يمن إيكو| خاص:
قال الصحافي البرازيلي بيبي إسكوبار، إن أنصار الله الحوثيين في اليمن يقلبون الجغرافيا السياسية والاقتصاد الجيوسياسي رأساً على عقب، ليس بالصواريخ والطائرات بدون طيار فحسب، بل بمحيطات من الدهاء والفطنة الاستراتيجية. وأكد أن هدف عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر كان منذ البداية، ولا يزال، وقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، مشيراً إلى أن شركات التأمين البحري الغربية فهمت قواعد الحصار الذي فرضه أنصار الله، حيث رفضت شركات التأمين العالمية فقط تغطية السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، تماماً كما أراد اليمنيون، أنصار الله، وأوضح أن الغرب بحاجة إلى الاطلاع على بعض الحقائق التاريخية ليفهم “العقلية اليمنية”.
ونشر موقع “المهد” مقالاً للصحافي البرازيلي بيبي إسكوبار، بعنوان (كيف تعيد “الحَمِيَّة” اليمنية تشكيل الجغرافيا السياسية)، ورصده وترجمه “يمن إيكو”، قال فيه: “لقد أوضحت قوات أنصار الله الحوثيين في اليمن، منذ البداية، أنها فرضت حصاراً على باب المندب وجنوب البحر الأحمر فقط ضد سفن الشحن المملوكة لإسرائيل أو المتجهة إليها. وكان هدفهم الوحيد، ولا يزال، وقف الإبادة الجماعية في غزة التي يرتكبها المختلون الإسرائيليون الكتابيون”.
وقال إسكوبار إن الولايات المتحدة الأمريكية ردت على ما وصفه بالتضامن الأخلاقي لإنهاء الإبادة الجماعية للبشرية في غزة، بـ”إعادة تصنيف الحوثيين في اليمن على أنهم منظمة إرهابية، كما كان متوقعاً، وشنت قصفاً متسلسلاً لمواقع تحت الأرض. المنشآت العسكرية لأنصار الله (على افتراض أن المخابرات الأمريكية تعرف مكانها)، وشكلوا تحالفاً صغيراً يضم أتباعهم من المملكة المتحدة وكندا وأستراليا وهولندا والبحرين”، مضيفاً: “وبدون أي تردد، أعلن البرلمان اليمني حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة شبكات إرهابية عالمية”.
الصحافي البرازيلي تحدث عن الاستراتيجية التي تستخدمها القوات اليمنية التابعة لحكومة صنعاء، قائلاً: “بحركة واحدة، استحوذت القوات اليمنية على الميزة الاستراتيجية من خلال السيطرة الفعلية على عنق الزجاجة الجيواقتصادي الرئيسي: باب المندب”، ملمحاً إلى أن استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد يدفع بالحوثيين إلى توسيع عملياتهم البحرية التي أعلنوا منذ البداية أن هدفها وقف الإبادة الجماعية في غزة، بقوله إن “لدى أنصار الله القدرة على مضاعفة جهودهم، إذا لزم الأمر”.
وكما يبدو أن بيبي إسكوبار استند في توقعاته إلى تأكيدات تجار خليجيين تشير إلى تصعيد بحري محتمل، حيث قال إن تجاراً في الخليج العربي “أكدوا بشكل غير رسمي، أحاديث مستمرة مفادها أن اليمن قد يفكر في فرض ما يسمى بـ”مثلث الأقصى” الذي سمي على نحو مناسب على اسم عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر”، مؤكداً أن “مثل هذه الخطوة ستعني الإغلاق الانتقائي ليس فقط لطريق باب المندب والبحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس، ولكن أيضاً مضيق هرمز، وقطع إمدادات النفط والغاز إلى إسرائيل من قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن أكبر موردي النفط لإسرائيل هم في الواقع أذربيجان وكازاخستان”.
