قافزاً على معاناة ملايين اليمنيين، والأوضاع الإنسانية الصعبة، جراء التردي الاقتصادي، والقيود المفروضة على دخول الواردات إلى البلاد، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية، قدم المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي، الخميس، مركزاً على الخارطة المقترحة أممياً، أو ما يسمى “الإعلان المشترك”، الذي يتبناه ويروج له، منذ أشهر، ويطرحه في جولات المفاوضات مرة بعد أخرى، وإن بتعديلات طفيفة في كل مرة، قد لا تبدو قادرة على تحقيق أي تقدم نحو الحل، غير أنه هذه المرة، رهن إنهاء معاناة اليمنيين على المستوى الإنساني، بوصول أطراف النزاع في اليمن إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في عموم البلاد.
تحدث غريفيث في إحاطته عن الآثار المدمرة للحرب التي دخلت عامها السابع، وبينها الآثار الإنسانية، قائلاً: “لقد غيَّر النِّزاع نظرة الكثير من اليمنيين لحياتهم ومستقبلهم. وفي مناطق عدة من البلاد، عانى جيل من الأطفال من تقطع التعليم أو الحرمان منه كلياً. وفرص العمل كثيراً ما تكون محدودة أو منعدمة تماماً. ومؤسسات الدولة التي تلعب دوراً حيوياً في تقديم الخدمات الأساسية عانت من سنوات من التآكل. وتؤدي مشكلات استيراد الوقود للاستخدام المدني إلى رفع أسعار السلع الأساسية. وأصبح الحصول على الكهرباء في بعض مناطق اليمن معاناة يومية”.
وأشار المبعوث الأممي إلى إجماع ممثلي الأطراف المتفاوضة، على إنهاء الحرب كهدف أساسي، بالإضافة إلى التقاء لأصوات دبلوماسية داعمة لإنهاء الحرب وحل النزاع سياسياً بنجاح.
وقال غريفيث: “إنَّ طريقة إنهاء الحرب معروفة وقد نوقشت عناصرها الأساسية مراراً مع الطرفين. وتقر هذه النقاشات بإلحاح الوضع الإنساني، وتهدف إلى توفير نقاط دخول أساسية للتصدي للحاجات الإنسانية من خلال تلك النقاط الأربع، وتهدف إلى بناء الثقة وقنوات اتصال مستدامة على خلفية ذلك بين الطرفين، لكي لا يعودوا إلى الحرب من جديد”، وهو ما اعتبره المبعوث الأممي سبباً رئيسياً للأمل في التوصل إلى حل نهائي للأزمة اليمنية.
كما أكد أنه على خلاف جولات المفاوضات السابقة، فإن المفاوضات في هذه المرة تركز على وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وليس وقفاً جزئياً لإطلاق النار، مضيفاً: “كما نصر على موعد محدد يتفق عليه الطرفان في إطار الاتفاق لإطلاق العملية السياسية التي لا يمكن تجنبها بما لها من أهمية حرجة”.
من مأرب إلى الحديدة إلى تعز، استعرض المبعوث الأممي الأوضاع في ظل الاقتتال المحتدم في تلك المحافظات، غير أن مارب والقتال الدائر فيها كانت النقطة الأبرز في الإحاطة، باعتبارها أهم النقاط التي يجري التفاوض حول إيقاف القتال فيها، وفي سبيل ذلك عرض غريفيث في إحاطته أوراقاً إنسانية سبق أن عرضتها السعودية في مبادرتها في 21 مارس الماضي، وهو ما رفضته صنعاء، مؤكدة أنه ليس من المقبول مقايضة الملف الإنساني بملفات اقتصادية وعسكرية.
وقدم غريفيث خلال إحاطته ما اعتبره رسائل تشجيعية، من خلال استعراض للخطوات التي ستلي الوصول إلى الاتفاق من خلال جولة المفاوضات الحالية قائلاً: ما يمكن حدوثه في اليوم الذي يلي الوصول لاتفاق: في الحديدة ستتم إزالة عوائق دخول السفن، مما سيسمح لجميع السفن التي تحمل النفط وغيره من السلع الأساسية بالرسو وتفريغ بضائعها وحمولاتها. وسوف تُوجَّه الإيرادات من الضرائب على هذه السفن إلى رواتب موظفي الخدمة المدنية. وسيشهد مطار صنعاء رحلات جوية إلى وجهات محلية ودولية. سيعود الطلاب إلى ديارهم، وسيسافر المرضى لتقلي العلاج”.
وأضاف: “إنَّ وقف إطلاق النَّار في جميع أنحاء اليمن يعني أن تصمت البنادق، وأن يتم فتح الطرق التي أغلقتها جبهات القتال لوقت طويل، وسيتم ذلك تدريجياً وليس في يوم واحد، ولكن في وقت قصير للسماح بمرور البضائع، الإنسانية منها أولاً، ثم تمكين الناس من الحركة بحرية، ليتمكن الأطفال من الذهاب إلى المدرسة بدون عوائق، وليعود العمال إلى أماكن عملهم عبر الخطوط التي أعاقت ذلك”.
وفي ختام إحاطته، أبدى غريفيث أمله في “أن يتفق الطرفان على استئناف محادثات السلام تحت رعاية الأمم المتحدة مع الاتفاق على موعد لذلك.. مضيفاً: “ونحن جاهزون ومستعدون، وسيشمل هذا الحوار السياسي الجميع، وسيقوده ويملكه اليمنيون، وسيهدف إلى إنهاء النزاع بشكل مستدام وشامل وهو ما يتطلع إليه الشعب اليمني كما يتم تذكيرنا مراراً”.
ويرى مراقبون أن التصور الذي عبر عنه غريفيث في إحاطته الأخيرة المقدمة إلى مجلس الأمن، وذلك من خلال ربطه للملف الإنساني في اليمن، بالتوقيع على صيغة اتفاق لوقف إطلاق النار، هو ذات التصور أو المقترح الذي عبرت صنعاء عن رفضها في وقت سابق، أي مقايضة بالملف الإنساني، مقابل ملفات عسكرية أو سياسية، وكذلك رفضها الربط بين الملفات السياسية والعسكرية، وبين ما تعتبره حقوقاً قانونية للشعب اليمني، من فتح للمنافذ والمطارات ورفع القيود عن الموانئ، والسماح لتدفق الواردات عبرها.
وأكد المراقبون أن الإحاطة الأخير للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، لم تقدم أي مقاربة نحو حل للملفين الاقتصادي والإنساني في اليمن، وهو ما يؤكد أن الموقف الأممي من الحرب في اليمن لا يزال يراوح مكانه، حيث تبدو الأمم المتحدة عاجزة عن اتخاذ مواقف جدية في ما يتعلق بالملفين الاقتصادي والإنساني في اليمن، وهما الملفان اللذان يتم استغلالهما كورقتين سواء في الحرب أو في البحث عن مساعٍ لإحلال السلام، رغم مخالفة ذلك للقوانين الدولية، ورغم ما يترتب على ذلك الاستخدام والاستغلال من آثار كارثية تهدد حياة ملايين اليمنيين، ناهيك عن ما تضمنته هذه الإحاطة من ربط لهذين الملفين بوصول أطراف النزاع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، الأمر الذي يجعل الأمم المتحدة في نظر العالم، شريكاً في الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعاني منها اليمنيون، وهي التي سبق أن وصفت، عبر تقاريرها، ما يدور في اليمن بأسوأ كارثة إنسانية شهدها العالم.