يمن إيكو| تقرير:
تمثل الطرقات التي أغلقتها الحرب في محافظة تعز، واحدة من أهم القضايا في الملف الإنساني والمعيشي والاقتصادي، والمصدر الأول لمعاناة أبناء المحافظة والمسافرين عبرها، وهو ما يستدعي التوافق بين الأطراف على صيغة تضمن فتح هذه الطرقات وإنهاء معاناة المواطنين، وهو ما أعلنت حكومة صنعاء مؤخرا عن تقديم مبادرة من أجل التوصل إليه، لكن الحكومة اليمنية رفضتها، فما الذي كانت المبادرة ستحققه لو تم القبول بها؟
المبادرة التي أعلن عنها رئيس المجلس السياسي في صنعاء مهدي المشاط، قبل أيام، اثناء تواجده بمحافظة تعز، تتلخص في “إنهاء الصراع العسكري بكافة جبهات المحافظة، وتشكيل إدارة محلية مشتركة” لتجنيب المحافظة الحرب بشكل نهائي، وقد جاء رفض الحكومة اليمنية لها عبر بيان لمحافظ المحافظة نبيل شمسان، باعتبار أنها “استعراضية وغامضة” و”تسعى لإفشال مساعي السعودية لتحقيق السلام في اليمن” وهو رد لم يتناول مضمون المبادرة بشكل كاف، بل ركز أكثر على وجود أهداف غير معلنة من وراءها.
لكن مراقبين ومحللين تحدثوا لـ”يمن إيكو” يرون أن مبادرة حكومة صنعاء -من ناحية نظرية- كانت ستغير الكثير في وضع المحافظة، فإنهاء الحرب وتشكيل إدارة مشتركة من كافة الأطراف سيلقي بظلاله إيجابيا وبشكل فوري على كافة جوانب الوضع الإنساني في المحافظة، وخصوصا فيما يتعلق بملف الطرقات، كون إنهاء الصراع سينهي بدوره الأسباب الرئيسية لإغلاقها.
موقع “يمن إيكو” يحاول هنا أن يقدم هنا تصورا لواقع محافظة تعز في حال تم تشكيل إدارة مشتركة وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية، وخصوصا فيما يتعلق بإنهاء معاناة أبناء المحافظة في التنقل لمئات الساعات جراء إغلاق الطرق والتي يمكن أن تختصر إلى ساعات قليلة لو كان قد تم القبول بالإدارة المشتركة:
وتسببت الحرب في المحافظة بإغلاق أربع طرق رئيسية من وإلى المدينة التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، أهمها طريق “جولة القصر” (المنفذ الشرقي) الذي يربط المدينة بمنطقة الحوبان ومحافظات إب وذمار وصنعاء وعدن ولحج، إذ تحول هذا الطريق إلى خط تماس رئيسي أثناء المواجهات، وفي حال إنهاء الصراع في المحافظة وتشكيل إدارة مشتركة، كما تقتضي مبادرة حكومة صنعاء، فإن فتح هذا الطريق لن يكون أمرا صعبا لأن كل الاعتبارات التي تبقيه مغلقا ستكون قد انتهت تماما.
وسيتيح هذا الطريق للمواطنين والمسافرين التنقل من وإلى مدينة تعز في مدة تتراوح 10 إلى 15 دقائق فقط، بدلا عن الفترة الطويلة الحالية التي تتراوح بين 8 إلى 10 ساعات، والتي يتطلبها الطريق البديل الذي يربط بين منطقة الحوبان وغرب المدينة، من خلال رحلة طويلة تمر عبر دمنة خدير (جنوب شرق تعز) وسائلة الصرام، ثم جبال الأقروض ثم منطقة نجد قسيم، والمفرق الرئيس صوب خط الضباب، وصولاً إلى غرب مدينة تعز.
الطريق الثاني الذي تسببت الحرب بإغلاقه، هو طريق “عصيفرة – الستين” (المنفذ الشمالي) والذي يربط مدينة تعز بمنطقة الحوبان التي تسيطر عليها حكومة صنعاء ومنها إلى بقية المحافظات كما يصل إلى مديريات شرعب ومخلاف، وقد أدى إغلاق هذا الطريق إلى إجبار المواطنين على التنقل عبر طريق طويل ومرهق يمر من جبل حبشي إلى سامع، ثم المقاطرة، وجبال الأقروض، من أجل الوصول إلى الحوبان، وهي رحلة تستغرق 18 ساعة.
ومن شأن إنهاء الصراع في المحافظة وتشكيل إدارة مشتركة للمحافظة أن يؤدي بشكل فوري إلى فتح هذا الطريق الذي لا يستغرق التنقل عبره أكثر من 15 دقيقة.
وبالمثل، فإن إنهاء الصراع وتشكيل إدارة مشتركة للمحافظة من شأنه أن يفتح طريقا آخر أغلقته الحرب وهو طريق “الروضة – الجهيم” الرابط بين المدينة ومنطقة الحوبان، والذي اضطر المواطنون لاستبداله بطريق “الأقروض” الطويل الذي يستغرق التنقل فيه حوالي 8 ساعات للوصول إلى طريق “القبيطة” المؤدي إلى لحج.
وفي حال إنهاء الصراع في المحافظة فإن هذه الرحلة الطويلة ستتقلص إلى حوالي 695 مترا فقط بحسب ما تظهر خرائط جوجل التي اطلع عليها “يمن إيكو”، وذلك خلال فترة لا تزيد عن 15 دقيقة فقط!
وفيما يضطر المواطنون الآن لقضاء (8-10) ساعات للتنقل بين مدينة تعز والمديريات الغربية ومحافظة الحديدة، بسبب طريق بديل يمر عبر البرح وجبل حبشي والأقروض، فإن إنهاء الصراع في المحافظة سيقلص هذه المدة إلى نصف ساعة فقط، من خلال فتح طريق “بيرباشا – مصنع السمن والصابون” (المنفذ الغربي) الرئيسي والذي تسببت الحرب بإغلاقه.
ولا تقتصر الفوائد التي يحملها إنهاء الصراع في المحافظة وتشكيل إدارة مشتركة على تقليص مدة التنقل من وإلى مدينة تعز، لأن عملية التنقل خلال الطرق البديلة تتضمن أيضا صعوبات أخرى يواجهها المواطنون والمسافرون، كالتعرض للاختطاف، ودفع إتاوات باهضة للنقاط الأمنية والعسكرية، والتعرض لحوادث مروعة جراء وعورة تلك الطرق، بالإضافة إلى صعوبة إيصال البضائع والسلع وارتفاع أسعارها نتيجة كلفة النقل، وهي أمور من شأن فتح الطرق وإنهاء الصراع في المحافظة أن يضع حدا نهائيا لها.
ووفقا لما سبق، فإن إنهاء الصراع في محافظة تعز والتوافق على إدارة مشتركة، سيؤدي بشكل عام إلى إنهاء الجزء الأكبر من الأزمة الإنسانية التي تعيشها المحافظة.