ونوّه إسكوبار بأن اليمنيين لا يخافون شيئاً إلا أن فكرة “مثلث الأقصى”، ستتحقق فقط بمشاركة إيرانية مباشرة، موضحاً: “هؤلاء اليمنيون لا يخافون من شيء. وإذا تمكنوا من فرض المثلث- في هذه الحالة فقط بمشاركة إيرانية مباشرة – فإن ذلك من شأنه أن يحقق التصميم الكبير لقائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة”، مؤكداً: “تحمل هذه الخطة إمكانية واقعية لإسقاط هرم مئات التريليونات من الدولارات من المشتقات المالية، وبالتالي النظام المالي الغربي برمته”، واستدرك قائلاً: “رغم ذلك، حتى مع سيطرة اليمن على البحر الأحمر وإيران على مضيق هرمز، فإن “مثلث الأقصى” يظل مجرد فرضية قيد التنفيذ”.
إسكوبار أكد أن اليمنيين تمكنوا حتى الآن من إضعاف مصداقية السردية التي حولتها الولايات المتحدة إلى كذبة كبيرة سمينة مفادها أن “أنصار الله يهاجمون الاقتصاد العالمي بالكامل”، موضحاً أن “عمالقة التأمين في الغرب فهموا تماماً قواعد الحصار المحدود الذي فرضه أنصار الله: فالسفن الروسية والصينية، على سبيل المثال، تتمتع بحرية المرور في البحر الأحمر. لقد رفضت شركات التأمين العالمية فقط تغطية السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، تماماً كما أراد اليمنيون”.
وقلل إسكوبار من شأن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على حركة أنصار الله، مشيراً إلى أن “واشنطن وتحت عنوان “حرية الملاحة المقدسة، التي يتم تطبيقها دائماً بشكل انتقائي، وضعت رهاناتها على المجتمع الدولي، بما في ذلك قادة الجنوب العالمي، متوسلين الرحمة، كما هو الحال في التوسل لإبقاء ممرات الشحن مفتوحة”. مؤكداً أن “الهدف من الخداع الأمريكي الجديد المعادة صياغته هو دفع الجنوب العالمي إلى التخلي عن دعمه لاستراتيجية أنصار الله”.
الصحافي البرازيلي قال إن الولايات المتحدة سوف تستخدم حيلة بمحاصرة البحر الأحمر كاملاً، لتلقي بالمسؤولية على أنصار الله، على اعتبار أنها لن تتضرر من ذلك لاعتماد الشحن الأمريكي على طرق أخرى، حيث قال: “انتبهوا إلى هذه الحيلة الحاسمة للولايات المتحدة: لأنه من الآن فصاعدا، فإن واشنطن هي التي ستحاصر البحر الأحمر أمام العالم بأسره”. مشيراً إلى أن واشنطن تعتقد أنها سوف تنجو من ذلك، “فالشحن الأمريكي يعتمد على طرق التجارة في المحيط الهادئ، وليس طرق غرب آسيا. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الآلام التي يتحملها العملاء الآسيويون، وخاصة الاقتصاد الأوروبي، الذي تلقى بالفعل الضربات الأقوى نتيجة لعقوبات الطاقة الروسية المرتبطة بأوكرانيا”، مؤكداً أن هذا في الواقع هو الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة، التي وصفها بـ” إمبراطورية الفوضى الكلاسيكية”.
فيما يتعلق بارتباط العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر بحرب الإبادة الجماعية والحصار على قطاع غزة، ورد الولايات المتحدة على ذلك بهجمات على العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المدن، ومدى تأثير هذه الهجمات على أنصار الله، قال إسكوبار: “لا يوجد دليل قوي على أن البنتاغون لديه أدنى فكرة حول ما تضربه صواريخ التوماهوك في اليمن. وحتى عدة مئات من الصواريخ لن تغير شيئاً”، مؤكداً أن “أنصار الله، الذين تحملوا بالفعل ثماني سنوات من القوة النارية المتواصلة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، وانتصروا بشكل أساسي، لن يلينوا اليوم بسبب بضع ضربات صاروخية”.
ولفت إلى ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين عسكريين أمريكيين، قالوا إن “تحديد أهداف الحوثيين أثبت أنه أكثر صعوبة من المتوقع”، مرجعاً ذلك أيضاً إلى فشل الاستخبارات الأمريكية.
