يمن إيكو| ترجمة:
ما يقرب من 30000 شجرة يافعة ومتناثرة على جزيرة سقطرى، تشكل هذه البيئة السحرية التي لا مثيل لها على وجه الأرض.
جزيرة سقطرى تشبه إلى حدٍ ما العالم المفقود كما نتخيله.. على هذه الجزيرة يوجد هضبة خضراء يصعب الوصول إليها، محاطة بالمنحدرات تحتضن مجموعات رائعة من التنانين.
لا نقصد هنا طائر التنين الأسطوري الذي ينفث النار من فمه، بل المقصود من هذا التشبيه الأشجار الموجودة في هضبة ديكسام، في جزيرة سقطرى في المحيط الهندي، وهي بالفعل موطن لآخر غابة تنين معروفة.
هذا النوع النادر، هو نوع من الآثار الأحفورية الحية للمناظر الطبيعية للعصر الثالث، يقع اليوم فقط في جزر الكناري، في الأطلس المغربي، وهنا في هذا الأرخبيل القاحل على بعد مائة كيلومتر من الصومال.
أرخبيل سقطرى، يمني يتبع إقليم حضرموت وهو مكون من ست جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي بالقرب من خليج عدن، تقع سواحلها على بعد 370 كيلومتراً شمالاً ولكن قبل وقت طويل من دمجها في البلد، كانت الجزيرة تعيش عزلة طويلة، حيث أبحرت في وسط البحر بعيداً عن اليابسة.
أغصانها تشبه الثعابين:
لقد انفصلت جزيرة سقطرى عن إفريقيا قبل ستة أو سبعة ملايين سنة، وأخذت معها أصنافاً تلاشت وانقرضت في النهاية في القارات العظيمة.
حالة فقاعة محفوظة تفسر سبب إظهار سقطرى أحد أعلى معدلات التوطن في العالم، مثل كاليدونيا الجديدة أو هاواي أو جزر غالاباغوس.
تشير التقديرات إلى أن جزيرة سقطرى تضم 800 نوع من النباتات النادرة، منها ما يقرب من 270 نوعاً لا نجدها في أي مكان آخر في العالم إلا فيها.
من بين هذا الغطاء النباتي الفريد وردة الصحراء، التي يغطي جذعها الصغير على شكل باوباب الزهور الوردية أو الحمراء في الربيع، ناهيك عن العديد من أنواع البخور.
ومع ذلك، فإن النجم بلا منازع- والأكثر إثارة- لهذا النظام البيئي في عصور ما قبل التاريخ هو” Dracaena cinnabari أو شجرة التنين” (أخذ الاسم من الكلمة اليونانية drakon، والتي تعني الثعبان العظيم).
يمكن أن يصل ارتفاع الشجرة التي تبدو وكأنها مظلة إلى اثني عشر متراً وتعيش عدة آلاف من السنين.
الماعز عدو آخر يهدد الأرخبيل
بمجرد انتشارها على نطاق واسع في الجزيرة، لا تزال بشكل أساسي في غابة فيرمين، والتي تعني غابة “النساء” باللغة السقطرية، التي تزين قمم هذه الهضبة الشاسعة الممتدة على 130 كيلومتراً مربعاً.
ما يقرب من 30000 شجرة، تشكل هذه البيئة السحرية التي لا تشبه أي بيئة أخرى على الأرض: أنواع أبناء عم دراسينا- شجرة التنين- في جزر الكناري والمغرب، أصبحت نادرة جداً لتشكيل هذه الغابة- لقد تمت إزالة العديد منها من موقعها الأصلي ليتم إعادة زراعتها في حدائق الفنادق.
يجب أن يقال إن شجرة التنين بمثابة عملاق هش، حيث تستغرق عقوداً حتى تصبح يافعة، وقروناً لاكتمال غطاء الرأس الرائع هذا الذي يوفر ظل الحياة البرية في هذا المشهد الصحراوي.
نموها البطيء يجعلها عرضة لهجمات المجترات، ففي جزيرة سقطرى، يقدر عدد هذه الحيوانات المُجترَّة غير المفترسة بـ 480 ألفاً، أي خمسة أضعاف عدد السكان.
