يمن إيكو| تقرير:
على الرغم من اشتراكهما في تنفيذ هجمات فجر يوم الجمعة على عدة محافظات يمنية، فإن مواقف الولايات المتحدة وحليفتها الأبرز بريطانيا تجاه استهداف اليمن، شهدت ولا زالت تشهد تباينات كبيرة وواضحة تعكس عدم وجود رؤية مشتركة وخطة موحدة للتحرك، وهو أيضا ما يؤكده افتقارهما إلى الدعم الدولي في هذا السياق، إلى جانب الانتقادات الكبيرة التي تواجهانها من الداخل، والتي اشتعلت بسرعة بعد أول الضربات على اليمن، الأمر الذي يكشف أن تحرك الدولتين ضد اليمن لم يكن قرارا مدروسا بشكل كاف.
طيلة أيام سبقت هجوم فجر يوم الجمعة، تحدثت العديد من التقارير الأمريكية والبريطانية عن وجود استعدادات لشن هجوم ضد اليمن، لكن قبل الهجوم بيوم واحد نقلت وكالة بلومبيرغ في تقرير رصده موقع “يمن إيكو” عن مسؤول بريطاني مطلع قوله إن “موقف المملكة المتحدة خلال المحادثات مع الولايات المتحدة كان أن الهجمات يجب أن تركز على العمليات في البحر، وليس في اليمن، وذلك بسبب مخاطر التصعيد”، وهو ما يعكس وجود اختلاف كبير في الموقف.
وقبل ساعات من الهجوم، سربت صحيفة “التلغراف” البريطانية معلومات تفصيلية عن الهجوم وأهدافه وتوقيته، وفي اليوم التالي نقلت الصحيفة نفسها في تقرير رصده موقع “يمن إيكو” عن مصدر مطلع قوله إن “الجيش الأمريكي أعرب عن خيبة أمله بشأن تصرفات البريطانيين، حيث لا يتم الإبلاغ عن مثل هذه العمليات عادة إلا بعد عودة الجيش إلى قواعده”،
وهو الأمر الذي أكد وجود الخلاف بين الدولتين، حيث يبدو التفسير الأقرب لتسريب المعلومات هو أن المملكة المتحدة لم تكن تريد أن يتسبب الهجوم بوقوع خسائر كبيرة في اليمن بالصورة التي قد تؤدي إلى تصعيد كبير، وهو السبب الذي يمكن من خلاله فهم اقتراح بريطانيا السابق بأن تتركز الهجمات على البحر فقط.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث نفذت القوات الأمريكية فجر يوم السبت ضربة إضافية بصواريخ توماهوك على اليمن، لكنها قالت في بيان رصده موقع “يمن إيكو” إن الضربة “لا علاقة لها بعمليات حارس الازدهار” بالرغم من أنها قالت في الوقت نفسه إن الاستهداف جاء “متابعة لضرب هدف عسكري محدد مرتبط بالضربات التي نفذت في 12 يناير”!
ويوم الأحد بعد أن تم الإبلاغ عن ضربات جديدة استهدفت الحديدة، نقلت وكالة “فرانس برس” عن مسؤول أمريكي قوله إن “الولايات المتحدة أو التحالف لم ينفذا أي ضربة في اليمن”.
هذه التصريحات أثارت تساؤلات حول عدم وجود غرفة عمليات مشتركة للتحالف، فإدلاء الولايات المتحدة بتصريحات انفرادية، وتنفيذها ضربات انفرادية، هي علامات واضحة على عدم وجود رؤية مشتركة للتحرك العسكري، وهو ما يعني بدوره أن قرار الهجوم لم يكن مدروسا، أو ربما متفق عليه بالشكل الكافي، لأن الانفراد بالتصريحات والضربات لا ينسجم مع أدبيات القيام بعمل عسكري مشترك في إطار تحالف معلن.
وقد سلطت افتتاحية صحيفة “الغارديان” البريطانية يوم السبت بعض الضوء على هذا الأمر، حيث ذكرت أن “قرار رئيس الوزراء سوناك ربما كان لا مفر منه، نظراً لأن واشنطن هي صاحبة القرار” وهو ما يؤكد كل المعلومات حول وجود خلافات وتباينات بين الولايات المتحدة فيما يتعلق باليمن، ويعزز العلامات على عدم وجود خطة مشتركة واضحة للتحرك ضد اليمن.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قد أكدت ذلك فيما يتعلق بتفاصيل العملية العسكرية، حيث نقلت يوم الجمعة عن مسؤولين عسكريين قولهم إن “هناك صعوبة أكثر مما كان متوقعا في العثور على أهداف عسكرية للحوثيين” مضيفين أن الولايات المتحدة تريد “تحديد مقدرا القوة النارية المتبقية لدى الحوثيين من أجل الاستقرار على خطة للهجوم”، وهو ما يشكل دليلا واضحا على أن الخطة العملياتية للتحرك العسكري تفتقر إلى الكثير من المعلومات المهمة، وأن الولايات المتحدة فتحت “حربا” بدون تصور واضح، وبرغم أنها وضعت هدفا رئيسيا يتمثل في الحد من قدرة الحوثيين على شن هجمات مستقبلية في البحر الأحمر، فإن تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي نقلتها نيويورك تايمز، تؤكد أن طرق تحقيق هذا الهدف لم تحدد بعد!
