يمن إيكو| خاص:
كشف تحقيق استقصائي لشبكة “بي بي سي” أن الإمارات العربية المتحدة هي التي تقف خلف الاغتيالات السياسية في اليمن، حيث دأبت على تمويلها وإدارتها بدوافع سياسية، الأمر الذي ساهم في تفاقم النزاع بين الفصائل المتناحرة.
وأشار التحقيق، الذي رصده “يمن إيكو”، إلى أن “قوات من المرتزقة الأمريكيين دربت وحدات إماراتية عاملة في اليمن، استُخدمت في تدريب عناصر محليين يمكنهم العمل بتستّر، تحت غطاء مكافحة الإرهاب”.
ورغم أن الهدف المعلن للمرتزقة الأمريكيين كان القضاء على خلايا تنظيمي القاعدة وداعش في جنوب اليمن، إلا أن الإمارات ذهبت أبعد من ذلك، حيث جندت عناصر سابقين في القاعدة لحساب جهاز أمني أنشأته للعمل الميداني لقتال حركة أنصار الله وفصائل أخرى مسلحة، حسب التحقيق.
التحقيق أشار إلى أن التحالف الإقليمي الدولي الذي قادته السعودية- وكانت الإمارات شريكاً أساسياً فيه- في عام 2015، وتقف خلفه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، من أجل إعادة الحكومة اليمنية من المنفى ومكافحة الإرهاب، مَنح الإماراتِ السيطرةَ الأمنية في الجنوب، فغدت بدورها الحليفَ الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة.
في أغسطس 2019 اندلع قتال في مناطق الجنوب بين من وصفها التحقيق بـ”القوى المتحالفة ظاهرياً”، وهي قوات الحكومة المدعومة من السعودية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، وفي الأثناء استغل مقاتلون من القاعدة في شبه الجزيرة العربية ومناصرون محليون لداعش المناوئ، حالة الفوضى وسيطروا على مناطق جنوبية، كما نفذوا هجمات قاتلة، خصوصاً في مدينة عدن، وكان غالبية الأشخاص المستهدفين في الاغتيالات من منتسبي حزب “الإصلاح”- الفرع اليمني لتنظيم الإخوان المسلمين- وفق التحقيق.
وقال فريق التحقيق إنه حصل على مشاهد مسرّبة من تسجيلات أول عملية اغتيال، تعود إلى شهر ديسمبر 2015، مشيراً إلى أنه تتبع مصدرها حتى وصل إلى شركة أمنية خاصة أمريكية تدعى Spear Operations Group (مجموعة عمليات سبير).
وتمكن الفريق من الوصول إلى أحد الأشخاص الذين كانوا خلف العملية المصورة في تلك المشاهد، حيث التقاه في أحد مطاعم لندن عام 2020. كان “إسحق Isaac غيلمور”، وهو عنصر سابق في وحدة غطّاسي البحرية الأمريكية، وأصبح الرجل الثاني في مجموعة Spear Operations، وهو من بين العناصر الأمريكيين الذين يقولون إنهم وظِّفوا لتنفيذ عملية الاغتيال بتكليف إماراتي.
التحقيق أفاد بأن “إسحق غيلمور” رفض التحدث عن أيٍّ من الأفراد الذين وردت أسماؤهم على لائحة تصفيات مجموعة Spear، التي وضعتها الإمارات، باستثناء “أنصاف مايو”، النائب اليمني الذي كان رئيس فرع حزب “الإصلاح” في مدينة عدن.
وقال غيلمور وموظف آخر لدى مجموعة Spear في اليمن في تلك الفترة وهو “دايل كومستك”، إن المهمة التي نفّذاها انتهت عام 2016. إلا أن الاغتيالات في جنوب اليمن لم تتوقف. بل بالأحرى ارتفعت وتيرتها وفقاً لمحقّقي منظمة Reprieve في مجال حقوق الإنسان.
ونوّه التحقيق بأن عمليات الاغتيال التي نفذت في اليمن بين عامي 2015 و2016م، بلغت 160 عملية، وقعت غالبيتها بعد عام 2016. وقال المحققون إن أكثرها حدث في 2016، ما عدا 23 عملية استهدفت أشخاصاً على صلة بالإرهاب. وقد نُفّذت جميعها تبعاً للتكتيك نفسه الذي تتبعه “سبير”- تفجير عبوة ناسفة بهدف صرف الانتباه، يتبعه قتل الهدف بإطلاق النار.
ونقل التحقيق عن المحامية والناشطة الحقوقية هدى الصراري، أن آخر عملية اغتيال سياسي في اليمن، وقعت الشهر الماضي، استهدفت إمامَ مسجد في لحج بالأسلوب نفسه.
وأضاف إسحق غيلمور وكومستك، واثنان آخران من المرتزقة لدى Spear، طلبا عدم ذكر اسميهما، أن المجموعة دربت عناصر أمنية من الإماراتيين في قاعدة عسكرية إماراتية في جنوب اليمن. كما أكد صحافي- طلب عدم الكشف عن اسمه- أنه اطلع على مشاهد صوّرت لتلك التدريبات.
التحقيق أوضح أن “الإمارات أدخلت تعديلات على المهمة، عندما انكشفت أدوار المرتزقة وأصبحت أكثر وضوحاً في عدن، حيث تحولت إلى مهمة تدريب، وعمدَ الضباط الإماراتيون إلى تدريب اليمنيين من أجل أن يتولوا هم تنفيذ الاغتيالات”، وفقاً لمسؤول عسكري يمني تحدث إلى فريق التحقيق.
