وفّرت الحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2015، فرصة للأمم المتحدة بمنظماتها وبرامجها المختلفة لجني مليارات الدولارات، من خلال المساعدات التي تتقدم بها الدول المانحة، سواء عبر مؤتمرات المانحين التي تدعو لها الهيئة الأممية أو من خلال المساعدات المباشرة والإضافية التي تقدمها بعض الدول عن طريق المنظمات الأممية المختلفة، لا يصل اليمنيين منها سوى النزر اليسير بعد أن تذهب غالبية هذه المبالغ كنفقات تشغيلية وأجور نقل وأجور عاملين وإعداد دراسات في إطار برامج الاستجابة الإنسانية.
تختزل الأمم المتحدة الدور المنوط بها حيال الأزمة اليمنية في دعوة المانحين إلى مزيد من المساعدات والتعهدات المالية، تحت لافتة برامج الاستجابة الإنسانية، فيما تتعامل بقدر كبير من عدم الاكتراث تجاه المسببات الرئيسة للأزمة الإنسانية في اليمن، وعلى رأسها استهداف الاقتصاد بأساليب مختلفة منها القيود التي يفرضها التحالف وحكومة هادي على الواردات إلى البلاد، وإغلاقه المنافذ البرية والبحرية والجوية، والتضييق على رأس المال المحلي، وغيرها من الأساليب.
وتتحدث التقارير عن الحرب الاقتصادية التي تدور في اليمن، وتقف الأمم المتحدة موقفاً سلبياً حيالها، حيث يتم تحويل الاقتصاد إلى ورقة حرب، سيما من قبل التحالف الذي يفرض الحصار ويتلاعب بالأوراق الاقتصادية، وهو ما عاد بالضرر على كافة المواطنين في عموم البلاد.
600 مليون دولار حصلت عليها الأمم المتحدة، أمس الأربعاء، بعد أن تعهد مانحون به كمساعدات إضافية للتصدي للأزمة الإنسانية في اليمن، تم الإعلان عنه على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، في وقت حذرت الأمم المتحدة ووكالات إغاثة أخرى من خفض برامج مساعدات حيوية هذا العام، إذا لم يتوفر مزيد من التمويل.
وكان وكيل الأمم المتحدة للشئون الإنسانية، والمبعوث الأممي السابق إلى اليمن، مارتن غريفيث، صرح خلال إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن، الثلاثاء الماضي، بأن خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن تعتبر من بين أكثر خطط الاستجابة الإنسانية تمويلاً، مشيراً إلى أنه قد تم الوفاء بثمانية وتسعين في المائة من المبالغ التي تم التعهد بها في مؤتمر المانحين الذي انعقد في مارس الماضي، حيث تم استلام أكثر من ملياري دولار، وهو ما يمثل أكثر من نصف متطلبات الاستئناف لخطة الاستجابة في اليمن.
وتتحدث الأمم المتحدة عن فجوة كبيرة في تمويل خطة المساعدات لليمن، خلال العام الماضي، ما تسبب في إغلاق بعض برامج المساعدات محذرة من زيادة خطر المجاعة.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن أكد، الأسبوع الماضي، أن الأمم المتحدة تلقت حتى سبتمبر الجاري 54% من التمويل الإنساني المطلوب لليمن خلال 2021م، والبالغ 1.9 مليار دولار، من أصل 3.85 مليار دولار، حددت لتنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد والمعلن عنها في مارس الماضي، لافتاً إلى أن كثيراً من القطاعات تلقت 15% أو أقل من التمويل المطلوب، بما فيها قطاعات تُعدّ حيوية لزيادة قدرة الناس على التحمل أمام المجاعة وانعدام الأمن الغذائي.
وفيما تكرر الأمم المتحدة الدعوات نفسها للدول المانحة منذ بداية الحرب والحصار بضرورة الدعم السخي لتمويل خططها الإغاثية والإنسانية، إلا أن الأثر الفعلي لهذا الدعم المتجدد كل عام لا يلمس على أرض الواقع، حيث تتسع يوماً بعد آخر رقعة الأزمة الإنسانية الناتجة عن الوضع الذي خلفته الحرب وما صاحبها من حصار واستهداف لاقتصاد البلاد.
وبالنظر إلى هذا المصير المجهول للمليارات من أموال المانحين كمساعدات إنسانية لليمن، تواجه الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، اتهامات بالتلاعب بتلك الأموال، وتبديد الجزء الأكبر منها كنفقات تشغيلية والتواطؤ مع حكومة هادي على حرمان قرابة 80% من اليمنيين، وهو قوام سكان المناطق والمحافظات التي تسيطر عليها حكومة صنعاء، من غالبية برامج المساعدات الإنسانية.
وتؤكد الأمم المتحدة في تقاريرها توصيف اليمن بأكبر أزمة إنسانية في العالم، مؤكدة أن ما يقرب من 70٪ من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بعد أن أدت الأزمة إلى انتكاسة التنمية البشرية في البلاد لأكثر من 20 عاماً، مما أثر على المؤسسات الوطنية والخدمات العامة والبنى التحتية.
وتتسع مأساة اليمن، يوماً بعد آخر، مع استمرار نمو الاحتياجات الإنسانية وتقاعس الأمم المتحدة عن القيام بدورها المفترض، لإنهاء الحرب والحصار المفروض على البلاد، أو حتى الضغط على التحالف وحكومة هادي التابعة له، لرفع الحصار والقيود المفروضة على الواردات وتحييد الاقتصاد والنأي به عن الصراعات، حيث اقتصر دورها في الأعوام الأخيرة، على إطلاق التحذيرات وإثارة مخاوف دول العالم من العواقب الإنسانية الخطيرة لتزايد نسبة الجوع وارتفاع معدلات سوء التغذية في اليمن.
ويعتبر المراقبون إخفاق الأمم المتحدة، منذ سنوات، في إيقاف الحرب ورفع الحصار المفروض على اليمن، وتطبيع الوضع الاقتصادي ولو بشكل جزئي، واستئناف صرف رواتب موظفي الدولة المنقطعة منذ عام 2016م، دليلاً قاطعاً على مساعيها لإطالة أمد الحرب في اليمن، بما يوفر لها الذريعة للحصول على المزيد من الأموال، تحت مسمى إغاثة الشعب اليمني، ما يجعل المنظمات الأممية والعاملين فيها المستفيد الوحيد من تلك التمويلات.
ويضيف المراقبون أن اليمن لا يحتاج إلى أي مساعدات خارجية، بقدر حاجته الماسة لإيقاف الحرب ورفع الحصار المفروض على موانئه ومطاراته، وكل أشكال التدخلات الخارجية في شؤونه، والتي ستكون كفيلة باستعادة النشاط الاقتصادي والتنمية الشاملة في البلد الغني بموارده وثرواته الطبيعية.