ولعل هذا أيضا ما أشارت إليه صحيفة “الغارديان التي قالت إن “الولايات المتحدة وبريطانيا تقحمان نفسيهما في حرب مفتوحة” مشيرة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني عليه أن يشرح “هذا الانغماس المفاجئ في التدخل بالشرق الأوسط وما الذي سيحققه، وماذا سيحدث إن تم استهداف سفينة للبحرية الملكية وسقط ضحايا؟” وهو تعبير من الصحيفة عن غموض كبير يحيط بالتحرك الذي لا يبدو أنه يستند إلى رؤية محددة، فضلا عن حقيقة أن الولايات المتحدة هي من اتخذت قراره كما قالت الصحيفة، وهو ما يعزز رواية الحوثيين التي تقول إن واشنطن تسعى فقط “لتوريط” الآخرين، حسب تعبير عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير.
هذا أيضا ما يؤكده إحجام دول العالم، وعلى رأسها حلفاء الولايات المتحدة وبريطانيا أنفسهم عن الانضمام للتحرك العسكري ضد اليمن، حيث قوبلت هجمات فجر يوم الجمعة بإدانات وتحفظات واضحة من مجموعة كبيرة من الدول، على رأسها روسيا والصين، فيما رفضت دول حليفة للولايات المتحدة كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا حتى التوقيع على البيان المشترك الذي أيد الضربات، بحسب ما كشفت وكالة رويترز، الجمعة، وقد رفضت جيبوتي أيضا طلبا أمريكيا لنصب منصة صاروخية لاستهداف الحوثيين على أراضيها، بحسب ما كشفت قناة الجزيرة.
وقالت الغارديان البريطانية في افتتاحيتها يوم السبت بوضوح إن “الولايات المتحدة وبريطانيا معزولتان على نحو مثير للقلق على المستوى الدولي” مشيرة إلى أن دعم هولندا وأستراليا وكندا والبحرين للهجوم على اليمن كان “دعما غير قتالي” لتخلص الصحيفة إلى أن الدولتين” تقحمان نفسيهما في حرب إطلاق نار مفتوحة لا يمكنهما الفوز فيها، وبالتالي فإن تحركهما هو في الأساس عديم الجدوى”.
وقد أكد تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية ورصده موقع “يمن إيكو” الأمر نفسه، حيث نقل عن خبراء أمريكيون قولهم إن الحوثيين لن يوقفوا هجماتهم البحرية وإنهم متعودون على القصف الجوي وإن الولايات المتحدة ربما لا تعرف أماكن تخزين الأسلحة، ولا تستطيع تشغيل عناصر استخباراتية على الأرض بسبب الطبيعة الاجتماعية المختلفة في اليمن.
وقد أبدى أعضاء في الكونغرس الأمريكي نفسه اعتراضات أكبر على التحرك الأمريكي، حيث أكدوا إنه “يخالف الدستور الأمريكي” لأن بايدن اتخذ القرار بدون الرجوع إلى الكونغرس.
وذهب آخرون ومنهم السفير الأمريكي السابق في اليمن جيرالد فيرستاين إلى أبعد من ذلك حيث قالوا إن التحرك العسكري الأمريكي يعطي الحوثيين ما يطلبونه بالضبط وهو القتال مع الولايات المتحدة، في إشارة إلى أن واشنطن استدرجت إلى هذا التصعيد.
وشهدت عدة مدن أمريكية هذا الأسبوع احتجاجات كبيرة ضد قرار الهجوم على اليمن.
وبإضافة كل هذه الأصداء والمواقف إلى المعلومات التي تؤكد الخلافات بين الولايات المتحدة وبريطانيا وعدم وجود خطط مشتركة واضحة للهجوم، يتضح بشكل جلي أن التحرك الأمريكي البريطاني ضد اليمن كان مغامرة غير محسوبة ولا تستند حتى إلى حسابات مصالح الدولتين كما تؤكد الاحتجاجات والانتقادات الداخلية، الأمر الذي يبقي دافعا وحيدا على واجهة المشهد وهو القتال بالنيابة عن إسرائيل ضد الحوثيين الذين فرضوا عليها حصار بحريا ضاغطا بهدف دفعها لوقف إطلاق النار في غزة وهو المطلب الذي ترفضه الولايات المتحدة بشكل واضح برغم إجماع كل العالم عليه.