وسط ما وصفتها الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية، قفزت أسعار الغذاء في اليمن إلى مستويات قياسية، الأمر الذي ألقى بتأثيراته على حياة أكثر من 30 ميلوناً، هم سكان البلد الذي يعاني حرباً متواصلة وحظراً على الواردات للعام السابع توالياً.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإن أسعار المواد الغذائية في اليمن ارتفعت بنسبة 200% عمَّا كانت عليه قبل بدء الحرب، التي دخلت قبل شهرين عامها السابع، وهو الأمر الذي انعكس على الحياة المعيشية للملايين من الأسر في عموم البلاد.
ومع استمرار الحرب وما أفرزته من أزمة اقتصادية، أسهم استخدام الاقتصاد كورقة حرب في تفاقمها بشكل متسارع، تصاعدت أسعار المواد الغذائية، فيما تسبب الانهيار الكبير الحاصل في سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، في تراجع كبير للقدرة الشرائية للريال اليمني، لتقفز أسعار جميع السلع على نحو غير مسبوق.
ربما تنطبق النسبة التي أوردها البرنامج الأممي للارتفاع في أسعار الغذاء باليمن، على المناطق الواقعة في نطاق سلطة صنعاء، والتي ارتفعت فيها الأسعار بما يقارب ما ذكره البرنامج، غير أن الأسعار ليست موحدة في عموم البلاد، ففي المحافظات التي تقع في نطاق سلطة صنعاء تتضافر العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء، وعلى رأس تلك العوامل تأتي القيود المفروضة على الواردات عبر موانئ الحديدة، وما تسبب به احتجاز سفن الوقود المتوجهة إلى هذه الموانئ من أزمة في المشتقات النفطية، انعكست بشكل مباشر على أجور النقل، وكذلك على القطاعات التجارية والإنتاجية.
وتبعاً لانقسام النظام المالي للبلاد، وفارق سعر الصرف بين الطبعتين القديمة والجديدة من العملة المحلية، والذي بلغ حسب أسعار الصرف اليوم 340 ريالاً، حيث بلغ سعر الريال اليمني مقابل الدولار في صنعاء، 597 ريالاً، وفي عدن 940 ريالاً للدولار الواحد، نجد فارقاً كبيراً في أسعار السلع والمواد الأساسية بين كل من مناطق سيطرة الحكومة المدعومة من التحالف ومناطق حكومة صنعاء.
وفي عدن وغيرها من المحافظات اليمنية الواقعة في نطاق سيطرة الحكومة المدعومة من التحالف، ارتفعت أسعار المواد الغذائية لتتجاوز النسبة التي أعلن عنها برنامج الأغذية العالمي بكثير، حيث اقترب سعر كيس الدقيق عبوة 50 كجم من 25 ألف ريال، فيما كان يباع في سنوات ما قبل الحرب بحوالي 5 آلاف ريال، وهي نسبة تتجاوز 500%، كما ارتفعت بنسبة مقاربة بقية السلع الأساسية كالأرز والزيت والسكر وغيرها.
وكانت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة (غير حكومية أمريكية)، قد توقعت في تقريرها الشهري، في أبريل الماضي، استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية في اليمن، منوهة بالتأثير الذي يخلفه استمرار تهاوي سعر الريال اليمني مقابل الدولار في عدن وغيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المدعومة من التحالف، مقابل حالة الاستقرار لسعر الصرف في صنعاء والمحافظات التابعة لها.
ورغم الرابط الوثيق بين انخفاض سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار، وضعف قيمته الشرائية، إلا أن خبراء اقتصاد أكدوا أن الارتفاع الكبير لأسعار الغذاء في عدن والمحافظات الواقعة في نطاق سيطرة الحكومة المدعومة من التحالف، يبدو غير متناسب مع الانخفاض في سعر صرف العملة، مشيرين إلى أن الارتفاع في أسعار السلع الغذائية خلال الأشهر الماضية من العام الحالي، يتجاوز 50% من الأسعار خلال العام الماضي 2020، في حين أن الانخفاض الحاصل في سعر الريال خلال الفترة نفسها، لا يتعدى 15%.
وإلى جانب الأزمة الاقتصادية التي أفرزتها الحرب، والقيود المفروضة على تدفق الواردات إلى البلاد، عبر موانئ الحديدة التي يدخل عبرها ما يقارب 70% من احتياجات البلاد، وارتفاع أجور النقل نتيجة أزمة الوقود الحاصلة جراء احتجاز سفن النفط من قبل التحالف والحكومة الموالية له، فإن الارتفاع العالمي في أسعار الغذاء، يسهم من جهته في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلد الذي أنهكت الحرب اقتصاده الهش، وخلفت أوضاعاً إنسانية ومعيشية هي الأصعب في تاريخ البلاد.
وكانت الأمم المتحدة حذرت من ارتفاع أسعار الغذاء في العالم بوتيرة هي الأسرع منذ أكثر من 10 أعوام، حيث تعتمد المنظمة في حساباتها على مؤشرات واسعة تشمل تكلفة الغذاء على المستوى العالمي، والتي سجلت ارتفاعاً متواصلاً خلال الأشهر الـ 12 الأخيرة، مشيرة إلى تأثر التموين العالمي باضطراب الإنتاج واليد العاملة والنقل بسبب جائحة فيروس كورونا، وسط مخاوف من حدوث تضخم تعطل فيه تكلفة الغذاء العالية تعافي الاقتصاد العالمي.