لا مفر أمام سفن التجارة من إعادة مسارها إلى موانئ الحديدة، ليس فقط لأن حكومة هادي بأوامر من التحالف أقرت رفع سعر التعرفة الجمركية 100% للبضائع الواصلة إلى الموانئ الخاضعة لسيطرتها، بل ولأن التحالف عبر تصعيده للحصار الشامل، أحال مسارها في فترات سابقة إلى موانئ عدن وحضرموت من موانئ البحر الأحمر (الحديدة الصليف رأس عيسى).
ورغم ما يترتب على ذلك المسار الجبري من زيادة حتمية في كلفة النقل لاعتبارات المسافة التي تقطعها السفن، وارتفاع التأمين عليها وغرامات التأخير في الوصول إلى المستهلكين، ومخاوف الابتزاز الذي تكررت حالاته في النقاط الأمنية المتعددة لقوى الصراع في مناطق سيطرة التحالف، غير أن الأسئلة المحورية الأهم في القضية برمتها هي: هل سينقذ الميناء الشعب اليمني من تبعات رفع الدولار الجمركي من 250 إلى 500 ريال؟ وما الذي سيقدمه ميناء الحديدة لسفن الواردات التجارية والإمدادات؟ وما مدى جاهزيته؟ وهل سيتركه تحالف الحرب والحصار لأداء مهامه؟ ولماذا استهدف التحالف الميناء منذ بدء الحرب صبيحة 26 مارس 2015م؟
التقارير التجارية الرسمية الصادرة عن مؤسسة موانئ البحر الأحمر والاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية اليمنية، أكدت في أكثر من مقام، أن ميناء الحديدة يُعدُّ أهم المنافذ التي تلبي حاجة 75% من سكان اليمن، بحكم قربه الجغرافي من المحافظات التي يتركز فيها السكان، بالإضافة إلى يسر وأمان وصول البضائع والحركة التجارية إلى أغلب المحافظات اليمنية، بما فيها بعض المحافظات المتاخمة لمناطق سيطرة التحالف.
حكومة صنعاء أكدت، عقب إعلان حكومة هادي رفع سعر الدولار الجمركي، أنها ملتزمة بتقديم كافة التسهيلات للمستوردين، داعية كافة التجار اليمنيين إلى تحويل مسارهم التجاري البحري إلى موانئ الحديدة، مقررة تثبيت قيمة الدولار الجمركي عند 250 ريالاً فقط.
وزارة النقل بصنعاء أكدت أنها تجري استكمال إنشاء المختبر المركزي للمواصفات والمقاييس والجودة في الميناء.. مؤكدة أن المشروع الذي يأتي على طريق رفع مستوى جاهزية الميناء، يهدف إلى تجويد وتوسيع الخدمات التي سيقدمها في مجال فحص المواد الغذائية والنفطية وفق أعلى المواصفات والمقاييس العالمية، والجهود المبذولة لتقديم كافة التسهيلات للتجار والمستوردين.
موانئ البحر الأحمر (الحديدة، الصليف، رأس عيسى) التي تحاذي خاصرة البحر الأحمر بشريطه الساحلي اليمني، ظلت أهدافاً مفتوحة لطلعات طيران التحالف منذ بدء العمليات العسكرية بقيادة السعودية والإمارات، ليشل القصف منذ صبيحة 26 مارس 2015م حركة الموانئ التجارية التي كانت منفذاً لصادرات اليمن النفطية وغير النفطية، متسبباً في ايقاف الصادرات النفطية من ميناء رأس عيسى والمقدرة سنوياً بقرابة 100 مليون برميل، وفقاً لتقارير اقتصادية رسمية تداولتها وسائل الإعلام الخارجية، كما أوقفت الحرب صادرات القطاع الصناعي اليمني المقدرة سنوياً بقرابة 200 ألف طن.
كما ظلت تلك الموانئ عرضة لتصعيد الحصارات المتكررة من قبل التحالف، بدءاً من صدور قرار الأمم المتحدة بشأن إنشاء آلية التحقق والتفتيش (UNVIM) في أغسطس 2015م، أي بعد خمسة أشهر من بداية الحرب، بهدف تعقيد مسار سفن المشتقات والغذاء والدواء، وتأخير وصول الشحنات التجارية إلى ميناء الحديدة، ما نتج عنه ارتفاع مدة تأخر السفن في الرسو لمناولة البضائع من 24 ساعة قبل الحرب إلى 24 يوماً بعدها، وفق تقرير للبنك الدولي، وهو ما اعتبره القطاع الخاص التجاري اليمني محاولة من حكومة هادي المسنودة من التحالف لتحويل مسار السفن التجارية وشحنات المشتقات النفطية إلى موانئ عدن، وهو ما كبد القطاع التجاري خسائر فادحة، وانعكس ذلك على الأسعار التي ارتفعت بشكل جنوني في الأسواق اليمنية.
حكومة هادي المدعومة من التحالف، لم تتوقف عند هذا الضغط والحصار ومنع سفن الوقود والمشتقات النفطية من الوصول إلى ميناء الحديدة، -حسب المصادر التجارية- بل استشعرت أنها قد نجحت في تحويل مسار الملاحة البحرية، لتتخذ قرار رفع الرسوم الجمركية المشار إليه سابقاً، لكن الرفض العارم- شعبياً وتجارياً- كان صادماً لحكومة هادي، خاصة بعد أن أعلن الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية اليمنية في كافة محافظات الجمهورية رفضه للقرار التعسفي القاضي برفع قيمة الدولار الجمركي، مهددين بالاستيراد عبر موانئ الحديدة، وطالبوا في بيانات المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالضغط على التحالف بضرورة رفع القيود على ميناء الحديدة.
الأهم في ما سبق، حسب رؤية خبراء الاقتصاد، ليست المسألة مرتبطة بمدى جاهزية ميناء الحديدة لاستيعاب الحركة التجارية من عدمها، وإمكانياته في إنقاذ الشعب اليمني من تبعات قرارات حكومة هادي وتعنت التحالف، بل ترتبط القضية برمتها في تجاهل التحالف للدعوات الدولية والأممية، بما فيها دعوة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن السويدي هانس غروندبرغ- الذي عُيّن مؤخراً- التي أطلقها في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي والتي شددت على ضرورة رفع الحظر والقيود على ميناء الحديدة..