وتطرق إسكوبار إلى الدوافع الأخلاقية والدينية والإنسانية التي استند إليها القرار اليمني بحظر السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحر الأحمر وارتباط ذلك بما يواجهه سكان قطاع غزة من حرب إسرائيلية وحشية، حيث أشار إلى أن “من المفيد للغاية الاستماع إلى الطريقة التي يصوغ بها رئيس حكومة صنعاء عبد العزيز بن حبتور قرار مبادرة أنصار الله بشأن الحصار الإسرائيلي، واستناده إلى جوانب إنسانية ودينية وأخلاقية، والذي يشير بشكل حاسم إلى “أهلنا في غزة”.
كما قدم سرداً تاريخياً موجزاً، ربط من خلاله التاريخ بالجغرافيا، “من إنشاء إسرائيل إلى أزمة السويس وحرب فيتنام، يتذكر رئيس الوزراء اليمني كيف وصل الإسكندر الأكبر إلى شواطئ عدن وجزيرة سقطرى لكنه هزم، وحاول الغزاة احتلال العاصمة لدولة سبأ التاريخية وفشلت، وكم دولة عبر التاريخ حاولت احتلال الساحل الغربي لليمن وفشلت؟ بما في ذلك بريطانيا”، مؤكداً أن “من المستحيل تماماً بالنسبة للغرب وحتى للأغلبية العالمية أن يفهموا العقلية اليمنية بدون تعلم بعض الحقائق التاريخية”.
وتحت العنوان الفرعي “ابن خلدون يفك شفرة أنصار الله”، قال إسكوبار إن أستاذ التاريخ العالمي ابن خلدون في القرن الرابع عشر، كان بشكل حاسم، سلفاً لكانط، الذي قدم رؤية رائعة مفادها أن “الجغرافيا تكمن في أساس التاريخ”. وقرأ أستاذ الفلسفة الأندلسية ابن رشد في القرن الثاني عشر، بالإضافة إلى كتاب آخرين اطلعوا على أعمال أفلاطون، وفهم كيف أشار الأخير إلى القوة الأخلاقية “للشعب الأول” في تيماوس، عام 360 قبل الميلاد”.
وتابع: “نعم، يتلخص هذا في القوة الأخلاقية، بالنسبة للغرب مجرد كلام، بالنسبة للشرق فلسفة أساسية. لقد أدرك ابن خلدون كيف بدأت الحضارة وتجددها باستمرار على يد أناس يتمتعون بالخير الطبيعي والطاقة؛ الأشخاص الذين فهموا واحترموا العالم الطبيعي، الذين عاشوا النور، متحدين بالدم أو تجمعهم فكرة ثورية مشتركة أو دافع ديني”، منوهاً بأن ابن خلدون عرَّف “الحَمِيَّةَ” بأنها “القوة التي تربط الناس ببعضهم البعض”.
وأردف: “مثل العديد من الكلمات في اللغة العربية، تعرض “الَحَمِيَّةُ” مجموعة من المعاني المتنوعة والمترابطة بشكل فضفاض. ويمكن القول إن الأمر الأكثر أهمية هو روح العمل الجماعي، وروح الفريق، والتضامن القبلي، تماماً كما يظهر أنصار الله”.
واستناداً إلى تعريف ابن خلدون للحميَّة، يقول اسكوبار: “عندما يتم تسخير قوة الحَمِيَّة بالكامل، وتصل إلى ما هو أبعد من القبيلة، فإنها تصبح أقوى من مجموع أجزائها الفردية، ويمكن أن تصبح حافزاً لإعادة تشكيل التاريخ، لإنشاء الإمبراطوريات أو كسرها، لتشجيع الحضارات. أو إجبارها على الانهيار”، موضحاً: “من المؤكد أننا نعيش لحظة حَمِيَة، سببتها القوة المعنوية لأنصار الله”.