اقتلاع آلاف الأشجار
ولكن بمجرد أن تكبر بعد أن أفلتت من شراهة الماعز، فإن شجرة التنين، هذه المرة، مهددة بتقلبات المناخ.
مع الاحتباس الحراري، بدأت الأعاصير، التي عادة ما تكون نادرة، في مهاجمة الأرخبيل، حيث اجتاح اثنان منها المنطقة في عام 2015، ثم آخر في عام 2018.
نتج على إثرها هلاك أكثر من 4000 شجرة جراء هذه العناصر الجديدة التي تقوض هذه الأشجار، التي تتشبث جذورها قدر الإمكان بباطن الأرض المعدنية.
وكأن ذلك لم يكن كافياً، فإن شجرة التنين تؤخذ رهينة الوضع الاستراتيجي للجزيرة، عند مدخل خليج عدن، مما يجعلها أرضاً يُطمع فيها كثيراً قبل أن تطمع فيها قوات المنطقة.
كانت سقطرى ذات يوم جنة خارج العالم، وقد شهدت تدريجياً عسكرة أراضيها، حيث أصبحت قاعدة عسكرية سوفيتية خلال الحرب الباردة، والتي أدخلت إليها الأسلحة والدبابات.
شبح الحرب:
إذا كان سقوط الاتحاد السوفيتي يمكن أن يجلب الهدوء للأرخبيل، فإن الجو شهد توترات مرة أخرى في عام 2010 مع تأجج الوضع في البر الرئيسي من البلد.
لا يزال الحوثيون والقوى النفطية في منطقة الخليج يواجهون بعضهم البعض في صراع لم يحظَ بتغطية إعلامية كبيرة، بالرغم من كونه شهد مقتل مئات الآلاف من المدنيين.
ولحسن الحظ، ظل أرخبيل سقطرى في مأمن من معظم العمليات القتالية، لكن الجنود موجودون بشكل متزايد على الجزيرة.
مع خطر حدوث اشتباكات بين المتحاربين يمكن أن تسبب أضراراً للنظم الإيكولوجية الفريدة التي لا تزال هنا.
أيقونتها: دم التنين
يُعرف راتنج شجرة التنين منذ زمن سحيق بأنه موضوع تجارة منذ العصور القديمة.
ولسبب وجيه، فإن هذه المادة التي تشبه الأوبال الأحمر كان لها دائماً استخدامات متعددة: الصبغة، المنتج مفيد في عملية التحنيط، ولكن أيضاً تم استخدامه كدواء مضاد للميكروبات والهيموستاتيك -مصطلح يطلق على عملية الإرقاء وهي وقف نزيف الدم بتحويله من سائل إلى صلب- ويقال إن هذه المادة كانت توضع على جروح المصارعين بعد انتهاء المعارك.
لكن كان من الصعب العثور على هذا الراتنج “دم التنين” باهظ الثمن، بسبب ندرة وحصاد راتنجانه، الذي يتم إنتاجه مرة واحدة فقط في السنة.
كان الفيلسوف أرسطو قد أقنع الإسكندر الأكبر بغزو سقطرى وإنشاء مستعمرة هناك لتسهيل الوصول إلى هذه الأشجار.
ومنذ ذلك الحين، أبحر التجار اليونانيون والرومان والعرب والإثيوبيون والهنود إلى هناك للحصول على هذا الراتنج الثمين.
في الآونة الأخيرة، تم استخدام دم التنين لصنع ورنيش الكمان.
ويهتم العلماء المعاصرون مرة أخرى بالخصائص الطبية المثبتة لهذا الراتنج: بالإضافة إلى السماح بالتخثر- تجلط الدم وهي عملية معقدة يقوم خلالها الدم بتكوين جلطات الدم وهي تجمعات دموية متماسكة تمنع النزيف، كما أنه يعد أحد العوامل المهمة في عملية الإرقاء- ومكافحة البكتيريا، ويمكن أن يكون أحد الأصول الرئيسية في مكافحة السرطان، لأن الصابونيات الستيرويدية الموجودة فيه تكون سامة للخلايا السرطانية.
*المادة الأصلية باللغة الفرنسية من:
موقع “فيمنا” السويسري