يمن إيكو| تقرير:
في الـ19 من ديسمبر أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن من تل أبيب، عن تشكيل تحالف دولي لمواجهة هجمات قوات صنعاء في البحر الأحمر، بمشاركة تسع دول فقط لا تشمل أي دولة مطلة على البحر الأحمر، ولا أي دولة عربية باستثناء البحرين، قبل أن تعلن ثلاث من الدول التسع تحفظها على المشاركة فيما اكتفى البقية بإرسال عدد قليل من الضباط، ليخرج التحالف هزيلا وخاويا، كاشفا عن فشل غير مسبوق للولايات المتحدة في إقناع حلفاءها بدعم تحركها، في مقابل نجاح حكومة صنعاء ليس فقط في إسقاط الرواية الأمريكية وإقناع الشركات بعدم وجود خطر على الملاحة الدولية، بل أيضا في منع حلفاء آخرين لواشنطن من الانضمام بشكل رسمي إلى التحالف الأمريكي.
تحالف بلا تنسيق
وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أعلن في البداية أن التحالف الذي حمل عنوان “عملية حارس الازدهار” يضم كلا من المملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، وهو عدد قليل بالمقارنة مع حجم التحرك الأمريكي المكثف الذي سبق هذا الإعلان، والذي سعت فيه الولايات المتحدة لحشد دعم دولي واسع، خصوصا وأن هذه المجموعة المعلنة لم تضم أي من الدول المطلة على البحر الأحمر التي تعتبر المعني الأول بالأمر.
ومع ذلك، لم تستطع الولايات المتحدة حتى الحفاظ على تماسك المجموعة المعلنة، حيث أعلنت فرنسا إنها سفنها ستبقى تحت القيادة الفرنسية، وقالت إيطاليا إنها أرسلت الفرقاطة “فيرجينيو فاسان” إلى البحر الأحمر استجابة لطلبات محددة قدمها أصحاب سفن إيطاليون، مؤكدة أن هذا الإجراء ليس جزءا من عملية حارس الازدهار.
وقالت إسبانيا إنها لن تشارك إلا في مهمات يقودها حلف شمال الأطلسي أو في عمليات ينسقها الاتحاد الأوروبي،
وأضافت: “لن نشارك من جانب واحد في عملية البحر الأحمر”، فيما قالت صحيفة “كونفيدنسيال” الإسبانية إن “إسبانيا استخدمت بشكل مفاجئ حق النقض ضد قرار مشاركة الاتحاد الأوروبي في القوة”.
وإلى جانب تحفظ هذه الدول الثلاث، اكتفت كل من هولندا والنرويج بإرسال 12 ضابطا بحريا فقط إلى البحرين التي اقتصر دورها على الاستضافة.
وتظهر هذه المعلومات أن الولايات المتحدة لم تفشل فقط في حشد دعم دولي كبير للتحالف البحري، بل فشلت حتى في ضمان الدعم التي أعلنت عنه، وهو ما يكشف بدوره إخفاق في تسويق أهداف وغايات التحالف، فبالرغم من أن الولايات المتحدة وضعت عنوانا مهما هو “حماية تدفق حركة التجارة” فإن تحفظ فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والمشاركة الرمزية جدا لهولندا والنرويج، تكشف أن هذه الدول لم تشعر فعلا بقلق على مصالحها في البحر الأحمر وباب المندب، وأنها تعرف أن الضرر منحصر على حركة الملاحة الإسرائيلية، وهو ما تكشفه بيانات حركة قناة السويس في نوفمبر، حيث حولت 57 سفينة فقط مسارها حول أفريقيا، مقابل أكثر من ألفي سفينة عبرت.
وبرغم أن الولايات المتحدة حاولت بعد ذلك، ولا زالت تحاول، ضم دول أخرى لتعويض الفراغ الكبير في التحالف، فإن وزير الدفاع الأسترالي، ريتشارد مايلز، كتب قبل أيام في تدوينة على مواقع التواصل رصدها موقع يمن إيكو: “لن نرسل سفينة أو طائرة إلى الشرق الأوسط، وسنرسل 11 عسكريًا فقط في يناير، إلى مقر القوة في البحرين للمساهمة في القوة البحرية التي تقودها الولايات المتحدة في البحر الأحمر”.
وقالت صحيفة بوليتيكو الأمريكية إن “الحكومة الصينية تجاهلت دعوة وجهها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصين لمساعدة التحالف الدولي في البحر الأحمر”.
ولم تسفر الجهود الأمريكية المستمرة لضم المزيد من الدول سوى عن استجابة الدنمارك واليونان.
فشل في تسويق الرواية الأمريكية
ويقول تقرير لوكالة “رويترز” رصده يمن إيكو إن “امتناع بعض حلفاء الولايات المتحدة عن الانضمام إلى قوة المهام يعكس الخلافات الناجمة عن الحرب في قطاع غزة، إذ يدعم الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل بقوة حتى مع تزايد الانتقادات الدولية للهجوم الإسرائيلي” وهو ما يشير إلى ضعف الرواية الأمريكية حول حماية الملاحة الدولية، وقلق حلفاء واشنطن من المساهمة في تحرك يدعم إسرائيل، الأمر الذي يعزز رواية حكومة صنعاء حول الهدف الحقيقي من التحالف الأمريكي.