الصحافي البرازيلي أكد أن أنصار الله هم الوحيدون الذين فهموا تهديد الصهيونية ويعملون على إيقافه، وفضحوا أيضاً كيف كانت القوى العالمية المسنودة بالمال تتحكم في قرارات اليمن السياسية والسيادية، موضحاً: “لقد فهم أنصار الله بالفطرة التهديد الذي تمثله الصهيونية الأخروية، والذي يصادف أنه يعكس الحروب الصليبية المسيحية قبل ألف عام. وهم الوحيدون تقريباً، من الناحية العملية، الذين يحاولون إيقافه، والآن، كمكافأة إضافية، يقومون بفضح الهيمنة البلوتوقراطية مرة أخرى، التي دمرت اليمن، أفقر دولة قومية عربية، حيث لا يزال نصف السكان، على الأقل، يعانون من انعدام الأمن الغذائي”.
وعودة إلى حرب التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن من 2015م، قال إسكوبار إن “أنصار الله يتركون اليوم بصمة كبيرة ويقاتلون بشراسة العرب التابعين للهيمنة الغربية، خصوصاً أولئك الذين وقعوا اتفاقات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مؤكداً أن الحرب السعودية الإماراتية على اليمن، كانت “بمثابة مستنقع كلف الرياض ما لا يقل عن 6 مليارات دولار شهرياً لمدة سبع سنوات. وانتهت بهدنة متذبذبة عام 2022 في انتصار فعلي لأنصار الله”.
وأكد أن أنصار الله الآن “يقلبون الجغرافيا السياسية والاقتصاد الجيوسياسي رأساً على عقب، ليس فقط ببضعة صواريخ وطائرات بدون طيار، ولكن أيضاً بمحيطات من الدهاء والفطنة الاستراتيجية”.
واستحضر إسكوبار حكمة صينية تقول إن “صخرة واحدة تغير مسار جدول مائي، ثم تغير بعد ذلك مسار نهر عظيم”، ليتحدث بعدها قائلاً: “الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين وإيران ربما ساهمت بصخور وضعتها في هذا الطريق من أجل نظام أكثر عدالة، والجميل في الأمر أننا قد لا نكون قادرين على رؤية هذه الصخور، ولكن نشعر بالتأثيرات التي تسببها، لكن ما نراه هو المقاومة اليمنية الصلبة كالصخر”.
واختتم الصحافي البرازيلي مقاله بالإشارة إلى أن أنصار الله يستطيعون دائماً زيادة الضغوط من خلال التمسك بخطابهم بقوة، ومدفوعين بقوة الحمية، مؤكداً أن تورط الولايات المتحدة في مواجهة مع اليمن ستجعل تجربتها في أفغانستان والعراق وسوريا تبدو وكأنها “عطلة نهاية أسبوع في ديزني لاند”.
وكان الصحافي البرازيلي، بيبي إسكوبار، ذكر في مقال سابق على موقع “المهد”، رصده “يمن إيكو”، إن الحصار الذي يفرضه أنصار الله في البحر الأحمر يقلص حجم قوة البحرية الأمريكية، ووصفه بـ”المذهل”، مشيراً إلى أن التأثيرات المتوالية لهذا الحظر “تمتد إلى ما هو أبعد من الشحن العالمي، وسلاسل التوريد، وحرب الممرات الاقتصادية، بالإضافة إلى أنه يقلص حجم قوة البحرية الأمريكية إلى درجة أنها أصبحت عديمة الأهمية بعد ما نالت الكثير من الإعجاب، وفق تعبيره.
وأشار إسكوبار إلى أن أنصار الله قالوا بشكل واضح إنه “سيتم اعتراض أي سفينة تابعة لإسرائيل أو متجهة إلى إسرائيل، وبينما أبدت دول الغرب انزعاجها من هذا الأمر وتخيلت نفسها هدفاً، أدركت بقية دول العالم تماماً أن جميع أنواع السفن الأخرى آمنة في المرور من البحر الأحمر”، مؤكداً أن “الناقلات الروسية والسفن الصينية والإيرانية وسفن الجنوب، مستمرة في التحرك بدون عائق عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر”.