تقرير خاص- يمن إيكو
يواجه الدولار الأمريكي اليوم أزمة حقيقية تزلزل مكانته كعملة مهيمنة على الاقتصادات العالمية وتعاملاتها التجارية والمالية والمصرفية.. وسط تحديات وعوامل حاسمة في تحولات طبيعة تعاملات الاقتصاد العالمي، تتمثل في تفاقم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وصعود الصين السلمي، وتنامي الحضور القوي لتكتل دول الـ”بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا).
فعلى صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، حاولت واشنطن، ومعها الغرب، استخدام “نظام سويفت” للتعاملات المالية والمصرفية العالمية، كأداة لعقوباتها الاقتصادية والمالية على روسيا، كما استخدمته في عقاب دول أخرى قبلها، متجاهلة تحذيرات الخبراء من أن تحويل النظام إلى أداة للعقوبات الغربية سيؤدي إلى انهياره بصفته نظاماً عالمياً محايداً للتبادلات الدولية.
نتائج عكسية
لم تأتِ النتائج كما توقعتها واشنطن، بل خلقت بيئة تدعم اتجاه روسيا نحو ابتكار نظام جديد توج نجاحه بانضمام دول كبرى للبحث عن أنظمة جديدة تخلصها من الهيمنة الأمريكية على النظام المالي العالمي، وهو ما لفت إليه الخبير الاقتصادي بيار خوري- في حديث مع “راديو سبوتنيك”- مضيفاً: “بعد العقوبات الغربية ضد روسيا لاحظنا حركة متسارعة من الدول لاعتماد وسائل دفع تبادلية خارج نظام الدولار”.
وأكد خوري أن تحولات في طبيعة الاقتصاد الدولي، تؤكد أن الاقتصاد الأمريكي لم يعد قائداً، في ظل تواجد قوى عملاقة عالمياً تتمرد على قوة اقتصاد الولايات المتحدة وتطرح بدائل جديدة بناء على المصالح المتبادلة وليس ضمن نظام الدولار.
وأكدت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكو، أكدت مجريات تطوير أنظمة جديدة للتسويات المالية الدولية، بما في ذلك نظام “سبيربنك” الروسي، موضحة أن احتكار نظام “سويفت” للتعاملات المصرفية، سيصبح شيئًا من الماضي.
القلق الأمريكي إزاء تلك التطورات والتصريحات بدا واضحاً في أحاديث الخبراء الأمريكيين، حيث نبهوا إلى أن سياسة العقوبات الأمريكية قد تكون سبب الابتعاد عن الدولار لصالح اليوان الصيني، الذي بدا حاضراً بقوة في خيارات العملة الأنسب للتسويات الدولية.. لافتين إلى أن الكثير من الدول تسعى بجدية إلى إلغاء الدولرة في تعاملاتها، باحثة عن طرق دفع مريحة وبأسعار معقولة من خلال عملات أخرى في ظل السياسة التي تتبعها واشنطن.
وحسب خبراء الاقتصاد بدأت دول العالم تنخرط في مشروعات مختلفة لتقليل اعتمادها على الدولار، مرجعين ذلك إلى حالة عدم اليقين الناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية، والمصالح الأوروبية المتعلقة بعملتها.. فيما قال رئيس صندوق تكنولوجيا المعلومات والابتكار الأمريكي روبرت أتكينسون: “إن هيمنة الدولار تتراجع ببطء، ويفقد المستثمرون الثقة في قدرة الحكومة الأمريكية على سداد الديون”.
التكتلات الاقتصادية العالمية
وعلى صعيد التكتلات الاقتصادية، طرأ مؤخراً الحضور اللافت لمنظمة “بريكس” المؤطرة لتجمع (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) حيث قررت البرازيل في الـ29 من مارس الماضي التعامل باليوان في تجارتها مع الصين، البالغة نحو 150 مليار دولار سنوياً.
وأعلنت وزارة الخارجية البرازيلية، الجمعة الماضية، أن الصين والبرازيل تؤيدان مسألة مناقشة توسيع مجموعة “بريكس”، وسط توقعات بانضمام الأرجنتين وإيران وإندونيسيا وتركيا والسعودية ومصر، إلى الكتلة الاقتصادية.
هذا الإعلان الأجد، جاء عقب دعوة الرئيس البرازيلي، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا- أثناء زيارته للصين الخميس الماضي- دول “بريكس” (البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا) إلى إنهاء هيمنة الدولار وتطوير عملاتها البديلة لاستخدامها في التجارة العالمية.
وتساءل دا سيلفا- في أول زيارة له للصين منذ توليه منصبه مرة أخرى- مخاطباً الجمهور في شنغهاي: “من قرر أن عملاتنا ضعيفة وليس لها قيمة في البلدان الأخرى؟ من قرر أن يصبح الدولار هو العملة الرئيسية بعد إلغاء معيار الذهب؟”.
الأخطر على الدولار
الأخطر في توقعات الانضمام يأتي من دول محورية ضمن منظمة أوبك + التي قد تتجه في أقرب فرصة من محطات تنامي تكتل بريكس إلى بيع النفط الخام بعملات غير الدولار، وهو ما حذرت منه المستشارة الأمريكية السابقة لوزير الخزانة الأمريكية مونيكا كرولي، في وقت سابق، مضيفة: “إذا قررت دول أوبك بيع النفط بعملات أخرى، فهذا سيعني انهيار النظام الاقتصادي الأمريكي وحدوث كارثة كبرى”.
ولم تكن الدول الأوروبية في منأى عن خيارات التخلي عن الدولار كعملة لتعاملاتها مع الغير، ففي الـ 9 من إبريل الجاري قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حديث له مع صحيفة “بوليتيكو”: إنه يجب على أوروبا أن تقلل من اعتمادها على الدولار الأمريكي خارج “الحدود الإقليمية”، وأن تتجنب الانجرار إلى مواجهة بين الصين وأمريكا بشأن تايوان.
وتبعاً لهذه التطورات هبط الدولار الأمريكي في مزاد الجمعة أمام العملات الأخرى لأدنى مستوى له خلال عام، إذ نزل (الدولار) بنسبة 0.12% مقابل اليورو والين والجنيه الإسترليني والدولار الكندي والفرنك السويسري والكرونا السويدية، إلى ما دون مستوى 101 نقطة، وفقاً للمؤشر المحسوب من قبل ICE، الذي يظهر ديناميكيات الدولار مقابل 6 عملات رئيسة.
هذا التراجع الكبير الذي شهدته العملة الأمريكية خلال الأشهر الأخيرة، جديد على تقييم صندوق النقد الدولي لحصص العملات الرئيسة من احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية خلال عام 2022م، حيث أكد الصندوق أن حصة الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية تراجعت خلال الآونة الأخيرة من 60-70% لصالح العملات العالمية المنافسة.