجاه الميناء نحو استعادة حركة الملاحة بوتيرتها المعهودة بدأ في فبراير 2023م، حيث شهد الميناء حركة تجارية متزايدة، خاصة مع التسهيلات التي منحتها حكومة صنعاء للتجار والمستوردين، وعلى رأسها الحفاظ على سعر الدولار الجمركي عند 250 ريالاً، مع إمكانية دفع نصف المبلغ نقداً والنصف الآخر بالشيكات، وافتتاح طريق الـ90 البري بعد إعادة تأهيله، من أجل تسهيل نقل البضائع والسلع المستوردة عبر ميناء الحديدة.

وبفعل هذه المتغيرات التي عادت معها حركة استيراد السلع الأساسية والاستهلاكية إلى سابق عهدها عبر ميناء الحديدة، الذي يمد الكتلة السكانية الأكبر والمقدرة بـ 80% من إجمالي السكان في اليمن، بكافة السلع الأساسية المستوردة، فإن المواطن كان لا بد أن يلمس أثراً في أسعار هذه السلع، سيما وأن كلفة إدخالها وكلفة نقلها داخلياً حتى تصل إلى المستهلك قد انخفضت بنسب معينة.

• تدخلات حكومة صنعاء (القوائم السعرية)
على ضوء استقرار سعر الصرف في مناطق حكومة صنعاء وعودة الحركة الملاحية في ميناء الحديدة إلى وتيرتها المعهودة، اتخذت حكومة صنعاء عدداً من الإجراءات وصولاً لأسعار عادلة تضمن حقوق التجار والمستوردين من جهة والمواطنين من جهة أخرى.

وأصدرت الحكومة أربع قوائم سعرية على فترات مختلفة منذ توقيع الهدنة، حددت فيها السقوف العليا للسلع الاستهلاكية، وفقاً لمتغيرات الأسعار عالمياً، وكذا كلفة الاستيراد والنقل.

مصدر مسئول في وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء صرح لـ”يمن إيكو” بأن القوائم السعرية التي تصدرها الوزارة جاءت كضرورة لتحقيق العدالة في أسعار المواد الغذائية بين التاجر والمستهلك على ضوء الانخفاض المستمر لأسعار الغذاء عالمياً، وحتى لا تتحول المزايا والتسهيلات الممنوحة من حكومة صنعاء للمستوردين عبر ميناء الحديدة إلى مكاسب إضافية للتجار على حساب المواطنين، مؤكداً أن الوزارة تقوم بوضع هذه القوائم باحتساب سعر المصدر وكافة تكاليف الشحن البحري والنقل الداخلي والتعبئة والتعليب وهوامش الربح للمستوردين وتجار الجملة والتجزئة.

دراسة ميدانية أجراها موقع “يمن ايكو” رصدت التغيرات السعرية لعدد من أبرز السلع الغذائية الأساسية في السوق المحلية، ومدى ارتباطها بالتغيرات في أسعار الغذاء عالمياً منذ توقيع الهدنة في ابريل 2022م.

كشفت الدراسة عن انخفاض إجمالي في أسعار المواد الغذائية الأساسية تراوحت نسبه بين 13% و43 % منذ توقيع الهدنة وحتى يونيو 2023 واستمرت الأسعار على نفس الوتيرة حتى الآن.

وانخفض سعر كيس الدقيق عبوة 50 كجم من 21,500 ريال إلى 14200 بنسبة انخفاض بلغت 34%، فيما انخفض سعر زيت الطبخ (النخيل) 20 لتراً من 26,200 ريال إلى 15,000 ريال بنسبة 43 %، أما السمن عبوة 900 جرام فقد انخفض من 2,200 ريال إلى 1,500 بنسبة 32 %، وكذا انخفضت أسعار البقوليات عبوة 400 جرام بنسب تتراوح بين 29- 22%، كما انخفضت أسعار الأرز المزة عالي الجودة عبوة 40 كجم إلى 34,000 ريال مقارنة بـ 39,000 بنسبة انخفاض بلغت 13%.
وتعد هذه الأسعار هي السقوف العليا الملزمة للتجار في مناطق حكومة صنعاء، مع إمكانية البيع بأسعار أقل في إطار التنافس التجاري.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً