يمن ايكو
تقارير

📃 فيما يزداد واقعها تردياً.. الكهرباء ثقب أسود يلتهم التمويلات الخارجية

تقرير خاص – يمن إيكو

لم تكتفِ الحكومة، المعترف بها دولياً، بتدمير مقدرات المنظومة الوطنية للكهرباء بالإهمال وتعطيل برامج الصيانة لقدرات التوليد، والتهام مخصصاتها، وسياسات الاحتكار عبر شركات جديدة عرفت في عقود الفساد المالي بشركات الطاقة المشتراة، بل حولت وضع الكهرباء المتردي إلى يافطة إنسانية، فيما الحقائق تقول إن ملف الكهرباء تحول إلى ثقب أسود يلتهم المساعدات والمنح والقروض الخارجية، باسم إصلاح وتأهيل المنظومة المتهالكة.

ما أعلنته الحكومة على لسان وزير التخطيط والتعاون الدولي واعد باذيب، من موافقة البنك الدولي على تقديم منحة إضافية بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي، مخصصة لدعم المرحلة الثانية من المشروع الطارئ لتوفير الكهرباء في اليمن، ليست المنحة الأولى، ففي 2018م أعلنت المؤسسة الدولية للتنمية (إحدى أذرع البنك الدولي) دعمها لمشروع توفير الكهرباء بـ50 مليون دولار.

الأهم أن المشروع الذي قالت المؤسسة إنه “سيساهم بتزويد حوالي 700 منشأة للخدمات العامة و100 مدرسة بخدمات الكهرباء الجديدة أو المحسّنة”، لم يحقق ذلك، بل ازداد واقع الكهرباء تردياً لتقفز أوقات انقطاع التيار من 4 ساعات خلال اليوم في 2018، مع بداية المشروع، إلى 19 ساعة يومياً في الأشهر الأخيرة من العام الجاري.

دعم مجموعة البنك الدولي مالياً للحكومة المعترف بها دولياً، باسم توفير الكهرباء، ليس وحده، بل هناك جهات دولية ومانحة قدمت دعماً هائلاً للغرض نفسه، وبأشكال تنوعت بين الدعم المالي والدعم بكميات من المشتقات، ناهيك عن موازنات برامج الصيانة والتوليد والتشغيل وغيرها، ففي 31 مارس 2021م أعلنت الحكومة المعترف بها دولياً أن السعودية قدمت منحة مشتقات من المازوت لتوفير الكهرباء، وستمتد دفعها على مدى عام كامل بقيمة إجمالية 422 مليون دولار أمريكي لتشغيل 80 محطة كهرباء في عدد من المحافظات التابعة لسلطاتها.

حملات الشكر الحكومي لمنحة الرياض للكهرباء لم تستمر طويلاً، فسرعان ما نفت وزارة الكهرباء مجانية المنحة، مؤكدة على لسان وزيرها أنور كلشات أن ما قدمته السعودية ليس سوى تسهيل سعري، وأن الحكومة ملزمة بسداد قيمة الشحنات من مواردها المالية، ما يشير إلى أن هذه المنحة، التي وصفت بأنها امتداد لمنح المشتقات النفطية السعودية السابقة، التي بلغت أكثر من 4.2 مليار دولار، كلها مدفوعة من الموارد اليمنية.

وفي سياق انكشاف ما سوّقته الرياض عبر وسائل الإعلام العربية والدولية، أن ما قدمته منحة ومكرمة سعودية للشعب اليمني، قال مدير البرنامج السعودي في عدن أحمد المدخلي: إن مديونية كهرباء عدن للحساب الخاص بالمنحة بلغت 3 مليارات ريال يمني، متهماً مؤسسة كهرباء عدن بعدم الالتزام بتوريد الإيرادات للحساب المشترك.

كل تلك التناقضات تعني أن الصفقات بحد ذاتها فساد مشترك بين البرنامج السعودي والحكومة المعترف بها دولياً، بل وإن الصفقات نفسها تسير وفق مخطط محكم لتدمير المنظومة الوطنية للكهرباء، خصوصاً أن تلك الصفقات تسببت في تعطيل القدرات الذاتية المتصلة بتوليد الطاقة عبر المازوت المحلي الذي تنتجه مصافي عدن المعطلة منذ عام 2016م.

‏قطر، هي الأخرى أكدت مؤخراً بعد طلب رسمي من العليمي باستئناف تنفيذ مشروع كهربائي متكامل لمدينة عدن، كانت دشنت أولى مراحل إنجازه في عهد حكومة بن دغر، متكفلة بتمويل إنتاج “60” ميجاوات، لكن المشروع توفق حينها بسبب احتدام الصراع بين الانتقالي المدعوم من أبو ظبي، وبين أطراف تابعة لحكومة هادي في الرياض.

وفيما تختلف أشكال تلك المنح والمساعدات والبرامج والمشاريع، يظل العامل المشترك بينها، استمرار تردي منظومة الكهرباء في مناطق سيطرة الحكومة، ما يعني أن شعار توفير الكهرباء أصبح يافطة إنسانية تغطي الحكومة من خلال رفعها مظاهر كارثية من الفساد تتكشف بالوثائق الرسمية يوماً بعد يوم.

ففي عدن اتهمت التقارير المستندة إلى الوثائق المسربة من الجهات الحكومية المختصة ومؤسسة الكهرباء في عدن، وجود فساد رسمي كبير جرى خلال سنوات الحرب، ولم يزل قائماً حتى اللحظة.. موضحة أن تلك الجهات كانت تتعمد تأخير رفع احتياجات محطات المدينة من الوقود، لإحداث عجز في تموين المحطات الحكومية بالوقود اللازم للعمل، لأجل شراء دفعات مستعجلة من الوقود التجاري بأسعار باهظة بذريعة تغطية العجز.

وكانت وثيقة رسمية بتوقيع وزير الكهرباء في الحكومة أنور كلشات في تاريخ 4 سبتمبر 2021م، طالبت رئيس الوزراء معين عبد الملك بالموافقة والتوجيه لاعتماد شراء كمية إسعافية لا تقل عن 15 ألف طن من الديزل، لتغطية احتياج محطات التوليد من الوقود إلى حين موعد وصول الدفعة الرابعة، تفادياً لانقطاع التيار الكهربائي في عدن ولحج وأبين.

واتهمت مصادر نقابية عمالية في كهرباء عدن الحكومة صراحة بتعمد إهمال محطات الكهرباء الحكومية في عدن، لصالح المحطات المستأجرة ضمن ما وصفته بـ “صفقات فساد ومصالح مشتركة”.. مؤكدة أن محطة التوليد العائمة التي وقّع معين عبد الملك اتفاقية توريدها بعشرات الملايين من الدولارات تأتي على رأس صفقات الفساد”.

وأضافت المصادر: “وجود الطاقة المشتراة مؤشر فعلي على انعدام النوايا الحقيقية عند الحكومة ووزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء بعدن، في إصلاح وتحسين منظومة الكهرباء”.. مؤكدة أن استئجار باخرة ستكلفها 130 مليوناً لغرض توفير (100) ميجا لمدة عام أو عامين، فساد كامل الأركان وبأبشع صوره، لافتة إلى أن الحكومة تعمدت إهمال المحطات الحكومية بعدن لصالح المحطات التجارية.

ومثلما تعددت المشاريع والمبالغ الدولارية التي ذهبت وبقي واقع الكهرباء المتردي، تعددت الوثائق الصادرة عن وزارة الكهرباء بعدن وعن فروع المؤسسة العامة للكهرباء في كل من لحج وعدن وحضرموت والمهرة وسقطرى وغيرها، لكنها توضح في مجملها تفاصيل ارتكاب العديد من جرائم الفساد والاختلاسات، والاستيلاء على المال العام والتمويلات المخصصة للكهرباء، على مستوى المحافظات والمديريات في مناطق سيطرة الحكومة التي أصبحت عاجزة عن استيعاب أي منح أو مساعدات مالية، وعدم أهليتها لإجراء أي إصلاح اقتصادي، وفق الناشط ماجد الداعري.

خلاصة القول: إن المليارات من الدولارات التي ضخت ولا تزال باسم مشاريع توفير الكهرباء، لم تزد الحكومة إلا فساداً ولم تزد مقدرات الكهرباء في مناطق سيطرتها إلا تردياً.. والدليل ما تشهده تلك المناطق منذ عام 2016م من احتجاجات مستمرة ليلاً ونهاراً تنديداً بانقطاع التيار الكهربائي، وفق حالات متكررة وصل بعضها إلى نحو 20 ساعة يومياً في عدن والمكلا والمهرة وغيرها، فهل كذب الناس؟ أم كذب الظلام؟ أم كذبت وثائق الحكومة وخابت مشاريعها؟!

مواضيع ذات صلة

أترك تعليقاً