يمن إيكو| أخبار:
كشف تحقيق استقصائي- تحت عنوان: “كيف غيبت الرقابة الرخوة والحرب في اليمن جهد محاسبة التلوث النفطي”- عن تداعيات بيئية وصحية كارثية لتراكم التلوث النفطي المجتمعات اليمنية المحيطة بمكامن النفط في مارب وشبوة وحضرموت على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
وأبان التحقيق- الذي نفذ من قبل مشروع “الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود (أو سي سي آر بي) ونشر بالاتفاق مع موقع الجزيرة نت- عن سهولة إفلات الشركات النفطية الأجنبية والمحلية من العقاب إزاء تخليها مسؤوليتها القانونية والاجتماعية تجاه تلك المجتمعات.
وقدمت المقابلات التي أجراها فريق التحقيق الاستقصائي– (أحمد الواسعي، رنا الصباغ، سلمى مهاود، عبد الواحد العوبلي، مطيع بامزاحم، زاهر بن شيخ بك) مع السكان المحليين والخبراء والمسؤولين، بالإضافة لمراجعة سجلات المحكمة وتقارير أخرى تتعلق باستخراج النفط والغاز، صورة مماثلة عن هذه الممارسات.
الكارثة بالأرقام
يوثق تقرير غير منشور، أنجز نهاية عام 2014 بتكليف من البرلمان اليمني، أكثر من 30 انتهاكاً بيئياً ارتكبتها العشرات من الشركات النفطية والغازية منها 12 شركة دولية، خلال الثلاثة العقود الماضية، حيث تم تسليم التقرير إلى المشرعين نهاية عام 2014م ومازال التقرير حبيس الإدراج منذ ذلك الحين. بينما غادرت العديد من شركات النفط البلاد مع تردي الأوضاع الأمنية. حسب التحقيق الاستقصائي.
وأظهرت تقارير “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود “أو سي سي آر بي” (OCCRP) أن الشركات الحكومية التي استحوذت على الصناعة من الشركات الأجنبية متهمة الآن بمواصلة الدمار، متهمة شركة النفط الكندية “نكسن” -التي كانت تعمل حتى عام 2015 بالقرب من قبيلة بن هوطلي- بـ “التهور والإهمال المتعمد في تلويث البيئة بسوائل الحفر” بحسب ما ذكر بالتقرير البرلماني الذي خلص إلى أن حجم التلوث وتكراره “يشير إلى الإصرار المتعمد على ارتكاب جرائم ضد البيئة”.
وأوضح التحقيق أن الشركة الكندية وبدلاً من معالجة نفايات الحفر بشكل صحيح، اختارت “الرخيص والسهل” المتمثل في خلط سوائل النفط ببساطة في التربة وتركها في حفر مفتوحة، كما قال الدكتور عبد الغني جغمان الخبير الجيولوجي الذي عمل في وزارة النفط أوائل عام 2000، بعد مراجعة التفاصيل الواردة بالتقرير.
وأشار التحقيق إلى أن “المياه المصاحبة” (سائل يتم ضخه إلى السطح إلى جانب النفط، وعادة ما تكون ملوثة بمواد كيميائية خطرة، بعضها مشع، تسببت بفعالية في خصوبة التربة والمياه الجوفية، وهو ما تضمنته قائمة الاتهامات التي وجهتها مراقبون ومسؤولون يمنيون لشركة نكسن وغيرها من الشركات الأجنبية، مؤكدة أن تلك الشركات قامت بإعادة حقن المياه المصاحبة بلا مبالاة، وبالفشل في مراقبة ما إذا كانت الشركات قد لوثت المياه الجوفية.
فيما أكدت البيانات الصادرة عن مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان -المنطقة التي عملت فيها نكسن- أن حالات السرطان تضاعفت 3 مرات تقريباً بين أوائل عامي 2000 و2015. وفق ما نقله التحقيق من تلك البيانات.
واعترفت نكسن خلال التحكيم بأنها ضخت المياه الملوثة أسفل طبقة المياه الجوفية العذبة لمدة 5 سنوات في تسعينيات القرن العشرين، وأمرت المحكمة بتغريم نكسن ما يقرب من 10 ملايين دولار، وفق التحقيق.
أبشع حوادث التلوث
التقرير البرلماني –الذي حصل عليه فريق التحقيق الاستقصائي- وثق أبشع حوادث التلوث النفطي في اليمن، مستعرضاً كيف انزلق ما يقدر بنحو 450 ألف برميل من المياه الزيتية في مارس 2008 من بئر تصريف في منطقة امتياز نكسن الكندية- التي كانت تعرف سابقاً باسم أوكسيدنتال بتروليوم- الرئيسية في قطاع 14، حيث تم انسكابها لمسافة تقريباً 3 كيلومترات.
ونقل مشروع “أو سي سي آر بي” عن الشيخ القبلي عمر سعيد باعباد (75) عاما قوله: “إن المياه الملوثة استمرت في التدفق 4 أيام، وغطت العديد من مزارع المنطقة، مؤكداً أن الأرض لم تعد كما كانت أبدا، تنتج 40 إلى 50 كيساً من القمح في الموسم الواحد. أما الآن فلا يصل انتاجها 10 أكياس فقط”.
وفي القطاع 18 الكائن في محافظة مارب الذي كانت تديره شركة هنت للنفط أول نفط باليمن عام 1984م، وثق التقرير البرلماني انتهاكات مختلفة، خلال فترة ولاية هنت التي استمرت 20 عاماً، تضمنت انبعاث مستويات خطيرة من أكاسيد النيتروجين في الهواء إلى التخزين غير السليم لمئات البراميل من المواد الكيميائية منتهية الصلاحية، مؤكداً أن
شركة هنت قد دفنت مواد كيميائية في حفرة بالصحراء إلى جانب نفايات الحفر، كما حاولت دفن “كمية لا يستهان بها من نفايات الحفر” في موقع آخر قبل أن يوقفها المسؤولون المحليون منتصف الطريق.