مصادر يمنية أخرى تحدثت إلى فريق التحقيق وأيدت كل ما سبق، من بينهم شخصان قالا إنهما نفّذا اغتيالات لأشخاص لم تكن لهم صلة بالإرهاب، بعد تلقيهما تدريبات على أيدي جنود إماراتيين- ورجل آخر قال إنه وعد بالإفراج عنه من أحد السجون الإماراتية مقابل اغتياله شخصية سياسية يمنية رفيعة المستوى- لكنه لم يقبل بتنفيذها.
وتابع التحقيق، أنه بحلول عام 2017، أسست الإمارات ميليشيا مسلحة تحت اسم “المجلس الانتقالي الجنوبي”، كانت تعمل على تنظيم شبكة من المجموعات المسلحة في جنوب اليمن، وتعمل بصورة مستقلة عن الحكومة اليمنية، ولا تتلقى الأوامر إلا من الإمارات، مؤكداً أن تدريب تلك العناصر لم يكن مقتصراً على القتال في الجبهات الأمامية، خصوصاً قوة النخبة لمكافحة الإرهاب، التي دُرّبت على الاغتيالات، حسب مصادر التحقيق.
فربق التحقيق قال إنه حصل من أحد مصادره على وثيقة تتضمن أحد عشر اسماً لعناصر سابقين في تنظيم القاعدة، يعملون حاليّاً لصالح وحدة “قوات النخبة” في المجلس الانتقالي الجنوبي، مؤكداً أنه تحقق من بعض تلك الأسماء.
وأضاف: “خلال تحقيقاتنا وقعنا على اسم “ناصر الشّيبا”- الذي كان مسؤولاً عمليّاتيّاً رفيع المستوى في القاعدة، كان مسجوناً بتهم إرهاب ثم أفرج عنه”، كما تحدث الفريق إلى وزير يمني قال “إن “الشيبا” كان ضمن المتهمين المعروفين في الهجوم على البارجة (الأمريكية) USS Cole الذي أدى في شهر أكتوبر عام 2000 إلى مقتل 17 من مشاة البحرية الأمريكيين”. كما أكدت مصادر متعددة أن “الشيبا” أصبح قائداً في ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي.
كما نقل التحقيق أيضاً عن المحامية هدى الصراري، أنها تلقت تهديدات بالقتل، خلال تحقيقها في تعديات على حقوق الإنسان ارتكبتها في الميدان قوات مدعومة من الإمارات، لكن ابنَها محسن البالغَ من العمر ثمانية عشر عاماً هو الذي دفع الثمن، فقد قُتِل في شهر مارس 2019 أثناء توجهه إلى محطة وقود في المنطقة، وفارق الحياة بعدها بشهر واحد، وبعد عودة هدى إلى مزاولة العمل عقب مقتل ولدها، تلقت أيضاً رسائل تتضمن ضرورة التراجع، ومن ثم التهديد، حيث جاء في إحداها: “ألم يكن موتُ ولدٍ واحد كافياً؟ هل تريديننا أن نقتل الثاني؟”
تحقيقات إضافية قام بها المدّعي العام في عدن، أثبتت أن محسن قُتِل على يد أحد عناصر وحدة قوات النخبة لمكافحة الإرهاب التي تشرف عليها الإمارات، ولكن السلطات لم تستكمل إجراءات الملاحقة قضائيّاً، حيث قال عدد من موظفي مكتب المدّعي العام إن الاغتيالات التي انتشرت على نطاق واسع خلقت جوّاً من الذعر أدى إلى شعورهم بالخوف من المضي في طلب العدالة في القضايا التي تتعلق بالقوات المدعومة من الإمارات.
منظمة Reprieve (لحقوق الإنسان) تسلمت وثيقة مسربة من الإمارات تبين أن مجموعة Spear ظلت تتلقى دفعات مالية في عام 2020، ولكن من دون تحديد الصفة التي بموجبها تلقت تلك الأموال.
وأشار فريق التحقيق إلى أنه سأل مؤسس Spear، آبراهام غولان، عمّا إذا كان المرتزقة التابعون له من الذين دربوا إماراتيين على تقنيّات الاغتيال، ولكن الفريق لم يتلقَ إجابة حتى الآن.
لكن الفريق قدم الاتهامات التي توصل إليها تحقيقه الاستقصائي إلى حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي ردّها قالت الحكومة الإماراتية “إن تلك الادعاءات غيرُ صحيحة، وإنها لم تستهدفْ أفراداً لا علاقة لهم بالإرهاب، بالإضافة إلى أنها كانت تدعم عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن بطلب من الحكومة اليمنية وحلفائها الدوليين”، وأضافت: “إن الإمارات تصرفت بموجب القوانين الدولية مراعية الإجراء خلال تلك العمليات”.
الفريق قدم طلباً آخر إلى وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين للإفادة بشأن مجموعة Spear العملياتية ولكنّهما رفضتا التعليق. كما أعلنت وكالة الاستخبارات الحكومية الأمريكية في بيان: “أن فكرة إقرار السي آي إي عمليّة من هذا النوع غير صحيحة”.