وتنقل الوكالة في هذا السياق عن ديفيد هيرنانديز، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كمبلوتنسي بمدريد قوله إن “الحكومات الأوروبية تشعر بقلق بالغ من أن ينقلب عليها قطاع من ناخبيها المحتملين”، مشيرا إلى أن الشعب الأوروبي ينتقد إسرائيل على نحو متزايد ويخشى من التورط في صراع.
حكومة صنعاء تعيق التحشيد الأمريكي
إخفاق الولايات المتحدة في تسويق روايتها حول ما يحدث في البحر الأحمر، قابله أيضا نجاح لحكومة صنعاء في وضع عقبات أمام انضمام حلفاء أمريكا في المنقطة والعالم إلى تحالف “حارس الازدهار” حيث تقول رويترز إن “هناك أيضا خطر أن تتعرض الدول المشاركة لانتقام من جماعة الحوثي” مشيرة “مصدر مطلع على تفكير الإدارة الأمريكية قال إن هذا الخطر – وليس الخلافات حول غزة – هو ما يدفع بعض الدول إلى الابتعاد عن هذه العملية”.
هذا أيضا ما ينطبق على موقف السعودية والإمارات من التحالف حيث قالت “رويترز” و “بلومبيرغ” إن الدولتين تخشيان من أن يسبب انضمامها إلى التحالف الأمريكي تصعيدا يعرض خارطة إنهاء الحرب في اليمن للخطر، وقالت قناة الإخبارية السعودية الرسمية الأسبوع الماضي إن عدم مشاركة المملكة يعود لعدة أسباب منها أن “السعودية تتفاوض مع الحوثي ولا تريد تعطيل المفاوضات بعد أن كادت تصل لخارطة طريق وكان التوقيع قريبا” حسب القناة، وهو ما يعني بالضرورة وجود مخاوف من عودة هجمات قوات صنعاء على المنشآت الاقتصادية في السعودية والإمارات.
ولا تلغي مخاوف السعودية والإمارات من رد فعل قوات صنعاء، إخفاق الولايات المتحدة في إقناعهما بالانضمام، فالدولتين كما هو معلوم تعتبران من أكبر وأهم حلفاء واشنطن في المنطقة.
وبالإضافة إلى معادلة القوة التي يبدو أن قوات صنعاء نجحت من خلالها في منع عدد من حلفاء أمريكا من الانضمام إلى “حارس الازدهار”، فإن حكومة صنعاء قد نجحت أيضا في على المستوى الدبلوماسي في إفشال عملية التحشيد الأمريكية الدولية، حيث أعلنت وزارة الخارجية في صنعاء أنها وجهت رسائل لدول العالم وشركات الشحن والمنظمة البحرية الدولية بأن الملاحة آمنة في البحر الأحمر لكل الوجهات ما عدا إسرائيل، وقد كشفت مواقع ملاحية الأسبوع الماضي أن عدة سفن بدأت بتطبيق نظام تعريف جديد يتضمن عبارة “لا علاقة لنا بإسرائيل” وهو ما مثل تفاعلا إيجابيا واضحا مع قرار حكومة صنعاء بحظر السفن المرتبطة بإسرائيل.
وقد كشف المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام في وقت سابق هذا الشهر أن هناك عدة دول تتواصل مع حكومة صنعاء وتبلغها بأنها ليست ضمن التحالف، أو أن مشاركاتها تقتصر فقط على إرسال عدد من الضباط إلى البحرين، معتبرا أن عدم التفاعل الدولي مع التحالف الأمريكي يعود إلى “إدراك لعدم وجود شرعية لهذا التحالف”.
وأكثر من ذلك، كشف وزير خارجية جيبوتي الأسبوع الماضي أن بلاده (المطلة على البحر الأحمر) رفضت الانضمام للتحالف الأمريكي لأنها رأت أن هجمات قوات صنعاء تمثل “نجدة للشعب الفلسطيني” وهو ما يتجاوز مسألة فشل الولايات المتحدة في حشد الدعم إلى اصطدامها بدعم معاكس.
عزلة أمريكية
الإخفاق الأمريكي في حشد الدعم الدولي والإقليمي لتحالف “حارس الازدهار” مهما كانت أسبابه، يؤكد أن الولايات المتحدة تعيش بالفعل “عزلة دولية” بحسب ما قال مسؤول أمريكي رفيع لصحيفة “واشنطن بوست” منتصف ديسمبر، مفسرا هذه العزلة بأنها ناتجة عن “الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل”.
وأضاف المسؤول الرفيع: “نسمع شكاوى وانتقادات، ليس فقط من الأصدقاء، ولكن من جميع أنحاء العالم، وليس فقط دوليا ولكن داخليا”.
ونقلت وكالة “فرانس برس” الأسبوع الماضي، عن ليزلي فينجاموري، الخبيرة في مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن قولها إنّ “الطريقة التي يُنظر بها إلى كل هذا في بقية العالم هي أنّ الولايات المتّحدة تهتمّ بالإسرائيليين والأوكرانيين فقط”، وهو ما يشير إلى أن جوهر العزلة الأمريكية هو أنها لم تعد قادرة على إقناع أحد بأهداف تحركاتها وخصوصا فيما يتعلق بإسرائيل والشرق والأوسط، الأمر الذي يعني أنها تتصرف وحيدة في موضوع التحرك البحري ضد عمليات حكومة صنعاء ضد السفن المرتبطة باسرائيل، كما هي وحيدة في الدعم غير المحدود لإسرائيل.