يمن ايكو
تقارير

تزايد عدد البنوك في مناطق حكومة الرئاسي.. توسع لغسل الأموال؟ أم حاجة ملحة لاستيعاب الفوضى المالية؟

تقرير خاص – يمن إيكو

شهد القطاع المصرفي اليمني- البنوك التجارية والإسلامية- في مناطق سيطرة حكومة الرئاسي، زيادة في عدد البنوك خلال سنوات الحرب بنسبة 60%، بدخول 11 بنكاً جديداً إلى السوق المصرفية، وسط أسئلة محورية تجاه محدودية ثقافة المجتمع البنكية في البلاد، وفي ظل الانقسام المالي والتردي الاقتصادي، والأهداف الأساسية من زيادة البنوك، فيما لا تسيطر حكومة الرئاسي سوى على 25% من الكتلة السكانية، فضلاً عن نسبة البالغين المتعاملين مع البنوك إلى تلك النسبة.

مقابل ذلك يعيش 75% من الكتلة السكانية والتجمع البشري في نطاق حكومة صنعاء، ما يشير إلى نسبة أكبر من البالغين المتعاملين مع البنوك، وتركز الحركة التجارية والمالية التعاملية في مناطق حكومة صنعاء التي لم تعلن خلال فترة الحرب عن تأسيس بنك واحد، مقارنةً بإعلان حكومة الرئاسي تأسيس 8 بنوك في مضمار التمويل الإسلامي، و3 بنوك تجارية، ليرتفع عدد البنوك اليمنية إلى 28 بنكاً، من 17 بنكاً عام 2020م.

وحسب وسائل الإعلام، استحوذت عدن على 5 بنوك من إجمالي عدد البنوك الجديدة، تلتها محافظة حضرموت بعدد 3 بنوك، وتوزعت الأخرى: بنكان في محافظة مأرب، وبنك في محافظة تعز، لكن الأخطر في أن هذه السياسة التوسعية في القطاع البنكي جاءت وسط تحذيرات دولية للحكومة الموالية للتحالف من خطورة توسيع القطاع المصرفي، في ظل ظاهرة الفساد وغسل الأموال التي اتُهمت بها الحكومة، خصوصاً سيرها قدماً باتجاه تحويل العجز إلى نقد.

ويؤكد الخبراء الماليون أن هذا التوسع عكس- بلا شك- بحث حكومة الرئاسي عن بدائل تغطي فشل المؤسسات البنكية والمصرفية الرسمية التي تسيطر عليها اسمياً، وأهمها بنك مركزي عدن الذي تحول إلى وسيط مع بنوك خارجية، وفي الوقت نفسه إلى مديون للقطاع المصرفي الذي كبَّل قراراته الرقابية ورهنها لكبار الصيارفة الطامحين في تأسيس بنوك تساعدهم على عمليات كبرى من غسل الأموال بأغطية قانونية مرخصة هي البنوك.

كل ذلك كان يجري في وقت يعاني اقتصاد البلاد من التخلف والركود الذي بلغ ذروته خلال عام 2021، بعد أن سجل النمو الاقتصادي انكماشاً إضافياً سالب 2%، فيما هوت قيمة الريال اليمني إلى أدنى قاع في تاريخه، بعد أن سجلت 1750 ريالاً للدولار الواحد بسبب سياسة بنك مركزي عدن النقدية التي أتخمت السوق بكتل نقدية ضخمة من الفئات المطبوعة خارج أي توافق سياسي أو قانوني في البلاد، وبسبب انهيار الاحتياطي البنكي من العملة الصعبة وفشل بنك مركزي عدن في استيعاب الإيرادات السيادية والحفاظ على الودائع الدولارية.

الأكثر صلة بالدلالة على ما ذهب إليه الخبراء تمثل في أن هذه المؤشرات الكارثية التي سجلها عام 2021م تزامنت مع ما وجهه مراقبو العقوبات بالأمم المتحدة في تقرير شهير نشرته وكالة رويترز- حينها- من اتهامات صريحة لحكومة اليمن (المعترف بها دولياً) بغسل الأموال والفساد “مما أثر سلباً على وصول إمدادات غذائية كافية”، وسط تحذيرات أممية من أن البلاد على شفا مجاعة كبيرة تهدد ملايين المدنيين بالموت جوعاً.

ونقلت وكالة رويترز يومها عن التقرير الدولي تأكيده أن وديعة سعودية بقيمة ملياري دولار أودعت لدى البنك المركزي اليمني بعدن في يناير/ كانون الثاني 2018 بغرض تمويل خط ائتماني لشراء سلع مثل الأرز والسكر والحليب والدقيق، لتعزيز الأمن الغذائي ومن أجل استقرار أسعار تلك السلع محلياً.. موضحاً أن تحقيق الأمم المتحدة اكتشف أن بنك مركزي عدن خالف قواعد تغيير العملات وتلاعب في سوق العملة “وغسل جزءاً كبيراً من الوديعة السعودية بمخطط معقد لغسل الأموال”، أدرَّ على تجار مكاسب بلغت قيمتها نحو 423 مليون دولار.


وفي مؤشر على رغبة بنك مركزي عدن في استغلال هذا الإقبال لمحاولة استعادة بعض الكتل النقدية الهائلة من القطاع المصرفي الخاص، أعلن في مارس 2022، لوائح جديدة، حيث زادت متطلبات رأس المال للبنوك التجارية والإسلامية إلى 45 مليار ريال، وبنوك التمويل الأصغر إلى 5 مليارات ريال، في غضون السنوات الخمس المقبلة.. لكن خبراء مصرفيين، اعتبروا زيادة متطلبات رأس المال انعكاساً لعدة عوامل منها: تقلُص رأس المال المملوك حالياً من قبل المؤسسات المالية إلى حد كبير من حيث القيمة الحقيقية نظراً للانخفاض الكبير في قيمة الريال اليمني منذ بدء الحرب، وتنافس التجار ورجال الأعمال ومقاولي الأموال بشكل متزايد للحصول على تراخيص لتصبح بنوك تمويل أصغر، مما يسمح لهم بقبول الودائع ومنح القروض المالية لمزيد من الإثراء غير المشروع بغطاء قانوني اسمه الترخيص.

ومن جهة ثانية يشير الخبراء إلى أن هذا التوسع جاء بغرض استيعاب الفوضى المالية والتدفقات الخارجية من المساعدات والقروض والودائع والأرصدة اليمنية في البنوك الخارجية والمؤسسات الدولية، التي أعطت الحكومة الموالية للتحالف حق سحبها والتصرف بها، فقط، إذ لم يأتِ في ظل طفرة مالية في الموارد وثقافية في تعامل الأفراد والعملاء من أبناء الشعب مع البنوك، بل جاء في وقت يُعدُّ القطاع المصرفي اليمني الأضعف في منطقة الشرق الأوسط من حيث الوساطة، حيث مثلت الودائع المصرفية 27% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة أقل بكثير من المتوسط في منطقة الشرق الأوسط البالغ 76%.

الأهم من ذلك في سياق هذا المعطى المصرفي الثقافي المحوري، يتمثل فيما أفضت إليه دراسة صادرة عن البنك الدولي، حقائق تفيد بأن اليمن يتسم بأحد أدنى مستويات الشمول المالي العائلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبما نسبته 6% من البالغين الذين لديهم حسابات لدى البنوك، و1% من اليمنيين فقط يدخرون في مؤسسات مالية رسمية.

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً